عن دوائر الصابون والفراشات وبعض الكتابة

موقع الكتابة الثقافي
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

الكتابة التي تداهمني في الصباح تشبه عادات طفلتي التي تبدأ نشاطها مع أول خيط للنهار، تفرك في فراشها وتزيح بقدمها الغطاء الوردي المرسوم عليه أرنب ودبدوب،ثم تبدأ في إصدار صوت يشبه صوت الباب في أفلام الرعب أو الإثارة، صوت باب يحتاج للزيت .

ذلك الصوت يكفيني تماما لأنتبه من نومي، وأظهر عند حافة فراشها حيث تشرق عليّ منه أحلى ابتسامة، دائماً تستقبلني بابتسامة وحركة من يدها وقدميها كانها تقول لي “احمليني” أرفعها من الفراش وأحتضنها وأنا لا أعرف في الحقيقة من منا يمنح الآخر شعور الدفء والإطمئنان .

أفكر الآن أن الشعور الثاني الذي سكنني بعد مجيء هذه الطفلة للعالم، كان أني ما عدت أخاف من الوقت

كان شعوري بأن الزمن يمر، يأكل قلبي، كل هذا الوقت من أقداح القهوة والأرق المزمن والكتابة التي تنحت الروح لتحولها تماثيل من الشمع والثلج، كل هذه الحكايات التي تصب في العدم أو البقاء، كل هذه المسافات التي اقطعها نحو العالم أو هربا منه كانت تأكل الزمن والعمر .

الطفلة الصغيرة تلك هي التي صنعت لي تعويذة حماية من مباغتة الزمن،  يمكنه الآن أن يتسرب ويمر كيفما يريد، يمكنه أن يمنحني خصلات بيضاء وإلتهاب مفاصل، وتحاليل تقول أن هناك إحتمالية كبيرة لإصابتي بكل مخاوفي، يمكن للعالم أن يمضي على رأسه ويرفع قدميه للسماء .

لا شئ من ذلك قد يثير حفيظتي أو يسبب لي الخوف القديم الذي سكنني من أن أفنى وأموت، لأن لدي صغيرة ستحفظ عني أسطورتي، لأني كلما مر العمر سأنظر في عيونها التي تشبه عيوني فأري الأجمل والأحلى .

الكتابة التي تباغتني في الصباح، تشبه الأرصفة التي أحبها، ربما تشبه مقهاي المفضل في وسط البلد، وتشبه ليلة مجنونة مشيت فيها مع حبيب على حافة طريق صلاح سالم لنغني أغنيات فرقتي المفضلة “المسافر خانة” تلك الفرقة التي أحزنني كثيراً أن تعلن توقفها عن الغناء .

الكتابة في الصباح تعني أنني وقفت أكثر من ربع ساعة، بينما شربت طفلتي ببرونة اللبن وغيرت الحفاض بعدما وضعتها تحت الماء واستخدمت شامبو الأطفال الذي يصنع دوائر تشبه الفراشات في كل مرة استخدمه فيها فابتسم للفقاعات التي تطير حولنا في الهواء، لتملا الجو وتحمل الصغيرة التي تركز كثيرا في صوت الماء وتبحث عنه بيدها وقدميها في حركة لا تنتهي حتى تعثر عليه فتجرب لمسته. بعدما تعود لفراشها لتلعب قليلا أو كثيرا بلعبتها المفضلة التي أهدتها لها صديقتي سحر، ربما يسعدني الحظ لتعود لنومها، وأقف أنا ربع ساعه كاملة أفاضل بين أن أنام قليلا لأن عيني منتفخة من أثر قلة النوم، ولديّ صداع شبه دائم لنفس السبب .

أتذكر العشر سنوات التي قضيتها أكتب عن الأرق ، وأتناول حبوب المنوم لأتمكن من النوم ساعة، أتذكر كل ذلك وأعود للفراش في أكثر الأحيان لأنام قليلا قبل نوبة صوت الباب الذي يحتاج للزيت والتي غالبا ستكون بعد أقل من ساعتين حيث سيحين موعد ذهابي للعمل، فتأخذ الصغيرة رضعتها الأخرى في الببرونة ، وأجهز اشيائها واشيائي لأذهب للعمل ، وتذهب هي للحضانة .

الوقت الثمين الذي كان من الممكن أن أنام فيه ، أحيانا كثيرة تخطفه مني الكتابة الصباحية، هكذا تقول لي أكتبي الآن، ونامي في طريقك للعمل .

عندها أتفرج على نفسي من الخارج وأنا ذاهبة لعملي في العاشرة صباحا بعيون مغلقة ورأس تسند على زجاج النافذة وتروح وتجيء في نوم يليق بنهاية يوم وليس بداية نهار .

الصغيرة والكتابة والكثير من الأشياء الأخرى التي أحبها وتفرحني تقاسمني لحظات النوم، وتغوص في أحلامي. ويختلط عليّ العالم فيشبه صوت الباب في أفلام الرعب، وفقاعات الصابون التي تتحول لفراشات تحملني على جناحاتها حيث أبدأ نصاً صباحياً جديداً انتصر للكتابة على النوم .

 

 

مقالات من نفس القسم