عن بختي بن عودة الذي لم يستكمل مشروعه النقدي

بختي بن عودة
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

قلولي بن ساعد

لم تسعف الحياة كثيرا بختي بن عودة (1961/ 1995)، الذي غادر الحياة إثر إغتيال جبان في ما كان يعرف في التسعينيات من القرن المنصرم ” بالحرب الأهلية الجزائرية “. فقد فاجأه الموت وهو في عز شبابه، وخلال السنوات القصيرة التي عاشها وإنخرط في الكتابة موزعا بين العمل الصحفي والهاجس النقدي الذي ميز كل مساره القصير وهو مسار مكثف تبنى فيه قضايا الإختلاف والغيرية والتفكيك.

و لم تكن السنوات القصيرة التي عاشها كافية لإستكمال مشروعه النقدي الذي كان يمكن له أن يرمم بعض فجوات النص الإبداعي الجزائري ومساحات تمفصله السردية منها أو الشعرية. ومن ثم إكتشاف قواعد “إنتاجية نصية ” بتعبير جوليا كريستيفا لا على شكل متتاليات أو إضاءات ماقبلية على النص كوصفة جاهزة وإنما.

في صورة إعادة إنتاج تعمل على فتح منافذ النص والإبقاء عليه قابلا للقراءة المستمرة المتعددة الأبعاد والمستويات.

بما يشبه ” النقد المزددوج ” بمفهوم عبد الكبير الخطيبي لا نتمكن قط من الإنتهاء منه وإستنفاذ أسئلتنا اللاشعورية حوله ضمن دائرة “التعاضد التأويلي للنصوص ” مثلما يسميها أمبيرتو إيكو التي أصبحت الموجه الأساسي لتيارات التفكيك والتأويل في النقد الذي كرس له بختي بن عودة كل جهده.

هذا فضلا عن جهوده في حقلي الترجمة والشعر/ الترجمة التي أولاها أيضا أهمية كبرى وقدم بشأنها على الصعيد النظري دراسة مهمة بعنوان ” الترجمة ونسق التطابق ” مقتربا كعادته من إنتاجية مفهوم ديريدا للترجمة في عدم فصل الأثر المترجم عن الإختلاف تمييزا له عن مفهوم الخطاب والممارسات الخطابية المتحررة من ” نظام الخطاب ” عند فوكو والنص عند رولان بارت، لينقل إلى لعتنا العربية دراسات ومقالات عديدة منها دراسة للروائي مولود معمري عن ” الشفوية / الخطاب والبربرية ” ودراسة أخرى للشاعر محمد سحابة عن ” الشعر الجزائري ذي اللسان الفرنسي بعد الإستقلال”.

 ودراسات أخرى لديريدا وعبد الكبير الخطيبي نشرها بمجلات عربية مرموقة.

الخطيبي الذي خصه أيضا بدراسة جامعية تحدث فيها عن ” ظاهرة الكتابة في النقد الجديد / مقاربة تأويلية الخطيبي أنموذجا “، مفككا (ظاهرة الكتابة عند عند عبد الكبير الخطيبي) بحس تأويلي منظورا إليه من زاوية تفكيكية صاغها بهدف تجسير فجوات القراءة لخطاب الخطيبي.

 في السياق الذي تشكل فيه بوصفه ناقدا وسوسيولوجيا لا زالت حفرياته تحافظ على راهنيتها وعلى (إنتاجيتها النصية) بتعبير كريستيفا، الإنتاجية التي لم تستنفذ بعد نزوعها في إستقصاء ما يربض خلف ماكنة (النقد المزدوج).

 لقد تنبه بختي بن عودة مبكرا لضرورة الإنفتاح على الفتوحات المعرفية لمنظومات النقد الغربية المتركزة حول ذاتها أو الخارجة سلطة اللوغوس، إيمانا منه بأن هناك قطيعة إبستمولوجية كبيرة بين النص الأدبي الجزائري والتحولات التي عرفتها المعرفة النقدية في العلوم الإجتماعية والإنسانية.

مخلصا لفلسفة التفكيك / تفكيكية ديريدا الذي كان أول ناقد جزائري يدعوا لمارستها وإخضاع النص الإبداعي العربي لبعض نتائجها، الأمر الذي جعل ناقدا عربيا هو الناقد البحريني محمد أحمد البنكي يخصص له فصلا من كتابه (دريدا عربيا قراءة التفكيك في الفكر النقدي) حمل عنوان (التفكيك بوصفه خلاصا قراءة بختي بن عودة).

وقد إعتبره حامل لواء التفكيك والقارئ للخطيبي بأصداء دريدية بنوع الحماس الذي يقول محمد أحمد البنكي الذي تجاوز جتى إستلهام الخطيبي لديريدا.

الإنفتاح الذي لم يحل بينه وبين إستقراء المحمول العلاماتي للتبيين بالعودة إلى مفهوم (السمة) كما جاء في (البيان و التبيين) للجاحظ كمعادل موضوعي لما أصبح يسمى في الدرس النقدي الحديث العلامة أو العلامية.

هذا ما نلمسه في إفتتاحيته لآخر عدد أشرف عليه من مجلة (التبيين) الجزائرية والتي إعتبرها “قراءة غير بريئة في التبيين ” وهو يرأس تحريرها.

 ويزداد الأمر تفاقما حين نتأمل لغة بختي بن عودة المفهومية الغائرة في النسق المفهومي للفلسفة الغربية، وهي من هذه الناحية تتناص مع رؤية الفيلسوف الفرنسي جيل دولوز للإبداع المفهومي أو إبداع المفاهيم.

عندما كان يرى بأنه لا خير في ناقد أو فيلسوف لا يبدع مفهومه الخاص أو مفاهيمه الخاصة في لغة مفهومية ضمن حالة كان يهدف ين عودة من خلالها إلى التحرر من “اللغة الأبوية المهيمنة “، إنطلاقا من ذلك التحليل السيميولوجي الذي يقدمه رولان بارت والقاضي بأن لكل ” لغة تصنيف وأن كل تصنيف ينطوي على نوع من القهر”.

 وهي معادلة لغوية يصعب تقبلها أو إقناع المثقف التقليدي بها.

 ومع ذلك فقد ترك بختي بن عودة بعض إرهاصاتها الأولية، في زمن ثقافي جزائري كان شديد القسوة، ولا يقبل بأي خروج عن قيم الطاعة اللغوية، حتى ولوكان ذلك بهدف تحديث لغة الأنا لتخليصها من ميتافيزيقا الهيمنة وجعلها بتعبير محمد عابد الجابري قابلة ” لأن تعيش معنا مشاغل عصرنا “.

بدل أن نرد ذلك إلى نظرية المؤامرة وما أدراك.

 

مقالات من نفس القسم