طارق هاشم
مع الأسف يا أمي،
صرت شاعرا..
صرت أعرف الحزن
كما أعرف الطريق إلى قبر أبي
صرت كمدينة لا باب لها
صدقت نبوءة العرّاف،
حين أخبرك أنك ستنجبين أقمارا ثلاثة
سوف يكون أكبرهم شاعرا،
وأوسطهم نبيلا ذا عقدة،
وثالثهم سيبقى عند ركبتيك؛
كدليل نفد عتاده،
وسينتهي العالم إلى كارثة..
هكذا…
ليس لدى العرّافين سوى الكوارث.
في لحظة كهذي..
ستنهار حججي ويزول منطقي،
وسيكسب صمتك المعركة..
الآن.. فهمت لم اخترت الصمت
حين سألتك مرات ومرات:
لماذا يكره العرّافون النهايات السعيدة،
عدت بلا خيال يحرسني من الوقوع
في تلك الطرق الوعرة
ذبلت.. حتى صرت شاعرا
بكل أسف!
نعم يا أمي..
الشعراء أيضا
يصيبهم الذبول
حين لا يعثرون على إجابة
بحجم هذا الخراب..
صار بيني والحساسية المفرطة
عقد إذعان،
لا يحق لي فسخه حتى بالموت..
أكان ذنبي أنني أحببت امرأة
من بلاد لا خرائط لها!
حتى البلاد يا أمي
تأتي متأخرة..
تأتي حين يصير رحيلنا حتميا..
حين يصبح الوداع نابضا بالحياة..
حياة تقضي على عاشقيها وهم ذاهلون.
أنا العاشق الذاهل
قضيت عمري بإرادة عرجاء
كل معاركي خاسرة..
وحكايتي أصابها العطب..
ملّها السكان في مدينتنا الصغيرة..
صرت بلا حكايا تؤنس الغرباء..
كذا؛ كافحت رغبة أبي في أن أكون قاضيا؛
إذا كيف لي أن أقضي بين الناس،
وقد خسرت قضيتي..
أعرف أنني بمخالفته قد اخترت الرهان الأصعب..
هم حذروني..
قالوا لي:
إن الشعراء دائما يخسرون،
إنهم لا يملكون مناديل
يمكنها تجفيف دموع حبيباتهم..
هم غرباء على طول الخط،
وليس من بينهم من يعرف الرقص..
هم جادون إلى درجة تغيب الحياة معهم..
هم دائما منتظرون،
ومؤجلة أحلامهم،
محطاتهم أخيرة،
لا تعرفها القطارات،
إلا أنهم طيبون وعادلون
في لحظات كثيرة..
لذا يحبون الشعر
الشعر طيب وغريب
ولا أحد استطاع أن يعرف بلاده
لم يكتب اسمه على جبهته
ولا حملت ملامحه أية إشارة لموطنه
عاش بيننا كأي غريب ينتظر الصباح،
فأغرقتنا مدينته الغامضة..
صرت شاعرا
دون أن أعرف
أي نجم يحترق على أعتاب ليلك البعيد.