محسن البلاسي
منذ حوالي ثلاثة أشهر كنت منهمكا في الحفر في التاريخ المنسي لأكتب سلسلة مقالات بحثية بخصوص سوسيلوجيا أماكن جماعة الفن والحرية السريالية في مصر لم أكن أعرف مي التلمساني شخصيا لكننا كنا أصدقاء على مواقع التواصل الإجتماعي وكنت أعرف أنها سليلة العظماء الذين أبجلهم وأتخذهم قدوة فنية في ممارستي للفن التشكيلي (كامل التلمساني وحسن التلمساني ) وكنت أبحث في تاريخ مجلة دون كيشوت التي أصدرها السرياليون المصريون. وإذ بي في يوم ما عائدا مهزوما ومصدوما من دار الكتب والوثائق القومية بعد أن أكتشفت ضياع الدوريات المصرية التي صدرت باللغة الفرنسية في هذه الفترة. ضاعت أو سرقت لا أعرف. فوجئت برسالة من دكتورة مي التلمساني تسألني عن مقتطف كنت اقتطعته في مقال سابق لي من مقال لكامل التلمساني بعنوان الفن معمل بارود في المجلة الجديدة التي أسسها سلامة موسى في نهاية عشرينات القرن الماضي وسيطر عليها السريالين المصريين في بداية الأربعينيات.
أين نسخ المجلة الجديدة؟ ها أنا أسأل؟
أين المجلة الجديدة لنعيد طبعها من جديد؟
لا أحد يجيب.
نعود إلى حديثنا الأول الذي تبادلناه أنا ومي التلمساني بعد سؤالها.
تحدثنا عن الأرشيف الضائع لجماعة الفن والحرية وإذا بها ترسل لي مواد نادرة كي أستعملها في مساري البحثي.
مقال نادر في دون كيشوت لكامل التلمساني قام المترجم الكبير لطفي السيد بترجمته وسيكون بين ايديكم قريبا أرسلت لي صور لمجلة دون كيشوت الضائعة لأول مرة.
في البداية تعجبت ما الذي يدفع مي التلمساني لمساعدتي هكذا رغم أن هذه المواد في صميم عملها البحثي؟ بل إرث هي الأولى بإخراجه للنور. لم تكن تعرفني لكنها فقط اطلعت على عملي. فضلت مساعدتي على أن يكون لها السبق وهي الأولى بهذا.
كنت في هذا الوقت أعمل على مسودة كتابي القادم وأستعد للمضي في تصوير عمل سينمائي سريالي تجريبي.
لكن حديثنا حول نقاط معينة في هذه المناقشة التي فتحت لي سراديب لم أستطع أن أكبح جماح نفسي للمضي فيها وإذ بي أقرر فجأة تأجيل كل المشاريع التي أعمل عليها والبدء في مشروع سينمائي واحد فقط أعطيه كل وقتي ومجهودي. لم أتخذ هذا القرار بتأجيل كل ما أعمل عليه من أجل هذا المشروع إلا بعد تشجيع الدكتورة مي التلمساني وموافقتها على الإشتراك والمساعدة فيه، لن أفصح عن تفاصيل المشروع الآن سنتركه يصلكم كمفاجأة وبالفعل بدأنا المشروع وجاء يوم تصوير الدكتورة مي التلمساني التي تعاونت بشكل أذهلني وقدمت مساعدات تجعلها شريكة رئيسية ومحورية في هذا العمل ولو لم تكن الدكتورة مي التلمساني لما كان هذا الفيلم . ثقتها التي وهبتها لنا أنا وفريق العمل ومتابعتها الدائمة ودعمها المستمر للمضي في المشروع هو ما أعطاه قبلة الوجود والإستمرار. حتى بعد سفرها خارج مصر مازالت تعمل معنا في الفيلم وتساعدنا فيه بشتى الطرق.
انشطر المشروع أيضا لمشروع تأريخي آخر أيضا تقف في ظهري فيه الدكتورة مي التلمساني والغريب أيضا أن هذا المشروع التأريخي متصل بمشروع خاص تعمل عليه الدكتورة مي التلمساني وحين حدثتها عنه لم تمانع بل عرضت مساعدتها أيضا وعرضت التنسيق بيننا في هذا المشروع ليخرج عملها وعملي غير متقاطعان لكن متكاملان وهذا تصرف نادر الحدوث. في هذه الأثناء قامت الدكتورة مي بإهداءي لكتابها ( الحارة في السينما المصرية ) وقرأت هذا المرجع الموسوعي الذيلا يؤرخ فقط لشكل الحارة المصرية وتناولها في السينما لكن يؤرخ أيضا للمخرجين والسينمائيين الذي انحازوا للطبقات المصرية المسحوقة منذ الأربعينات وعلاقة الثقافة الجماهيرية لهذه الطبقات بالأعمال السينمائية التي تتناولها. لقد فتحت مي التلمساني في هذا الكتاب بابا جديدا بل أبواب للباحثين في تاريخ السينما للحفر والبحث في مواضيع وأبحاث متصلة بطرحها في هذا الكتاب. وهذا ما أيقنته بعد تجربتي مع الدكتورة مي التلمساني، أنها فاتحة سراديب ومحطمة أبواب مغلقة وأتوق كثيرا للغوص في أعمالها البحثية والأدبية والكتابة عنها بعد أن أتشبع بها لكن لا أستطيع الآن فما جرجرتني إليه وحرضتني عليه الدكتورة مي التلمساني لا يترك لي لحظة واحدة طوال اليوم كي أفعل أي شئ سواه .
فكما قلت لك أكثر من مرة، شكرا كلمة سخيفة وقليلة على ما فعلتيه معي.
كما أبجل وأحترم وأتابع جيدا أعمال الدكتور وليد الخشاب زوج الدكتورة مي التلمساني ونصفها الآخر الذي أثق وأتابع جيدا بأنهما كل فكري وإنساني لا ينفصل ولا يختلف شيئا عن إنسانية وإخلاص وصدق ورحابة واتساع فكر الدكتورة مي التلمساني. فهنيئا لنا بثنائي نادر الوجود وهنيئا لي بأصدقاء سأخبر أبنائي بفخر أنني كنت أعرفهما.