فانتازيا المحبة تعيش ليوم واحد

فانتازيا المحبة تعيش ليوم واحد
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

ياسمين مجدي

الشعراء وهم يخوضون في غوايتهم .. يهدون التفاصيل ويعيدون بنائها.. وصارت نصوصهم تخرج عن إطار كونها مجرد مشاعر .. متحولة بجرأة بالقصائد إلى عالم الحدوتة الصغيرة. تلك الأيام يبدو الشعراء غالبا مثل قصاصين متنكرين.. يباغتوننا بحكايات جملها المختصرة تمنحنا عالما كبيرا تحت مسمى قصيدة. محمد خير هو أحدهم، ومجموعته "رمش العين" هي الإعلان الصريح لذلك بعد كثير من القصائد الحكائية. فيأتي بكتاب مخصوص للحكايات نفسها. يبدو أننا نواكب زمنا مملوء بالتفاصيل المنفردة التى تدفع عدد من الكتاب إلى اللجوء لفن القصة القصيرة وإصدار مجموعاتهم تلك الأيام.

تبدو في تلك الحالة المجموعة القصصية شعرية بامتياز. تقوم في أحد ملامحها على رجل وامرأة وعلاقة ببنهما لها تفاصيل عادية، لكنها تشهد على أبعاد لعلاقة وثيقة الصلة ببنهما، يمكن تسمية ما يحدث بكونه إشارة لرباط وثيق لكائنين، كلا منهما يشكل مرآة للآخر، في أحد القصص توقظه لأجل عصفور تشتبه أنه سقط خلف الأريكة، يبحثا عنه ولا يجداه، لكنه يدرك مقدار الانفجار والوحدة والخوف الذي تحسه. هنا الرجل والمرأة ليسا في مواجهة بعضهما أبدا، إنهما كائن واحد يكشف عن هزائم نصفه الآخر ويحنو عليها.  واللحظات التي تقتنصها القصص من حياتهم هي لحظات عادية جدا ويومية، لكنها إشارة لذلك الرباط الوثيق، فاللحظة الأهم بينهما هو أن يفتح الباب، ودون أن تنظر له ترفع ذارعيها له من فوق الكنبة كالأطفال. أي حب يمكن أن ينمو عاديا وطبيعيا وبالقوة تلك. الرجل والمرأة في القصص يتقدمان في العمر معا ويبدوان كرفيقين بامتياز.

الخوف هو أحد أوجه المشاعر السلبية التي تعاينها شخصيات المجموعة، الخوف من حمل مسدس للأخذ بالثأر، الخوف من فقدان السمعة، الخوف حتى من فقدان الذات في إطار علاقة عاطغية تحاول محو الرجل وتهيمن فيها المرأة عليه بتفاصيل جديدة ماجنة. الخوف حتى من تقدم العمر  ومن مسافة الحياة القصيرة دون أن ندركها، يقول البطل في أحد القصص: “راقبت قسوته وشعره الذي انحسر كثيرا عن مقدمة الرأس، والترهل الذي أصابه ولابد أصابني أيضا”. يبدو الزمن هو العامود الثالث في مثلث الرجل والمرأة، حتى أن القصة التي أتخذت المجموعة اسمها عن زهرة تسمى رمش العين يبحث عنها البطل وكل ما يظن أنه يعرفه عنها أنها تعيش ليوم واحد فقط.

يبقى الأهم من الحدث نفسه في مجموعة “رمش العين” للكاتب محمد خير هو فكرة تأويل الحدث أو تفسيره ودرجة الوعي بحقيقته، ففي أحد القصص يحكي البطل عن اختفاء أخيه أو ربما صديقه، لا يحكي عن الحدث نفسه بقدر حكيه عن وعيه الخاص بالحدث، وفي قصة عن انتحار رجل تتجلى بشدة فكرة تأويل الحدث، فيقوم كل شخص من جيرانه وأصدقائه بتكوين وعيه الخاص عن الحدث، أحدهم يدينه هو شخصيا وآخرون يدينون زوجته وتبقى الحقيقة محض وجهة نظر لكل فرد شهد القصة.

القصص تبدأ حينما تنتهي، ذلك لأنها قصص مكتوبة بلغة مكثفة ودقيقة وبسيطة، والأحداث تتم بهدوء، رغم أن في باطن الشخصيات خوفا كبيرا وعالما متوحشا ، تصرف الشخصيات معه بشكل عادى وهادئ.. يرى البطل فى أحد القصص كوابيس متواصلة أثناء غفوته النهارية بين عملين، ويخبره أصدقاؤه بأن ما يراه لاشيء فثمة كوابيس أخرى مريعة يعايشونها. وأبطال القصص يجابهون هذا العنف من العالم بصمت  وهدوء، ينفجر في داخل القارئ نفسه فور انتهاء القصة. لذا فرغم شاعرية اللغة ورد فعل الشخوص إلا أن العالم يخفي وجها واقعيا جدا رغم أنه يقدم بشاعرية

الفانتازيا سمة حاضرة في عالم الحب .. وتظهر مؤامرات وأحداث تحمل طابع الفانتازيا ذلك، فيفقد طبيب سمعته بسبب إشاعة كاذبة أطلقها عليه رجل هوايته إطلاق الإشاعات. أو قصة عن رجل تظهر أشياء وأشخاص في حياته لا يعرف عنهم شيء ويتم توجيه اتهامات له بأفعال لا يعرف متى قام بها، شخص في قصة أخرى يعيد ترتيب شقته حتى لا يتعثر في الأثاث أثناء قيامه للسير أثناء النوم. تمتد الفانتازيا حتى لعالم المحبة ، إذ تنمو العلاقات في إطار غرائبي، فتموت الزوجة المخلصة وهي تنادي على اسم رجل آخر غير معروف من هو.

غير أن أغلب شخصيات القصص تتحدث عن زياراتها للبارات ومعاقرة الخمر . ويبدو من غير المنطقي أن يجتمع هواة الخمور كلهم في مجموعة واحدة.

 

عودة إلى الملف

مقالات من نفس القسم