مؤنس فرحان
عرفت غادة في بادئ الأمر عن طريق مدونتها (ست الحسن)، أعجبتني جدا بداهة النصوص، رغم رمزيتها في بعض الأحيان، إلا أننا نلحظ وضوح المعاني وقربها وسلاستها، فأجدني في حيرة أقول لنفسي: “ما هذا؟!، كيف استطاعت أن تعبر عما أحسست به بالضبط؟!”، الجميل أنك عندما تتعرف على غادة في الواقع، تجد كأنك تقابل نصوصها في شكل إنسان، نفس العفوية والوضوح والبساطة و عدم التكلف بتاتا.
صياغة المشاعر وصبها في قالب ملموس على هيئة نصوص نثرية أو شعرية، هو نوع من الإبداع الفني الذي تتميز به، ويمكن أن يكون لخلفيتها الفنية كفنانة تشكيلية تتعامل مع الألوان والضوء والظل، أبلغ الأثر على لمساتها الشعرية لكامل نصوصها ..
“تقفز من سحابة إلى أخرى” هو أول دواوينها، وكان مفعم بـ حديث ومناجاة مع النفس أو مع ما تهفو إليه النفس، والسحب التي كانت تنتقل غادة فيما بينها، ما هي إلا سحب تلك الأحاديث.
فمثلا من نص (إغواء):
“أحتاجك لأراني”
ومن نص (تانجو):
“أود أن أصفعه
أو أن أقبله
ربما يفيق قليلا و يراني”
ومن نص (انتحار):
“وحدها
تخطو بعذوبة
فوقكم جميعا
بلا محبة أو أخرى“
و من نص (اشتباك):
“مخطوط داخل عينيه
(الأبواب جميعها مغلقة
لا مكان لك
بين هذين الذراعين
هذا الفم لن يهبك أية هدية)
أعرف
ولا أعرف لماذا أنا منساقة نحوك“
وهكذا، في أكثر من نص نجد روح تشعر بأنها مختلفة ووحيدة، تبحث عن مكملها، والذي يبدو أنه يبحث عنها هو الأخر، فحالة البحث تلك هي ما وصلتني من ديوانها الأول.
أما ديوانها الثاني “تسكب جمالها دون طائل”، أول ما قرأت هذا العنوان قبل قراءتي للنصوص وجدته عنوان آسر، و بعد قراءته تأكدت من أنه اختيار عبقري، و معبر جدا عن حالة النصوص بداخله ..
“تسكب جمالها دون طائل”.. هل هو عنوان يوحى بالخذلان المتكرر؟، هل يوحى بفقدان الأمل، ومع ذلك لازالت تسكب علينا من فيض جمالها؟
لا، في الحقيقة غادة تعبر بحرفية حقيقية عن مجموعة متشابكة من العلاقات بين الرجل والمرأة، لا تعبر فيها بجمال وقدرة عن مشاعر الأنثى فقط، كما هو مشاع في أنه أفضل من يعبر عن الأنثى هي الأنثى، والعكس، أفضل من يعبر عن الرجل هو الرجل، هنا غادة تعبر عن مشاعر يعيشها الاثنين، تمسك حالة المشاعر الإنسانية، و تصبها في قالب من الكلمات والصور بشكل يمكن أن يعبر عن مشاعر كل من الرجل والمرأة على حد السواء.
ففي نص “أبحث عن أغنية تصف قلبا فارغا للتو”، فغادة:
“تشرح اكتمال فقدان الثقة”
وفي نص (سقوط ناعم) نجدها في البداية:
“تافهة مثل مكالمة لا يرغب في استقبالها أحد“
وفي النهاية:
“من سيبتسم الآن لي
فأحول رأسي باتجاه شمسه؟”
وفي نص (مقاومة النور والعتمة):
“لقد عرفت الكثيرين
و لم أعرف أحدا يحول مواسير الحديد إلى أرغفة ساخنة“
ومن نفس النص في مقطع آخر:
“لقد حذرتني منح قهوتي،لا تخف يا أبى
إنهم لا يحبونهايا أمي
أنا أرتدي أحلى فساتينيولا أحد ينظر باتجاهي”
و في نص (اتصل الآن و أدخل كود اللعبة):
“أريد عطرا يجبرني على التوقف في منتصف الشارع لمعانقته
لكنني بدلا من ذلك أتمشى ببياض لا يشبهني
أغازل الألوان الخافتة
وألهو مع خيال لا يتحول”
وفي نص (نهايات مفتوحة):
“يجلس معي كي يعبر بي فقدان الاتزان”
وفي نص (خيال مسكون):
“لماذا تملؤني إذا كنت لن تشربني؟
لماذا تغرقني في البهجة ولا تمس بي؟”
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
شاعر مصري