عز الدين: الموت فتح عيني على مأزق الوجود

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 29
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

حاورتها: سوزان خواتمي

من بعض ماتتيحه الملتقيات الأدبية ومحافلها، فرصة التعارف على أدباء ومثقفين قرأت لهم من غير ان تلتقي بهم، هكذا كانت احتفالية البابطين التي أقيمت قبل أشهر في الكويت سببا لالتقائي الجميل مع الكاتبة والروائية والصحفية في جريدة الأدب منصورة عز الدين، صاحبة رواية ( متاهة مريم) الصادرة عام 2004 عن دار ميريت وقام بترجمتها د. بول ستاركي، وكان أن اصدرت قبل ذلك مجموعتها القصصية ( ضوء مهتز) التي ترجمت الى الانكليزية والفرنسية والايطالية، في بداية الحوار تتحدث منصورة عن سمات الكتابة الجديدة وتتطرق للكاتبة المحامية التي توكل نفسها للدفاع عن قضايا المرأة، ولاستبداد العمل الصحفي، والموازنة بينه وبين العمل، وكان أول أسئلتي لها

حاورتها: سوزان خواتمي

من بعض ماتتيحه الملتقيات الأدبية ومحافلها، فرصة التعارف على أدباء ومثقفين قرأت لهم من غير ان تلتقي بهم، هكذا كانت احتفالية البابطين التي أقيمت قبل أشهر في الكويت سببا لالتقائي الجميل مع الكاتبة والروائية والصحفية في جريدة الأدب منصورة عز الدين، صاحبة رواية ( متاهة مريم) الصادرة عام 2004 عن دار ميريت وقام بترجمتها د. بول ستاركي، وكان أن اصدرت قبل ذلك مجموعتها القصصية ( ضوء مهتز) التي ترجمت الى الانكليزية والفرنسية والايطالية، في بداية الحوار تتحدث منصورة عن سمات الكتابة الجديدة وتتطرق للكاتبة المحامية التي توكل نفسها للدفاع عن قضايا المرأة، ولاستبداد العمل الصحفي، والموازنة بينه وبين العمل، وكان أول أسئلتي لها: 

هل تضيع شخصية الكاتبة والمبدعة مع متطلبات العمل الصحافي؟

تستغرق الصحافة وقتا ثمينا فهي مهنة متطلبة بطبيعتها، وكذلك الكتابة الإبداعية، وأحيانا يطغي أحدهما على الآخر، وكم من أدباء تاهوا في أدغال العمل الصحفي. فيما يخصني اعترف أن الصحافة تسرق جزءا كبيرا من وقتي، لكني أحاول قدر المستطاع، الوصول إلى أقصى قدر من التوظيف الجيد للوقت، كي أعكف على عملي الإبداعي بعيدا عن متطلبات عملي الصحافي. يساعدني أيضا أني أعمل في جريدة أدبية متخصصة هي أخبار الأدب، ما جعلني متابعة لكثير من العناوين المنشورة في مصر والعالم العربي بشكل دائم. ثمة نقطة أخرى يتجاهلها كثيرون هي أن العمل الصحافي يصقل شخصية من يعمل به بدرجة كبيرة، ويضعه أمام كنز ثمين من الخبرات والتجارب الإنسانية، وهذا بطبيعة الحال مفيد للكتابة. وعلى رغم حبي للصحافة بحكم تخصصي الدراسي ومهنتي إلا أنني قد أضحي بها دون تردد لو شعرت في لحظة ما أنها قد تؤثر بالسلب علي إبداعي. لأن الكتابة الإبداعية هي الأساس بالنسبة لي.

هل استطاعت المرأة في مناخ الحرية المتاح نسبيا، التعبير الحقيقي عن نفسها؟ وما الذي ينقص القلم النسائي؟

أعتقد أنها استطاعت ذلك بدرجة كبيرة، فالعقود الأخيرة شهدت أصوات نسائية تتسم بالعمق والموهبة. غير أن هناك قلة من الكاتبات يقدمن كتابة وجدانية منغلقة على الذات، بمعنى أنها سرد عاطفي لتجارب ذاتية ضيقة. كما أن هناك كاتبات يستسلمن لفكرة أن المرأة مقهورة بشكل مطلق، وبالتالي يتصرفن كأنهن محاميات موكلات من طرف النساء لمحاكمة الرجل والمجتمع الذكوري ككل. أنا هنا لا أقصد كل الكاتبات المدافعات عن قضايا المرأة ومشكلاتها، إنما أقصد من يعميهن ذلك عن رؤية الصورة بأكملها، ويؤثر بالتالي علي فنيات الكتابة في أعمالهن. فكثيرا ما أقرأ روايات لكاتبات عربيات، وألاحظ أن الشخصيات النسائية مكتوبة بدقة ومهارة، في حين أن الشخصيات الذكورية باهتة وذات بعد واحد، كما ألاحظ أحيانا أن السرد يكون في أكثر لحظات تميزه وحيويته حين يقترب من منطقة المشاعر أو العوالم الداخلية للبيوت. وهذا إن دل على شيء فهو يدل على أن خبرة بعض الكاتبات بالعالم الخارجي ما تزال محدودة. رأيي السابق ينبع من رؤية لفن الرواية باعتباره عالم موازٍ للعالم الذي نعيش فيه بكل تعقيده وتشابكه. ربما لهذا أبالغ لأقول أن الروائي ليس من حقه أن يكون متحدثا باسم نفسه، أو جنسه، أو قبيلته في أعماله، بل عليه أن يتبني الرؤى والأفكار المختلفة والمتصارعة لشخصياته، عليه ألا يكون مؤمنا بشكل مطلق بقناعات معينة، إنما من واجبه أن يضع قناعاته وولاءاته موضع التساؤل دائما. بمعنى آخر عليه أن يقيم في منطقة الشك والاحتمال، حيث لا حقائق مطلقة وليس هناك يقين دائم.

ما رأيك بأدب الانترنت ، وحضوره في المشهد الثقافي، بما له وما عليه؟

من وجهة نظري أن الانترنت أتاح متنفسا جديدا للكتاب، يمكنهم من نشر إبداعاتهم بسرعة أكبر، ومن التعارف على بعضهم البعض بسهولة ويسر.لكني أتحفظ على مصطلح أدب الإنترنت، إذ أراه فضفاضا بعض الشيء، هل المقصود به هو الكتابات المنشورة في المدونات المختلفة مثلا؟ أم كل الكتابات الأدبية الموجودة على الشبكة العنكبوتية بما في ذلك تلك الموجودة في مواقع الصحف والمجلات، والمواقع الأدبية المختلفة؟.إذا كان المقصود هو المدونات الأدبية فرأييّ أنها أفرزت كتابات جيدة، وهناك مدونون عرب ومصريون اتسمت كتاباتهم بطزاجة قلما نجدها في أعمال بعض الكتاب المعروفين. وإن كان للمدونات بعض التأثيرات السلبية على اللغة مثلا، كونها رسخت أحيانا لغة تتسم بالركاكة إلي حد كبير. أما في الحالة الثانية، وهي الخاصة بكل الكتابات الإبداعية الموجودة على الانترنت، فاعتقد أن سهولة النشر وعدم وجود معايير فنية تحدده قد سببت الكثير من الفوضى، لكنها ليست بالضرورة فوضى سلبية. فشبكة الانترنت وفرت نوعا من الديموقراطية في النشر، فالقارئ يتابع بسهولة الأدب المنشور على النت، وهو وحده من يقرر إذا ما كان أدبا جيدا أم لا. وعلينا ألا ننسى أن النشر على الانترنت في عالمنا العربي بالذات أتاح فرصة ممتازة للتحايل على الرقابة والرقباء، وجعل حرية التعبير أمرا ممكنا.

السخرية، الجنون، المرأة، الموت: كيف تحضر تلك الكلمات في نصوصك الإبداعية؟

السخرية بالنسبة لي ككاتبة هي الوسيلة المثلي لمحاربة السنتمنتالية والغنائية القادرة على إفساد العمل الأدبي وتحويله لمجرد كتابة وجدانية خفيفة ومبتذلة. عند كتابة حدث درامي كئيب تصبح السخرية الخفيفة والمبطنة هي أفضل الطرق للتخفيف من ميلودرامية الحدث، لكن يجب التعامل معها بحذر كي لا تتحول الشخصيات الروائية والقصصية إلى كاريكاتير ردئ لمجرد رغبة الكاتب في إطلاق العنان لحسه الساخر. أحب السخرية لأنها تعلق الأحكام الأخلاقية. ولأنها تضفي بعض الالتباس، وتضع الأمور في المنطقة التي أفضلها، تلك المنطقة الغائمة بين الضوء والعتمة بين الواقع والخيال، بين الشك واليقين .

أما الجنون فهو الثيمة التي تستحوذ علي جزء كبير كتاباتي، كما أنها تشغلني كثيرا. في روايتي الأولي «متاهة مريم» كان الخوف من الجنون من بين الهواجس التي يحرك بطلة الرواية، هاجس أن تتحول إلى امرأة مجنونة كجدتها العجوز التي تطارد الأوراق القديمة الملقاة في الطرقات كأن جمعها سيعيد الكون إلى سيرته الأولى.الجنون بأشكاله المختلفة سوف تجدين ظلالا له أيضا في روايتي الثانية التي قاربت على الانتهاء منها، كما أنه ثيمة أساسية في القصص القصيرة التي أكتبها في الفترة الأخيرة. ما يشغلني فيما يخص الجنون أنه خطر داخلي وليس خارجيا، إنه ينبع من الإنسان ويأكله من الداخل رويدا رويدا. أو كما يقول ميشيل فوكو «إن الجنون لا يتربص بالإنسان من كل جانب، إنه متضمن فيه، بل هو الرابط الدقيق الذي يربط الإنسان بنفسه”.

المرأة هي الأقرب للطبيعة، المانحة للحياة، هي الجدات والأمهات التي تعلمت على أيديهن الدروس الأولى في الحكي. هي أمي بكل بساطتها وعمقها وقوتها وانفتاحها على العالم والتي غرست في منذ البداية نبتة الاختلاف وشجعتني على تخطي حواجز لم أكن أظن في نفسي القدرة على تجاوزها. المرأة تحضر في نصوصي بكل هذه الوجوه، كما تحضر بكل عاديتها وتناقضاتها بوصفها إنسانا في المقام الأول.

الموت هو المفجر الأول للأسئلة في عقل الطفلة الصغيرة التي كنتها حين فوجئت به وتعرفت عليه وهي لم تتجاوز الخامسة من عمرها. هو أيضا من فتّح عينيّ على مأزق الوجود، على أننا محكومون بالفناء. غير أن الموت لا يحضر في كتاباتي بشكل ميلودرامي، إنما يأتي عبر تفاصيله الصغيرة، وعبر تجلياته الرهيفة.

شاركت في ملتقى الرواية العربية في دمشق، هل تجدين أن للرواية العربية سمات جديدة ، وما هي؟

كي لا أتورط في فخ التعميم أفضل أن أتحدث عن سمات الكتابة الجديدة في مصر، التي أرى أن من أهمها إعادة الاعتبار لكثير من الأنواع الأدبية التي تم تهميشها طويلا مثل الكتابة الغرائبية والكتابة البوليسية وكتابة الرعب، حيث يتم الاستفادة من هذه الأنواع الأدبية من دون التحفظات السابقة. هناك أيضا إعلاء من شأن السخرية، وكسر للعديد من التابوهات القديمة سواء أكانت تابوهات اجتماعية أو سياسية أو حتى دينية. هذه مجرد ملاحظات أولية، غير أنني أحب التأكيد على أن مصطلح الكتابة الجديدة لا يحمل في حد ذاته أي حكم قيمي، كما أنه ليس مقصورا على الكتابات التي يكتبها شبان، لأن هناك كتابات يكتبها كتاب جدد أكثر تقليدية من تلك المكتوبة في بدايات القرن العشرين، وهناك كتاب كبار في السن تتسم كتاباتهم بقدر كبير من الجدة والتجريب.

احتفالية البابطين، وغيرها من اللقاءات الثقافية ، فرصة للقائي بك، ما الذي تحققه مثل تلك التجمعات للأديب نفسه، وللصحافة بشكل عام؟

هذه اللقاءات والاحتفاليات الثقافية هي فرصة للتواصل والتحاور بين الكتاب والمثقفين والعرب، كما أنها إذا توافر لها التنظيم الجيد فرصة للحراك الثقافي، إذ تبعد شبح الرتابة والتكرار.

عودة إلى الملف

 

مقالات من نفس القسم