رحاب إبراهيم
لم تكن هناك أي مؤشرات في الصباح أنها سوف تمطر.
استيقظ بعد الفجر مباشرة، حمل أدواته وانطلق بسيارته نحو المكان الذي حدده مسبقا للتصوير، حسب بدقة درجة ميل الأشعة وتباين الظل والنور في هذه المنطقة البكر في الصحراء، لم ينس أن يسمع توقعات الأرصاد وبدا كل شيء مواتيا.
آخر موعد للمسابقة غدا وهذا يوم أجازته الوحيد، الفوز يعني رحلة طالما حلم بها ونشر اسمه وصورته في أشهر المجلات المعنية بتصوير الطبيعة والحفاظ على البيئة. ربما تمكن بعدها من التواصل مع إحدى المؤسسات التي تتكفل بتمويل فيلمه المؤجل، مشروع مكتمل منذ مدة ومؤجل بسبب نقص التمويل.
في الساعة الأولى أنجز كثيرا مما خطط له، ولكن الغيوم بدأت في التجمع وتبدلت الأحوال سريعا،
قرر البقاء في سيارته ربما كانت غيمة عابرة تتوقف بعد قليل.
أدار الموسيقا وأسند رأسه مغمضا عينيه، تخيل نفسه في حفل الأوسكار والجولدن جلوب وعلى أفيشات السينمات وأغلفة المجلات..انتبه على صوت سيارتها تتوقف بجواره.
…………
هل تقول له نفد الوقود؟
تبدو حيلة قديمة لدرجة التهالك..لقد تتبعته منذ الصباح لكنه لم ينتبه..
– اسمع.. أريدك.
– نعم؟!
-أريدك في جلسة تصوير..الآن ..تحت المطر
– مجنونة؟!!
-ربما..ستقوم بالدور .. بعدها تكون حرا..تستمر كنجم أو تعود للتصوير والإخراج..
– الجو كان صحوا، والمكان اخترته مسرحا لفيلمي أنا ..كيف أتيتِ؟
ضحكت باستخفاف
– وكيف أتى المطر ؟! تذكر أنك لا تستطيع التحكم في كل شيء.
– وهل تستطيعين؟
– موافق أو لا؟
– موافق
– قرار جيد …لن تندم.
أخذا يدوران حول بعضهما البعض، تمسك الكاميرا وتبدأ التصوير، وفي اللحظة التي تتوقف فيها لتغيير الكادر أو العدسة يسارع هو بالتصوير، رأته ولم تعترض بل ربما بدت مستمتعة باللعبة.. توقف المطر ولم يتوقفا..
بدأت لعبة الاختفاء..
أخذ كل منهما يختبئ من الآخر خلف التلال، يفضحهما الظل والكاميرا سلاح متبادل.. لقطات متتالية.. تلمع قطرات العرق على جسديهما.. تتخلل شعرهما الأشعة الذهبية الفاتنة مع حبات الرمل.
أوشكت الشمس على المغيب..قفز كل منهما لسيارته
أشارت للكاميرا في يده
– حياة كاملة هنا….خطفتها منّي خلسة
ضحك
– كانت خدعة؟
– فرضا أنها كذلك..لقد أحببتِها ..تنكري؟
ضحكت..
أغلق كل منهما زجاج سيارته..دارا دورتين كاملتين …يوشكان على الاصطدام ويبتعدان في اللحظة الأخيرة مع ضحكات صاخبة.