علاء خالد 90

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 29
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

أحمد يماني

لم يأت علاء خالد إلى الشعر كما أتى غيره وكما يأتي معظم الشعراء الذين يبدأون بنشر قصائدهم في الصحف والمجلات وبالتعرف إلى أقرانهم من الشعراء والقراءة في الندوات والأمسيات، لم ينضج تدريجيا، لم يصنع على أعين الآخرين، نضج وحده وربما أثار هذا حفيظة البعض حيث أعراف الجماعة الشعرية التي لا تقبل الهابطين عليها دفعة، لكن علاء كان خارجا على كل جماعة، ليس خروجا للتمرد في ذاته وحبا فيه وإنما لأنه كان بالفعل مختلفا ولأن شعره نفسه كان ينهل من تاريخ شخصي يخصه وحده. دائما ما حاولت تخيل الألم الذي عاناه علاء وحده وأتخيل كلمة "الجرح" التي كان لها حضور هائل في شعره. جاء علاء مرة واحدة شاعرا كبيرا متكاملا في الثلاثين من عمره بديوان شعري هادر: "الجسد عالق بمشيئة حبر"، ألقى حجرا كبيرا ليس فقط في الشعر المصري ولكن في الشعر العربي عموما بنبرته الاعترافية والتخييلية المثيرة ولغته بالغة الخصوصية، جاء علاء مع قرين واحد هو أسامة الدناصوري، شاعران قادمان من دراسات في العلوم، علاء في الكيمياء وأسامة في علوم البحار، الاثنان من الاسكندرية بلد علاء وبلد إقامة أسامة المولود في دسوق. لم يكن من الممكن تجنب المقارنات بين هذين الشاعرين الصديقين المولودين في العام نفسه 1960 والحقيقة أن المقارنات كما يمكن أن يتضح الآن بعد مرور ما يقرب من ربع قرن على هذا لم تكن ذات دلالة هامة فيما يخص الشعر نفسه فنص علاء بالغ الاختلاف عن نص أسامة ولكل منهما عالمه وطرائقه ولكن هذا ما يحدث عادة في مقارنة الأقران من العمر نفسه، مقارنات تتم في الخارج عموما ولحسابات ليست شعرية بالأساس.

كان حضور علاء صاخبا وعنيفا، ترك أثرا لا يمكن إنكاره على الكثيرين حتى ممن اختلفوا مع طرحه، وأظن أنه ترك فينا جميعا، ممن كنا نعرفه في ذلك الوقت، شيئا ما في الشعر وفي الحياة. لم يكتف علاء بكتابة شعرية لم تكن معهودة قبله وإنما جاء بخطاب شعري متماسك وعدة نظرية، كان ميشيل فوكو حاضرا فيها بقوة، تعضد فكرته حول كتابة الجسد وهو الشعار الذي سوف يتنشر بعدها طوال حقبة التسعينات وسوف يسم به نقاد الأدب ومتلقوه جانبا كبيرا من تلك الكتابة الشعرية والنثرية على السواء والتي ظهرت في تلك الحقبة.

لم يكن تلقي قصائد علاء أمرا سلسا وكما هو متوقع فبقدر تلقيها معجبين كثيرين تلقت أيضا تشويهات ليست على علاقة بالكتابة وإنما على علاقة بالتفتيش في الجانب الشخصي، في البحث عن فضيحة ما بين السطور، لكن هذه الجوانب تخبو تدريجيا ولا يبقى إلا الشعر نفسه وشعر علاء يبقى ما بقي الشعر.

لم يشأ علاء أن يكون صاحب عمود ومريدين وكان من الممكن أن يتحقق له ذلك لو أراد وأن يركن إلى خطابه الشعري فقط، لكن طاقته الكبيرة ما كان لها إلا أن تتوزع بعد ذلك على مسارب أخرى شعرية ونثرية، لكن دائما يبقى علاء أمام عيني الشاعر المتوتر الذي يأتي من الإسكندرية حاملا قصائده وكلامه، يضرب أحجارا ويهز أشجارا ويكتب ويقرأ قصائده بعين دامعة.

مدريد

 

عودة إلى الملف

 

مقالات من نفس القسم