غربته الأوروبية تبدو جلية في نصوص ديوانه «أماكن خاطئة» (ميريت ــــ القاهرة)، أحمد اليماني الصوت النثري يعود بعد غياب ثماني سنوات منذ «وردات في الراس». ديوانه الجديد متخم بالشعر كمّاً وكيفاً:120 صفحة هو حجم أكبر من المعتاد في دواوين النثريين، معظم النصوص مصفوفة نثراً متراصاً أفقياً، لا كقصائد رأسية حرة كما درج معظم الشعراء في السنوات الأخيرة. في نصه «خروج»، ينسال الذعر والفصام والغربة في تدفّق كابوسي «أوقفتني الشرطة بعد نصف ساعة من التجديف، أين تذهب في «أماكن خاطئة» يتجاور الشعر والنثر بل يمتزجان بهذا القارب المسروق؟ وفي هذه الساعة من الليل؟ قفزت مرعوباً وكتمت أنفاسي حتى وصلت إلى الشاطئ. أوراقي وأقلامي وكتبي كانت تلاشت هناك. ظللت أعدو حتى أطاحتني قدم أحدهم في الهواء ومن ثم منكفئاً على وجهي. ركبتي تنزف والدماء في أسناني. إلى أين تذهب أيها المذعور؟ صاح الرجل فعدوت أكثر رعباً حتى نهاية الشاطئ (..) ارتحت قليلاً ثم رأيتني أمشي من جديد على شاطئ آخر وفي يدي أوراق وأقلام وكتب». لكن الشاعر يستجيب لنزوة كلاسيكية يستعرض فيها صوراً شعرية في قصيدة الحب، حيث الحب «كان ضربة واحدة دون فأس» و«كان جارحاً كشوكة في وردة/ في حديقة مبلولة في بيت مهجور/ عاش فيه رجل وحيد/ ودفن في إحدى غرفه/ الحب كان الغرفة/ كان حذاء الرجل الذي لم يفنَ/ كان الستارة المهترئة التي سترت بقاياه قليلاً» ثم الحبّ أيضاً «كان قفزة من الدور العاشر/ كان تفتتاً على الطريق/ كان نقاط الدم من الرصيف إلى عربة الإسعاف». يلعب يماني بالعناوين مقتبساً ومتناصاً. ثمة قصيدة بعنوان «تلك الرائحة» كرواية صنع الله إبراهيم، وأخرى باسم رواية بهاء طاهر «قالت ضحى». هو لعب لأنّ الاقتباس الذي يبدأ بالعنوان ينتهي عنده. وهو لعب لأن في انسيابية النصوص حريةً يتجاور فيها الشعر والنثر ويمتزجان ليصنعا أحياناً قدراً محبباً من سخرية خفيفة ومؤسية، كما عندما يتذكر «بيتنا القديم»: «من كوة في الحائط/ ينسل خيط شمس مرتين في العام/ لينير وجه الأب الممدد على الكنبة/ مرة يوم زواجه ومرة يوم عمله بالحكومة».
ـــــــــــــــــــــــ
جريدة الأخبار اللبنانية 31/07/2009