غواية تأخرت كثيراً

غواية تأخرت كثيراً
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

(1)

ذهبت صباح أمس إلى السينما، كان هناك عرض لثلاثة أفلام متتالية بنفس التذكرة، ولأنني كنت افتقد البقاء وحدي وجدت فيه ضالتي. دخلت كعادتي قبل الإعلانات وجلست انتظر. وقبل بداية الفيلم بفترة ظهر من العَدَم شاب ما وجاء كُرسيه بجواري، كان اسمه "روبرت". هو لم يُخبرني، أنا أطلقت عليه ذلك، أو رُبما هو من أخبرني لكنني نسيت! لا أدري.

وما أن جلس حتى بدأ يوجه لي كلامًا كما لو كان يستكمل حديثًا كُنا قد بدأناه من قبل.ظل يتحدث كما لو كان واثقًا من أنني سأتجاوب معه فى الحوار، ولأنه كان خفيف الظل ظللت ابتسم وأكتم الضحك إلى أن اضطررت للنظر إليه بنصف ابتسامة قائلة “أرجوك لا تُضحكني”.و كأن تلك هى الإشارة التي جعلت كل الأحداث تتوالى بعد ذلك إذ أنه استمر فى حديثه الفردي معي وفجأة قبل بداية الفيلم بلحظات أفرغ محفظته الجلدية من محتواها وأهداني إياها!

فى السابعة ونصف مساءًا شعرت أنني تأخرت كثيرًا وأن الأفلام كانت أطول مما يجب، فنهضت فور انتهاء العرض فى الثامنة وقبل أن أغادر مكاني التفتُّ إلى روبرت وأعدت له محفظته بينما أخبره أنني لن أستطيع قبولها، وحين ألح في طلبه أشرت له إلى إصبعي قائلة “أنا متزوجة”. وعلى الرغم من ذلك رفض تمامًا أن يأخذها فتركتها على المقعد ورحلت.خرج ورائي مستمرًا في حديثه معي طوال طريقي للباب. ولم أعرف ماذا أفعل!

 (2)

إنه شاب لطيف، يبدو حنونا،خفيف الظل،ووسيماً،  واعتقد أنه أصغر مني سنًا، هكذا أستنتج من استهتاره بمسألة زواجي وتفاؤله وإصراره المستمرين.والغريب أنني اشعر تجاهه بمشاعر متناقضة، فعلى قدر ما أريده أن يرحل عني إلا أني سعيدة بملاحقته لي من أول نظرة واقتناعه أنني امرأة تستحق المجازفة. ولكن فى الوقت نفسه اشعر نحوه بالشفقة لأنني لن أستجيب وسينتهي كل شئ كان يمكن أن يحدث قبل حتى أن يبدأ خلال دقائق قليلة.

ظل ملازمًا لي حتى وصلنا لأول الطريق فطلبت منه أن يتركني ويرحل فأنا لن أتبادل معه أية معلومات شخصية، والأهم أنني أخاف أن يراني زوجي أو أحد معارفه فيخبره ويقوم بمنعي من الخروج بمفردي بعد ذلك. وحين رفض لم يعد هناك مفر من أن أهدده بالصراخ لأجبره ع الرحيل،لم يصدقني، فنفذت ما هددت به وفجأة التف حولنا مجموعة من الحرفيين يسألونني عما حدث. أخبرتهم أنني لا أعرفه وأنه يلاحقني وأخاف على نفسي أن يُحدث بي مكروهًا. أمسكوه ليوسعوه ضربًا فتسمرت بمكاني وطلبت منهم ألا يضربوه أو يُهينوه كل ما أريده أن يحتجزوه قليلًا حتى أترك المكان دون أن يتبعنى.

يبدو أن طلبي هذا استفزهم وأثار حفيظتهم إذ فجأة تحولوا جميعهم نحوي كما لو كان الأمر مُخططًا وبدأوا التحرش بي فى حفل جماعي انتقامًا، لم ينجدني منهم إلا روبرت نفسه، وما إن خرجت من بين أيديهم حتى جريت تاركةًإياه يأخذ من أيديهم وأرجلهم نصيبه وعند أقرب رصيف جلست كطفلة صغيرة على الأرض أبكي مما حدث لي.

 (3)

أخيرًا عُدت إلى منزلي وابنتي الصغيرة، كالعادة لم يكن زوجي هناك. قضينا الليلة وحدنا وفى الصباح الباكر استيقظت على صوت جلبة وحين ذهبت لأرى ما الذى يحدث وجدت أخت زوجي تعبث بمحتويات المطبخ كما لو كانت تبحث عن شئ ما! تعجبت كيف دخلت إلى هناك ومن أين أتتها جرأة اقتحام منزلي فى وجودي دون استئذان! كل هذا جعلني أستشيط غضبًا فتشاجرت معها وسألتها كيف دخلت فأخبرتني بمنتهى التبجح أن زوجي منح كل شقيقاته نسخًا من مفاتيح شقتنا بل ومنحهن حرية استخدامها إذا ما أردن ذلك فى أي وقت. استفزني الأمر فطردتها من المنزل وقررت أن أحتكم لوالديها ولمَّا لم تهتم أخذت ابنتي وذهبت إلى بيت حموي فى الحال.

وهناك أمام البناية كان روبرت جالسًا في سيارة أجرة أمام المقود، لا أعرف هل هي سيارته أم أنه استأجرها ليدَّعي كونه سائقًا فيستطيع البقاء هنا كيفما يشاء! نظرت إليه والتقت أعيننا، شعرت به كما لو كان يخبرني أنه وعلى الرغم من كل ما حدث استطاع أن يتبعني وأنه سيصل إليّ مهما طال الانتظار.

وصلت بيت حماتي وأثناء صعودي كنت لا أفكر إلا بذلك الـعاشق الطائش وفي ما الذى قد يفعله حين أغادر لأعود إلى بيتي. ثم تذكرت أن المنزل هنا له بابين، إذن يمكنني أن أغادر من الباب الخلفي لا ذلك الذي يقف أمامه. يمكنني أيضًا أن أجعل أيًا من معارفي يستقل معي سيارة الأجرة فأغادر دون أن أحتك به. لكنني  لم أرغب فِعل شيء من ذلك. وبالرغم من يقيني أن تلك القصة لن ترى النور إلا أنني لم أملك سوى الشعور بالحزن والغضب وأنا أفكر أنه فى وقت آخر كان من الممكن جدًا أن أقع في حُب ذلك الشاب المتهور فهو يملك الكثير من الصفات التي لطالما تمنيتها فى الرجل الذي سأُكمل معه حياتي لكن الأوان الصائب قد انقضى، فلماذا تأخرت كل هذا العمر!؟ والأهم لماذا جئت الآن يا روبرت!؟

 

 

مقالات من نفس القسم

تراب الحكايات
موقع الكتابة

خلخال