عن موسيقا القدر وصخب ورهبة الحكايات

عن موسيقا القدر وصخب ورهبة الحكايات
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

 نهى محمود

مثل قوة وفتنة موسيقى كارمينا بورانا لكارل أورف يبدو كل ما يخص حكايات وحيد الطويلة، وهو الكاتب الصديق الذي يبدو مثل تعاويذ البهجة والصخب والإنسانية المعجونة بالحياة .

شاهدته مرات قليلة قبل أن نصبح اصدقاء ، هو لا يذكرها بالطبع، لكني كنت أتفرج على ذلك الرجل المحاط بالمحبة ، يحكي لي اصدقاؤنا المشتركين عنه، سيرته تبعث على الابتسام .اشتريت روايته ” العاب الهوى منذ أعوام من باب الفضول. فضول رؤية ذلك الرجل الذي أرى الهواء يتراقص كلما مر ، عندما فتحت الكتاب رأيت إهداء عذبا لابنته كتب فيه ” فيروز .. ابنتي الصغيرة ، كم أود لو أهديتك القمر ، تعطيه لحبيبك عندما تكبرين ، لكنهم نشلوه أمام عيني ، بعد أن وضع في يدي قطعة حلوى ، حبيبتي فيروز ، إليك اوراقي عله يعود

عندما قرأت هذا الإهداء ولسنوات بعدها كلما اخرجت هذه الرواية من رف المكتبة ابتسم وأتساءل عن الرقة التي تملكت رجل ليكتب هذا الكلام لفتاة

مرات كثيرة كنت أنظر للقمر فأتذكر أن احدهم سرقه وأن الكتابة ستعيده لكفوف الصغيرات .. ذلك إيمان صديقي الذي لم ألتقيه بعد

لكننا جميعا اصدقاء لأننا نملك شجاعة الإعلان عن هواجسنا وجنونا الخاص في شكل كتابة ، بينما يقضي البشر الباقين عمرهم كله في إخفاء ما نرميه نحن على الأرصفه وننشره للكون كله .

نزقنا وجنوننا وضعفنا الأثير، وحكايات الجدات ، واسرار العائلة التي يحرص الجميع على تجميلها ، نبحث فيها نحن عن العادي ، الفضائحي والمربك والباعث على الخجل لنصنع منه اساطيرنا الخاص .

كلنا الرجل ذاته ، كلنا نعرف بعضنا حين نلتقي ، الشفرة السرية / العلنية لأصحاب القلوب التي لا تبقى داخل الصدور وإنما نحملها على كفوفنا ونتركها عرضه للنهب والألم .

وحيد الطويلة مثل كل هؤلاء المسكونيين بالحنين والجنون ، مثل حاملي القلوب له ما لهم وعليه ما عليهم ، له الليل والسهر وأسرار الحكايات ، وعليه الحنين والأرق

في أحمر خفيف كان الصخب عاليا منذ الصفحات الأولى وحتى النهاية ، أكثر من قدرتي على التمادي والتورط وسط شخوصه نصف الواقعية / نصف السحرية ، وكأنها تجئ من جعبة تخصه وحده ، المنطقة بين النوم واليقظة ، الهلاوس واليقين

الموت الذي تتعلق عند حده كل الشخوص، القدر الذي يتجمد عالم روايته كله ومستقبل أبطاله في انتظار ضربته القاسمة ليموت محروس وتستريح الطبول من الدق

رواية تضعك عند حافة الجبل ولا تهتم بإرجاعك ، سيمنحك الجميع ، ويورطك مع أبو الليل وبحثه عن نجمه بإمكانها أن تشفيه فقط لو رأته ، لو رقصت معه

سيمرر لك سخرية لاذعة من شخصيات من الممكن ان نكرهها في كتابة اخرى ومع كاتب آخر ، لكن وحيد لا يأبه ان يمرر لنا الكره لأحد ، هو يقدم شخوصه بضعفهم وطمعهم و خيباتهم

فلن نكره العناني وهو يبدو متذلالا ليأخذ العهد ، لن نكره عزت من يحب النساء والحمير لن نكره من قد نبغضهم في كتابة أخرى ، سنجد عذرا للجميع وكأن كل منهم له خيط داخلنا

سنرى نفسنا في الشخوص البعيدة عنا

في فرج الذي رمى نفسه في النار وهو مؤمن أن الله سينجيه ، سنحب كل النساء في هذه الرواية .. من يطارد الموت ، ومن يطارد الثأر ، ستجدنا جميعا هناك

أساطير وحقائق تسعنا جميعا وتفيض .

سنحب النساء مثلما يعرف ذلك الرجل الرقيق أن يحبهم ، أنا كنت مغرمة بعزيزة ، لأنها تحب ، وأنا أحترم النساء المبتليات بالمحبة .

سأتذكر المرة التي كنا نتحدث فيها عن عزيزة وفرج ونحن نسير في وسط البلد وحكى لي عنها قبل أن أقرأها ، سحبت قطعه من قلبي وبقت هناك وعندما قابلتها في صفحات الرواية امتلئت بالبهجة ، كنت أفرح كلما ظهرت .

وحيد الطويلة الذي أذكره كثيرا كلما سمعت أغنية مفرحة ، وقرأت كتابة حلوة ، ومرت جواري نسمة هواء باعثة على الامل

هو رجل يقدر ان يمرر كل ذلك لأصدقائه

فرحت جدا عندما تقابلنا اول مرة ، وقضيت سهرة مميزة على رصيف مقهى وهو يتحدث لنا نحن اصدقائه عن الكتابة والموسيقى والمقاهي

يتحدث فأفكر أنها من المرات القليلة التي أقابل فيها رجل يحكي كما تحكي الأقمار في ليالي السهر الطويلة ، ويؤنس كما تفعل النجوم في الصحراء

ويبهج كأقواس قزح ، واقتسام لحظات تحت المطر مع من نحب .

هو يحمل في قلبه بهجة أكثر من ذلك ، وموهبة ومحبة للحياة تشي بها طاقته التي تبقى بين اصدقائه حين يغادر ، وحتى يعود من السفر ، فيضئ من جديد .

عودة إلى الملف

مقالات من نفس القسم