ـ يجيب: أولا أريد توضيح أن العمل السياسى الحقيقى ليس له وجود فى الدول التى تخضع لحكم استبدادى، بمعنى أنه لا بد من وجود مجال سياسى صحيح لكى يكون هناك نشاط سياسى حقيقى، ليس هذا فحسب، بل إن الدول التى لا توجد بها ديمقراطية هى دول واقعة تحت الاحتلال، فالاحتلال من وجهة نظرى غير مرتبط بالأجانب، ولو بحثت فى أى معجم سوف تجد أن الاحتلال هو سيطرة مجموعة من البشر على مقدرات بلد معين بالقوة، وهو ما يحدث فى مصر.
ثانيا، ما أقوم به يعد عملا وطنيا وليس سياسيا، فأنا فى النهاية كاتب ولست سياسيا، ولكننى أرى وجوب الانضمام للعمل الوطنى فى بعض الأوقات لكى يتم التغيير، وعندما تتحقق فكرة الديمقراطية سوف تنقطع علاقتى تماما بهذه الأمور، وأعتقد أن الحركة الوطنية المصرية عبر عصورها لم توصف على الإطلاق بأنها عمل سياسى، لذلك فأنى أرى أن تلميح د.جابر عصفور غير برىء، ويعد استبعادا لنموذج المثقف المشارك فى العمل الوطنى، وكأنه يرمى لك بهذه الكلمة، ويعفى نفسه من أن يفعل مثلك على اعتبار أنه ليس سياسيا.
رغم إعجاب الدكتور جابر عصفور بإلحاحك على فكرة الديمقراطية، لكنه يرى أن هذا الإلحاح لا يتفق مع النظرة أحادية البعد، أليس من المفترض وضع الإيجابيات فى الاعتبار مثلما نتناول السلبيات؟
المسألة هنا بها خلط كبير، فأنا أعرف أن الديمقراطية قائمة على رؤية الجوانب المختلفة لأى موضوع، وتقوم أساسا على احترام الاختلاف، ولكن هناك عوامل تنسف هذه الفكرة من أساسها، لأن المبادئ لا تتجزأ، فأنت لا تستطيع أن تتحدث بهذه الموضوعية فى ظل نظام استبدادى قائم على قمع المواطنين وتبديد إرادتهم..
ويكمل الأسوانى بانفعال: «مصر وصلت إلى الحضيض فى كل المجالات ماعدا الأمن، لدرجة أن أجهزتنا الأمنية القمعية باتت تصدر خبراتها إلى البلاد الأخرى، ومن الحقائق المعروفة فى الصحافة الأمريكية حاليا، أنه ومنذ التسعينيات يتم ترحيل متهمين من أمريكا إلى مصر حتى يعذبوا ويتم أخذ الاعترافات منهم ويعودوا إلى بلادهم»، ويضيف بسخرية: «حتى تعذيب البشر أصبحت تفعله بالوكالة، فتعذب مواطنيك ومواطنى الدول الأخرى لأنك أصبحت خبرة فى هذا الشأن»، وبالتالى فإن الصورة العامة لا يوجد بها من الجوانب الإيجابية إلا ما يخص جابر عصفور وحده، «وطبعا وضعه ومنصبه وطموحه يجعله يرى بعض الزوايا الوردية فى الحياة، وهى زوايا لا يراها الشعب».
ـ الدكتور جابر عصفور قال لك «إن الديمقراطية تعنى الموضوعية وعدم تضخم الذات إلى درجة إلغاء كل المظاهر الإيجابية، كما تعنى عدم الافتراء»؟
ـ هذا شكل من أشكال الشتائم، وأنا لا أرد على الشتائم.
ـ أبدى د. جابر عصفور دهشة عندما سأله أحد الصحفيين إن كانت كتبك تصادر أو يتم منعها فى مصر، هل حقا منعت أى كتب لك من قبل؟
ـ حقيقة لم أفهم ماذا يريد جابر عصفور من طرحه هذا الموضوع، فكتبى لم تصادر، ولكن إذا كانت قصة الصحفى الذى سأل عصفور هذه حقيقية فمن الوارد جدا أن تجد صحفيا لديه معلومات خاطئة، والخطير فى مقال جابر عصفور ليس هذه القصة السخيفة، ولكن فى أنه «يمنّ» على بكونى لم أعتقل أو تصادر كتبى حتى الآن، وهذا شىء عجيب، وأتوقعه من ضابط أمن دولة وليس من مسئول ثقافى، ولكننى أريد توضيح شىء مهم للسيد جابر عصفور، فإذا كنت أنا لم أعتقل فهناك عشرات الألوف من المعتقلين، الذيم تدمرت أسرهم تماما، ويستطيع أن يقرأ التقارير الموثقة من المنظمات المستقلة عن ملف التعذيب فى مصر، كما أريد أن أذكره بأن الديمقراطية ليست وصفا وإنما مصطلح للعلوم السياسية، ومصطلح له شروط، تتمثل فى تداول السلطة، وحرية الأحزاب، وإلغاء قانون الطوارئ، واستقلال السلطة القضائية، فإذا كان دستورنا خاليا من هذه الشروط، فمن أين لنا أن نعترف بوجود الديمقراطية، وأعتقد أن منصب جابر عصفور أو حرصه على هذا المنصب لا يجب أن يدفعه بعيدا عن الحقيقة بهذا الشكل.
ـ المقارنة التى عقدتها بمقالتك «ملاحظات مصرية على تكريم فرنسى» بين ما يحدث فى مصر وما يحدث فى فرنسا، مقارنة يرى د.عصفور أنها تحولت إلى سباب، فما رأيك فى هذه المسألة؟
ـ أنا لم أشتم أى شخص، ولا أكتب مقالات حتى أشتم الناس، أنا أكتب حتى أظهر العوار والخلل الموجود فى النظام السياسى والثقافى المصرى، لأننى أحب بلادى، وأحب لها أن تكون حيث تستحق، ومقتنع بكل ما قلته وأستطيع أن أدلل عليه.
ـ هاجمت بمقالك المذكور وفى عدة مقالات أخرى جوائز الدولة، وأكدت أكثر من مرة أن وزير الثقافة هو المتحكم الأول والأخير فى مصيرها، ولكن هناك عددا من الأسماء المشهود لها بالاحترام حصدوا هذه الجوائز، وقد ذكرهم د.جابر عصفور فى مقاله، فما تفسيرك لهذا، أو بمعنى أدق لو أن هذه الجوائز بالفعل فاسدة، ومشبوهة، فكيف تذهب إلى أسماء محترمة كالتى جاءت بمقال عصفور؟
ـ أولا هذه ليست جوائز الدولة، بل هى جوائز الوزير فاروق حسنى، وأنصح جابر عصفور بالعودة للتحقيقين اللذين نشرتهما «الشروق» منذ فترة، واللذان تناولا الطريقة التى يتم بها الترشيح إلى هذه الجوائز، والأشخاص الذين لهم حق التصويت فيها.
ثانيا، وهو الأهم، وجود شخصيات محترمة ضمن قائمة الفائزين بالجوائز لا تعنى أنها موضوعية، لأن أول ما يتبادر لذهن شخص أو مسئول مثل فاروق حسنى، هو أن يعطى الجوائز لبعض الأسماء المحترمة حتى يضيف إليها مصداقية، وهو الأمر نفسه الذى حدث عندما خصص العقيد معمر القذافى جائزة لحقوق الإنسان، وكانت طرفة كبرى أن تخرج جائزة لحقوق الإنسان تحمل اسم حاكم لا يهتم بحقوق الإنسان من الأساس، بل إنه يقمع مواطنيه.
ويكمل الأسوانى: هذه الجائزة تم اختيار الروائى الإسبانى المهم «خوان جوتسيلو» للفوز بها، والغرض من هذا بالطبع هو إضفاء مصداقية على الجائزة، فلو أخذها الرجل هل كان هذا يعنى أن القذافى رجل ديمقراطى؟، بالطبع لا.
يضيف: «المؤسف، وهذه كلمة أقولها لجابر عصفور، أن الروائى الإسبانى الذى تخطى الثمانين، تعامل بمنتهى الأمانة، ورفض الجائزة، وكتب خطاب شكر للجنة وقال إن ضميره لا يسمح له بأخذ جائزة من القذافى فى حقوق الانسان، لأنه رجل اغتصب السلطة، وهو الموقف الذى سيأخذه أى مثقف حريص على الحرية والديمقراطية، ولكننا فوجئنا بأن جابر عصفور قبل على نفسه أن يأخذ الجائزة من القذافى، وأعتقد أنه لو فكر لشعر بالكثير من الخجل».
ـ لكن د.جابر عصفور ألمح إلى أن السبب فى مهاجمتك للجوائز هو عدم حصولك عليها إلى الآن؟
ـ «أريد أن أوضح لجابر عصفور أنه قد تم إبلاغى للترشيح أكثر من مرة، ولكننى اعتذرت، ويستطيع سؤال د.عماد أبوغازى أمين عام المجلس الأعلى للثقافة الحالى، الذى اتصل بى، لكى يبلغنى أن أتيليه الإسكندرية يرشحنى لجائزة الدولة التقديرية للمرة الثانية، ومن المفترض أن أوقع بالموافقة على هذا الترشيح، ولكننى اعتذرت للدكتور عماد وقلت له أنت تعرف أننى أحترمك وأقدرك، ولكن هذه ليست جوائز الدولة ولكنها جوائز فاروق حسنى وأنا لست متكبرا على بلادى، وجائزة الدولة المصرية تشرفنى، ولكن جائزة فاروق حسنى لا تشرفنى ولا أريدها.
ويواصل الأسوانى، ساردا قصة يراها مؤسفة وغاية فى الغرابة، ورغم إنه فضل عدم ذكر بطلها، إلا أنه أكد أن صاحبها عندما يقرأ هذا الحوار سوف يتذكر حكايته على الفور، وربما يخجل من نفسه أيضا، يقول: ذات مرة قابلت على الطائرة أحد مساعدى الوزير فاروق حسنى، فقال لى بالنص «فاروق طيب وجدع وابن حلال ولما بنوديله أسامى الناس اللى هتاخد الجوائز ونقوله ده معارضة وده من الحكومة، يرد ويقول أنا ميهمنيش إدوها لبتاع المعارضة»، يكمل الأسوانى ضاحكا: « قلتله دى مسخرة».
ـ ولماذ يتم بذل كل هذا الجهد من أجل السيطرة على الجوائز؟
ـ هذه هى سياسة الوزير طبقا لما قاله بنفسه من قبل.
ـ ماذا قال؟
ـ قال «أنا أدخلت معظم المثقفين المصريين إلى حظيرة الدولة»، ولذلك أرى أن مسألة الجوائز هذه تقع تحت تصنيف النشاط الأمنى وليس الثقافى، بمعنى أن يتم تحجيم أى نوع من الاعتراض على سياسات النظام عن طريق التعامل بهذه الطريقة..
وهنا تذكر الأسوانى الموقف الذى اتخذه الروائى صنع الله ابراهيم، والذى وصفه بالشجاع «عندما قرأ بيانه برفض إحدى جائزة الدولة فى مؤتمر الرواية» ينتبه الأسوانى فجأة «معذرة، أقصد جوائز فاروق حسنى»، يكمل: «عندما قرأ صنع الله بيانه حدث انفعال فى المكان، وتزاحم حوله الكتاب المعروفون ليهنئوه، وكنت بينهم، ثم أخرجوا ورقة وصاغوا بيانا لدعمه، ولكن ما حدث بعد هذا للأسف أن الدكتور جابر عصفور بدأ فى الاتصال بهم، وتهديدهم، وراح يضغط عليهم بقطع منح التفرغ والامتيازات التى تعطيها الوزارة، وتراجع عدد كبير من الذين وقعوا على البيان نتيجة لضغط جابر عصفور، بل ومنهم من كتب مقالات هجوم على صنع الله».
يكمل الأسوانى «أعتقد أن هذه الواقعة توضح لنا الدور الذى يلعبه جابر عصفور، وهو بالتأكيد ليس دورا ثقافيا، ويؤسفنى أن يصل به الحال لهذا، لأنه كان بالنسبة لى مشروع ناقد كبير ومناضل وطنى من أجل العدالة، هكذا بدأ جابر ولكن كيف انتهى؟. النتيجة أتركها للقارئ، فمن الواضح أنه لم ينته كما بدأ انتهى للأسف كحامل أختام لوزير الثقافة».
وزير الثقافة، وحامل أختامه جابر عصفور يملكان مليشيات عسكرية، يفتحان أسلحتهما بمجرد قول الحقيقة ولو لمرة واحدة ولكن واجب الكاتب والمثقف هو أن يقول الحقيقة بغض النظر عن الثمن الذى سوف يدفعه.
ـ الدكتور جابر عصفور يرى أن الغرب احتفى بك أكثر من كتاب كبار بحجم نجيب محفوظ، ويوسف إدريس، وبهاء طاهر، ويرى أن الديمقراطية التى تطالب بها قرينة «عدم الاستعلاء بهذا الغرب الذى قدم لك هذا الاحتفاء»، ما رأيك فى هذه المسألة؟
ـ أولا أنا أعيب عليه هذا الغمز واللمز الذى لا يليق بالدور الذى يزعمه، ولكن أرى فى الوقت نفسه أن هذا الغمز يتفق مع دوره الرسمى الذى يمارسه، وأقول له إن الأسماء التى ذكرها لها قيمة كبيرة جدا فى العالم العربى والغربى، ولم يزعم أحد أن نجاح أديب عربى يأتى على حساب آخرين، لأن ساحة النجاح متاحة للجميع، وكنت أتوقع أن يفخر جابر عصفور بأنى وصلت إلى هذا النجاح باعتبارى أديبا عربيا، أما مسألة الاستعلاء بالغرب، فهذا اتهام باطل لأننى لا أستعلى بالغرب أو بالشرق، ومن يتابع موقفى ومقالاتى يعلم أن ما يجعلنى أثق بنفسى هو التوفيق الإلهى وثقة القارئ العربى والمصرى قبل القارئ الغربى، ولكن هذه التهمة الباطلة لا أندهش لها، لأن جابر عصفور بصدد إنجاز مهمة رسمية واضحة جدا..
ومقالته التى نشرها ضدى بمثابة رسالة تحمل بين سطورها روح «المنّ» على الكتاب بأنهم لم يُعتقلوا، وكأنه يقول لى «احمد ربنا إننا لم نعتقلك حتى الآن»، وهذه الرسالة كنت أتوقعها من رئيس مباحث أمن الدولة.
ـ د.جابر عصفور يرى أنك أصبحت نجما عالميا «لأسباب تنطوى على نزوع استشراقى جديد، فى أدلجة الشرق العربى»؟
ـ «لا يصح أن أقيم مكانتى الأدبية ولا يجوز لى هذا، ولكن هناك عدة حقائق مضطر لذكر بعضها، فعلى سبيل المثال، أعمالى مترجمة إلى 28 لغة فى مائة دولة حول العالم، وحازت جوائز رفيعة، وبعضها من أهم الجوائز الأدبية فى العالم، والذى صنع هذا النجاح بعد توفيق ربنا، مجهودى، ومئات الآلاف من القراء فى العالم، ومجموعة من كبار النقاد العالميين المحترمين جدا، الذين قدمونى نقديا للأوساط الأدبية، وهؤلاء أنا أفخر بهم، فهم نقاد أدب محترمون لا تشغلهم المناصب، ولا يتدافعون بالأكتاف من أجل مصافحة السيدة الاولى، ومن هنا جاء احترام القراء.
ـ بماذا تفسر هجوم الصحف الحكومية فى نفس الوقت، هل لدعمك الدكتور محمد البرادعى دخل فى هذه المسألة؟
ـ بالتأكيد، فأنا فوجئت بالهجوم، والدليل أن مقالتى التى ذكرها جابر عصفور منشورة منذ فترة طويلة، فلماذا تذكرها عصفور الآن فقط؟. لا أستبعد على الإطلاق أن يكون لهذا علاقة بدعمى للدكتور البرادعى كقائد للتغيير الذى نطالب به فى مصر من أجل الحرية والديمقراطية.
ـ هل هناك ثمة شىء تريد قوله للدكتور جابر عصفور من خلال هذا الحوار؟
ـ كنت أتمنى أن يدلى جابر عصفور برأيه فى القمع الذى يتعرض له الشعب، حيث لم يكتب حرفا واحدا عن الذين ماتوا فى طوابير العيش أو الأنابيب، أو الذين ينامون الآن أمام مجلس الشعب.. لم يكتب عن الشباب الذين أهينوا، والبنات اللاتى تم سحلهن فى 6 ابريل، أريد أن أقول له إن من لا يعلن موقفه دفاعا عن حقوق المصريين لا يستحق أن يسمى مثقف من أساسه، وأؤكد إن أى بنت مصرية تظاهرت من أجل الوطن والعدالة والحرية وضربت وسحلت، هى بالتأكيد أعظم وأشجع من كل المثقفين الذين يستعملهم النظام.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
جوائز علاء الأسوانى
جائزة باشرحيل للرواية العربية 2005.
جائزة كفافى للنبوغ الأدبى من الحكومة اليونانية 2005.
الجائزة الكبرى للرواية.. مهرجان تولون فرنسا 2006.
جائزة الثقافة من مؤسسة البحر المتوسط فى نابولى 2007.
جائزة جرينزانى كافور للرواية (أكبر جائزة ايطالية للأدب المترجم).. تورينو إيطاليا 2007.
جائزة برونو كرايسكى فى النمسا. (تسلمها من رئيس وزراء النمسا) 2008.
جائزة «فريدريش روكيرت» ألمانيا (أول أديب يحصل عليها فى العالم حيث إنها تنظم للمرة الأولى) 2008.
جائزة الإنجاز من جامعة الينوى فى شيكاجو حيث كانت دراسته وسيتم تسليم الجائزة فى أكتوبر لعام 2010.
تم اختياره بواسطة جريدة التايمز البريطانية، كواحد من أهم خمسين روائيا فى العالم تمت ترجمة أعمالهم إلى اللغة الإنجليزية خلال الخمسين عاما الماضية.
تم اختياره من معرض الكتاب الدولى فى باريس كواحد من أهم ثلاثين روائيا غير فرنسى فى العالم، وتم تكريمه فى شهر مارس لعام 2010.
تم اختياره كأبرز شخصية أدبية فى العالم العربى فى استطلاع قناة العربية 2007.