سمر نور
أكتب عن هذا “الولد” الذى تشعر بجواره بكونك شريرًا وإن لم تكن!
هذا “الولد” الذى يصعد إليك من الخيال مرتديًا زى بابا نويل ليوزع الحكايات والأفلام على أصدقائه من الأخيار والأشرار، فهو حسن الظن بالآخرين إلى أقصى حد، ولا يهمه الأسماء كثيرًا فكل أبطاله هم “الولد” أو “البنت” وحين وضع اسمًا لبطلته “سيرين” جعل كل الشخوص الأخرى “س” بلا أسماء إلا “مصاصى الدماء” الذين يظهرون فى طريقه ويسحبونه من عالمه بثرثرتهم الجوفاء عن الواقع!
ستجده مشاركًا إياك فى تفاصيل خيالك الصغيرة، يمكنه ببساطة أن يكون صديق طفولة يشاركك اكتشاف العالم بعيون مندهشة وحالمة، وحين تمر السنوات ويشيب رأسك ورأسه ستجده كلما ضاقت بك الحياة جالسًا بين أصدقائه على مقهاه المفضل ليلعب لعبة بابا نويل الذى يوزع الحكايات والأفلام.
يعشق الطاهر شرقاوى “الفرجة” على حد قوله، يراقب العالم من حوله ويجد دائمًا ما هو جديد فى أبسط مشاهد الحياة اليومية، بين روايته “فانيليا” وروايته “عن الذى يربى حجرا فى بيته” عامين من الزحام وكسر الخيال على أرض الواقع، أحداث كبرى أوقفت الكثير من الكتاب فى حالة من إعادة التفكير فى العالم والكتابة، إلا ان إجابة الطاهر عن سؤالي حول كتابته لم تتغير ” حين أفقد القدرة على الدهشة سأتوقف عن الكتابة”.
الدهشة هى مفتاح عالم كتابته وشخصيته معا، عالم من الخيال والوحدة والاحساس بتفاصيل الحياة الصغيرة، فى روايته الأخيرة يحاول استنطاق الجماد ويشكل أحلامه لتتحرك شخوص الرواية داخلها وخارجها وتملأ مساحات منزل الشاب الوحيد، مثلما كانت قدم البنت شديدة الصغر هى مثار دهشة الولد فى “فانيليا”، والوحدة فى روايته الأخيرة هى اختيار صاحبها وقدره الذى لا يتمرد عليه بل يشغله بكل ما يحبه، حتى أنه ينقل حجرًا من الشارع إلى منزله، ينتظر منه أن ينطق ويتفاعل معه. هكذا يرى الطاهر المدينة التى قدم إليها من الصعيد ولم يستسلم لمفرداتها ليبنى مدينته الخاصة، وينثرها على الورق، أحلامًا وحواديت لا تعرف حدود المكان، فتتقاطع حكايته مع المدينة بلقطات متناثرة من أجواء الصعيد، لكنه أيضًا صعيد متخيل على طريقته، التى تبدو فى مجموعاته القصصية التقاطًا لحيوات العجائز والأطفال، وتبدو فى روايته الأخيرة نثارًا من حياته كمجند فى مكان صحراوي تسكنه بائعة الشاى وصبي عاشق، هذا المكان المفتوح بحكم الأحلام، يختزن زمانًا مفتوح أيضًا فانت لا تسأل أبدًا عن الزمن الذى يعيش فيه البطل. لا تبحث عن مكان أو زمان أو أحداث؛ فكل هذا يغيب فى دمج الواقع بالخيال ويستحيل التساؤل حوله عبثًا، فلتغب عن اللحظة وعما يحدث حولك داخل روايته التى تشبهه كثيرًا.
تعلق الطاهر ب “الفرجة” عبر كل تلك السنوات مرتبطًا بولعه بالسينما، إذا جلست بين أصدقائه يومًا فلن يخلو حديثه عن أفلامه وافلامك المفضلة، وأحدث الأفلام الجديدة لديه، لهذا فأنت تشاهد وتقرأ معا، لا يمكنك أن تغفل تلك الصور شديدة الخصوصية لعوالم تنتمى لنوع من السينما سيكتبه الطاهر يومًا ما، انتظره وأنا اسأله دوما عن منحه السينمائية التى يجمعها ويمنحها لأصدقائه، فيقول: كى أضمن ألا تضيع أبدًا؛ فإن فقدتها وجدتها مع أصدقائى”، اتذكر فى روايته الأخيرة تلك الكائنات الخفية والتى كان البطل يتخيلهم مجموعات تحب الأقلام الملونة والأعمال الكاملة لأمل دنقل وتخفيها من أمامه، ويصورهم فى طفولته ك “أخوته” الذين يضحكون فى الخفاء وهم يراقبونه يبحث عما ضاع منه، إلا انه يتسامح مع الفكرة فى شبابه ويمنحهم ما يريدونه عن طيب خاطر!
الطاهر مثل بطل روايته يمنح ببساطة، كأى كاتب للأطفال يعرف ما يسعد الصغار جيدًا، وكل صحبته من الكتاب هم أطفال مثله، بشكل أو بآخر، يسعدهم دائما ما لديه من خيال وطيبة وتسامح مع الحياة.