عجيبة

reda saleh
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

رضا صالح

قال الحاج سيد الحلاق:

ذهبت إلى صابر الجزماتي لأصلح حذاء المدرسة لابني هاني، وشبشب خاص بأم هاني؛ وجدته يرش الماء على باب المحل؛ قلت له بعد السلام:

أما زلت ترش الماء كأيام زمان يا صابر؟

لكى يهل الزبائن!

والسيراميك الجديد.. والماكينة.. ألم تشد الزبائن؟

التساهيل على الله..

—***—

أثناء انتظاري دخل شخص إلى الدكان، وجهه ليس غريبا عنى، و لكنى لم أتذكر فى أى مناسبة قابلته؛ ولم أتذكر له اسما؛ ربما أكون حلقت له من قبل؛ له رأس ضخم أصلع و وجه مستدير وشارب رفيع، عيناه حادتان مثل عيني صقر…أما عن كرشه المنبعج فحدث ولا حرج!

عندما اصطدمت عينه بعيني، قال لى متصنعا ابتسامة:

كيف حالك يا أستاذ..؟

قلت:

الحمد لله

قال:

ألا تذكرني؟ أنا فرنوان..فرنوان ابن الحاجة أم فرنوان بائعة الفراخ والبيض !!

فى الحال تذكرته؛ فى طفولته كان يرتدى أسمالا؛ ويعف الذباب على وجهه؛ وتنعكس التماعة تحت أنفه بسبب إفرازها المستديم.. سألنى:

ما أخبارك؟

قلت:

تزوجت ومعى أربعة أولاد..أعمل فى الحكومة صباحا، كما أمارس عملا آخر بعد الظهر..

قال:

لماذا؟

قلت:

كما ترى؛ الغلاء… أنا أمارس عملين، بمديرية النقل بالنهار؛ وأعمل حلاقا باقي اليوم.. وأنت؛ أين تعمل؟

أجابني بهدوء:

فى شركة عجيبة…

شركة اسمها عجيبة؟

نعم !!

قلت:

عجيبة والله!!

تدخل صابر الجزماتى فى الحوار ؛ وقال ناظرا إلى الفرنوان:

التوظيف ليس سهلا هذه الأيام…لقد توظفتم أيام الرخص!

رد الفرنوان:

الله يرحمه صاحب مزرعة الفراخ…كان له أخ محاسب كبير في الشركة سحبني من البلد ووظفني معه

أعتدل فى جلسته وسألني مستفسرا:

مستجد فى العمل أم قديم؟

قلت:

أعتبر قديم ؛ لى فى الوظيفة أكثر من ربع قرن !!

قال:

ومرتبك عال؟ أجبت:

الحمد لله….

كم تقبض؟

كل سنة لى علاوة حوالى 100جنيه

ارتسمت على وجهه ابتسامة خبيثة ونفث دخان سيجارته فى استمتاع بغيض، وهو ينظر إلى السحب المتصاعدة من منخاريه قائلا:

حاجة حلوة!!

يعنى إيه؟

حاجة حلوة وخلاص يا أخى…هل تحاسبني على الكلام؟

كنت أريد أن أطيل معه الحوار قليلا حتى ينتهى الأسطى صابر من المطلوب، ولكنى أحسست بغصة من أسلوبه قلت له:

لا أحاسبك؛ ولكن طريقتك فى الكلام لا تعجبني !

ولماذا لا تعجبك؟ هناك فرق ؛ نحن نعمل فى البترول ونكسب ؛ أما أنتم فتعملون فى التوصيل وتخسرون !!

قلت بضيق:

لا أحب من يسخر منى، لعلمك أنا معي دبلوم صناعي؛ وخبرة فى عملي، وفوق هذا موظف محترم وحلاق أيضا..

اسمع يا محترم؛ علاوتك هذه أنا أمسح بها الجزمة !!…

فى هذه اللحظة تدفق الدم مرتفعا إلى رأسي وشعرت بسخونة وامتلاء فى صوان أذني؛ كدت اصرخ في وجه هذا العجل اللعين… كيف أرد له تلك الإهانة التي هي في الصميم؟

—***—

أمسكت نفسى وسألته:

وأنت… كم مرتبك..؟ كم مرتبك بالله عليك؟؟

أجابنى وهو يعتدل بقامته؛ وقد وضع ساقا على ساق، وعادت نفس الابتسامة الخبيثة ترتسم على وجهه وهو يقول ناظرا إلى سحب الدخان المتصاعدة:

حوالى عشرين فقط.. عشرين ألف جنيه…خلاف الحوافز والبدلات”.

—***—

“سألت الفرنوان إن كان يحمل مؤهلا، أجابنى:

معى 3 شهادات

تعجبت ؛ سألت:

ما هى؟

أجاب:

شهادة الميلاد وشهادة التطعيم و شهادة أخرى ثالثه…

اغتصبت ابتسامة متسائلا:

وما هى؟

أكمل مبتسما فى هدوء:

شهادة إنهاء الخدمة العسكرية…” قدوة حسنة ” يا سيدى!!

قلت:

عظيم…عظيم جدا.. الدولة زين ما اختارت…” الحظ لما يآتى يخلى الأعمى ساعاتى” أى والله..أى والله العظيم..

كنت على وشك أن أقلع الجزمة وأقذفه بها، ولكنى استحيت أن يتأملها ويلحظ الثقب المفتوح منها على الشارع.

—***—

أثناء خروجه من باب المحل؛ تزحلق الفرنوان على السيراميك المبلل فانكفأ فجأة على الأرض وارتطم كرشه الرجراج بالبلاط، استمر برهة ساندا بكوعيه على الأرض كان خلالها مثارا لسخرية عابري السبيل..

حمدت الله الذى جعل من جزمته اللامعة جندا لرد إهانتي التي بلعتها على مضض، وددت لو كان بيدي سكين حاد كي أضحى بهذا العجل على باب المحل حتى ينقشع النحس عن صابر المسكين.

فى التو؛ نظر لي صابر بابتسامته المعهودة قائلا:

شغلك جاهز يا حاج سيد..

شكرته وخرجت من فورى من الدكان.

نظرت إلى الفرنوان وهو ينفض ملابسه ويمسحها قلت له مبتسما:

ترى بكم ستغسل ملابسك وتكويها؟؟”

مقالات من نفس القسم

تراب الحكايات
موقع الكتابة

كفّارة