في محاضرة له ضمن سلسلة لقاءات بعنوان “فلسطين .. جوهر الصراع العربي ـ الإسرائيلي” بالنقابة العامة لاتحاد كتاب مصر، قال عمار علي حسن إن البعد الثقافي للقضية الفلسطينية يتم التعامل معه بإهمال شديد، رغم أنه يمثل جوهرها، ويحمل جزءا كبيرا من الحل المنتظر لها.
وبدأ عمار بالحديث عن أن الثقافة لا تقتصر على الآداب والفنون والعلوم الإنسانية، إنما هي أشمل وأعمق من ذلك، إذ تحضر في الرؤى والتصورات والأفكار العامة والطقوس وطرائق العيش والخبرات والانتماءات والهويات والمخيلات والأحلام والذكريات وعلاقة الإنسان بالمكان والزمان وإدراكه لذاته ومجتمعه والعالم حوله، وفهمه أيضا للطبيعة.
وأكد عمار أن الآداب والفنون الفلسطينية على اختلاف ألوانها، ولاسيما الشعر، طالما دافعت عن القضية وروجت لها، لكنها لا تمثل وحدها الثقافة التي تحمل القضية على كتفها، إنما هناك الحكايات الشفاهية وأساليب الحياة التي علمت الفلسطينيين الصمود والثبات في أرضهم.
وأوضح عمار أن الثقافة كانت العامل المنسي دوما الذي لا يحضر إلا إذا عجز الباحثون عن تفسير ظاهرة سياسية أو اقتصادية ما فيرجعونها إلى أسباب ثقافية ترتبط بمعارف الناس والقيم التي تضبط سلوكهم، لكنها صارت عاملا أساسيا في التفسير خلال العقود الأخيرة.
وواصل عمار في المحاضرة التي قدمه فيها الشاعر مصباح المهدي المسؤول عن لجنة الحريات باتحاد الكتاب: “رغم ذلك لا نزال نهمل البعد الثقافي في فهم طبيعة القضية الفلسطينية، أو التفكير في مساراتها ومآلاتها، وهو خطأ شديد، لأن إسرائيل قامت أساسا على ذرائع ثقافية مرتبطة بتأويلات نفعية للنص التوراتي عن أرض الميعاد، وفي المقابل يتكئ قطاع من الفلسطينيين على تصورات مناهضة، أو تسهم في تعبئهم خلال الكفاح ضد الاحتلال”.
وشرح عمار كيف تحاول إٍسرائيل أن تضفى على القضية الفلسطينية طابعا يجعل منها “صراع هويات دينية” محذرا من الانسياق وراء هذا، بل الرد عليه بإظهار الجانب الإنساني للقضية باعتبارها كفاح من أجل تحقيق المصير، ونضال ضد احتلال استيطاني.
ولفت عمار إلى أن الحرب الدائرة على غزة أظهرت بوضوح أن قطاعا من اليهود يقفون ضد الاعتداءات الإسرائيلية، بل بينهم من يعتبر قيام إسرائيل خطيئة دينية وسياسية من الأساس، وإذا كان هناك مسيحيون إنجيليون يساندون إسرائيل لأسباب تتعلق بإيمانهم ببعض تأويلات العهد القديم فهناك مسيحيون من الإنجيلية المشيخية لا يؤمنون بهذا، وخرج ملايين الكاثوليك في أوروبا والولايات المتحدة وأمريكا اللاتينية في مظاهرات رافضة الاعتداء على الفلسطينيين.
وطالب عمار بضرروة أن يمد الفلسطينيون، ومعهم الشعوب العربية المؤيدة لهم، أيديهم إلى اليهود والمسيحيين وأتباع كافة المعتقدات وحتى اللادينيين والملحدين الذين يتعاطفون مع حقوق الشعب الفلسطيني لأسباب إنسانية. ورأى في الوقت نفسه ضرورة فتح نوافذ التعامل مع فلسطينيي 48 الذين يحملون الجنسية الإسرائيلية، وعدم اعتبار ذلك تطبيعا.
وأضاف عمار إن حرب “طوفان الأقصى” تعيد تشكيل صورة إسرائيل، فيعي العالم جيدا أنها تمارس “الاحتلال التقليدي” الذي قام قرونا في الحقب الاستعمارية، وكانت البشرية تظن أنها فارقت هذا الدرب، كما تعيد صياغة علاقة الفرد بالدولة في إسرائيل، إذ أصيبت الدولة الجاذبة الحامية الحريصة على قوة “المخزن البشري اليهودي” إصابة بالغة، مع استهانة الحكومة الإسرائيلية الحالية بأرواح الأسرى، على النقيض مما كان معروفا من قبل.
وثمَّن عمار قدرة المقاومة الفلسطينية على ربح معركة الصورة، مع مواصلة قتل الجيش الإسرائيلي لأطفال غزة ونسائها، بما جعل الناس حول العالم يراجعون الصورة النمطية لإسرائيل على أنها ديمقراطية وسط الطغيان، وحمل وديع وسط قطيع من الذئاب. كما نجت المقاومة في تبديد صورة الكائنات الشريرة المتوحشة التي رسمتها لها إسرائيل من خلال حسن معاملة الأسيرات والأسرى الإسرائيليين.
كما ثمَّن عمار موقف أغلب المثقفين العرب لاسيما من أصدروا بيانا ساندوا فيه المقاومة الفلسطينية، واعتبروا طوفان الأقصى نتاج ظلم وقهر طويلين، ودعوا مثقفي العالم إلى أن يتصدوا للعدوان الإسرائيلي، ويدافعوا عن الحقوق الفلسطينية المهضومة.
وقال عمار إن أهمية هذا الموقف أنه جاء في وقت كان هناك من يظن أن الأموال التي أنفقت، والجهود التي بذلت، وسط المثققين لجعلهم يتخلون عن القضية الفلسطينية قد نجحت في إزاحتها كي لا تكون قضية العرب المركزية.
واختتم عمار محاضرته بالقول إن إسرائيل حين تقتنع أن الحل العسكري لن ينفع في إجبار الفلسطينيين على التخلي عن مطالبهم، وأن مقولة “أرض بلا شعب” محض وهم كبير، وبذا لن تجد أمامها من سبيل سوى الحل الثقافي، الذي قد يأتي على غرار ما جرى في جنوب أفريقيا، ويستعيد في الوقت نفسه تجربة الوجود اليهودي في تاريخ الشرق العربي عموما، وفي فلسطين خصوصا، والذي لا يقارن بما تعرضوا له من نبذ واضطهاد في الغرب.
من جانبه قال الشاعر مصباح مهدي إن طرح البعد الثقافي للقضية الفلسطينية أمر مهم، يجب الالتفات إليه، سواء في فهم القضية، لكن البحث عن حلول لها مستقبلا والذي أؤمن به وهو النضال المتواصل، الذي يكون من “فوهة بندقية” كما يقول نزار قباني.