حسن عبد الموجود
بدأ طارق إمام الكتابة مبكراً جداً، في أوائل التسعينيات، وأصدر مجموعته الأولى عن شرقيات “طيور جديدة”. كان يكتب في انتظار جيل. في انتظار أشخاص في نفس السن، ولديهم نفس المشتركات. كان فارق السن بينه وبين أصغر الموجودين على الساحة من سبع إلى عشر سنوات، وكان هذا شيئاً غريباً بالنسبة له، على الأقل لأن هناك فروقاً شاسعة في الخبرة.
يقول: “تجد أن هناك شخصاً يحدثك عن حرب الخليج باعتبارها عملت تحولات في وعيه، في الوقت الذي كنت في في الصف الثالث الإعدادي”. ويضيف: “كانت كتابتي فانتازيا شبه خالصة، واستخدامي للغة كان خاصاً جداً، وهذه سمات كانت ضد المناخ الذي يرغب التسعينيون في خلقه. كانوا يهدفون إلى إبراز التفاصيل الصغيرة في الواقع وتخفيف اللغة والبعد عن الحلي والزخرف، وكنت أدرك أن هناك مسافة بيننا”. يصمت قبل أن يتابع: “كانت هناك ميزة في التسعينيات أفتقدها حالياً، كان النقد واضحاً وصريحاً ومحدداً. الناس كانوا يواجهونك بتصورات أخرى بشكل واضح“.
هكذا عرف طارق الوسط مبكراً جداً، وكانت لديه فرصة لصداقات في الوقت الذي لم يكن قد تجاوز فيه العشرين. يعلق: “بالنسبة لسني كان هذا شيئاً مهولاً”، ويضيف: “من الأشياء المهمة أنني بدأت أفكر في كتابة النقد عن تجربة التسعينيات تحديداً، لأنني كنت أريد فهم المناخ الذي يحاولون خلقه، وأيضاً رؤاهم الجديدة، خصوصاً في الشعر”. أسأله: لماذا الشعر؟ ويجيب: “لأنني أعتبر حقبة التسعينيات للشعر لا للرواية. الشعر كان البطل حتى مع وجود روائيين متميزين، ولأن الشعر في تكويني كنت أحاول تحليل الأشياء من داخلها“.
في أواخر 95 ذهب الشاب الصغير طارق إمام لمقابلة جمال الغيطاني في مكتبه بـ”أخبار الأدب”. كان يحمل قصة له، ووضعها أمام رئيس التحرير. قرأ الغيطاني مجموعة سطوراً من القصة، كما يحكي طارق، وقال له: “بس دي أسلوبها شعري”، وقال طارق: “آه.. أنا قاصد كده، وأنا بحب الشعر أصلاً وأكتب نقداً في بعض الدواوين”. ابتسم الغيطاني، وأخرج طارق دراسة، كانت الأولى له، عن ديوان إيمان مرسال “ممر معتم”، ووضعها أيضاً فوق المكتب. كانت الدراسة عبارة عن أربع صفحات فولسكاب بخط اليد، فلم تكن أجهزة الكومبيوتر منتشرة وقتها. في الحقيقة كانت هناك مشكلة طفيفة، إذ كان خط طارق يشبه خط نجيب محفوظ بعد تلقيه الطعنة، كبيراً للغاية، بمعنى أن كل صفحة كان فيها عدد قليل من السطور، وكل سطر يحوي عدداً قليلاً من الكلمات، ويبدو أن الغيطاني لاحظ ذلك، وقرر عدم تفويته قائلاً له: “خطك كبير جداً، ألا ترى أن الدراسة صغيرة للغاية؟!”، ورد عليه طارق بكلمات لا تناسب التهذيب الذي يصطبغ به صوته: “النقد ليس بالكم يا أستاذ جمال!”. حسنٌ.. عاد جمال ليسأله: “طيب.. باعتبار أنك ناقد.. ما الأعمال الأخرى التي كتبت عنها؟!”. ارتبك طارق بشدة، ولم يشأ أن يقول إنها المرة الأولى، وربما تخيل أن هذه الإجابة بالذات قد تعصف بمستقبله النقدي، وقرر أن يراوغ، ويرد ما افترضه هجوماً بهجوم آخر: “النقد ليس بالكم يا أستاذ جمال!”. اشترى صاحب “هدوء القتلة” نسخة من “أخبار الأدب” في الأسبوع التالي، وبدأ يبحث في “ساحة الإبداع” عن قصته ولم يجدها. ركن الجريدة يومين أو ثلاثة ثم عاد إليها ليتصفحها وفوجئ بالدراسة منشورة. يضحك: “اعتمدوني ناقداً!”، وأضاف: “ولكنهم نشروا القصة في فترة لاحقة“.
منذ تلك اللحظة قرر طارق أن يمضى في سكة النقد، وإن كان يصفه بـ”ما يشبه النقد”، وهو ما أفاده كثيراً، ثم نشر مجموعته “شارع آخر لكائن”، وقرر أن يتوقف ليلتقط أنفاسه. لقد حقق البداية، وحلمه بأن ينشر كتاباً، وها هو ينشر اثنين لا واحداً. سأل نفسه: “لو أنك تريد أن تكتب رواية فكيف ستكتبها؟ وهل ستظل مستمراً في كتابة قصص شديدة التجريد، والبطل فيها اللغة؟”، حتى كتب روايته (شريعة القطة) التي استغرقت منه الفترة ما بين 96 إلى 2002. وضع فيها كل حيرته حول العالم واللغة، لدرجة أنه حينما ذهب بها إلى محمد هاشم في دار “ميريت” قرر ألا يكتب على الغلاف “رواية”. كان خائفاً، ويشعر بأن تلك الكلمة كبيرة جداً، وهاشم سأله: “أُمال إيه؟!”، وأجابه: “قصة طويلة”، فعاد هاشم ليقول له: “انت فاكر نفسك سليمان فياض؟! هي رواية”. يعلق طارق: “كان شيئاً محيراً جداً. هناك أشخاص كتبوا عن المجموعة الأولى باعتبارها ديواناً، وها هو الناشر يغير فكرتي عن عملي الجديد من قصة طويلة إلى رواية. حيرة النوع رأيتها في كل الأوقات“.
يكتب طارق منذ 95 مقالات شبه منتظمة عن الأعمال التي تصدر. سواء الروايات أو المجموعات أو الدواوين، وهو يرى أن التحذيرات والتخوفات من تأثير النقد على الكاتب إكلشيهات ساذجة انتشرت لفترة، مثلها مثل خرافة “على المبدع ألا يقرأ كتباً نقدية”. يقول: “الكتابة فيها جزء من الصنعة، بمعنى أنني أندهش من فكرة أن المخرج السينمائي يفهم في نوع الكاميرات والديكور والملابس وغيرها، في الوقت الذي يكون مطلوباً من المبدع أن يكتب العمل فقط. إدراك أبعاد الصنعة مهمة للروائي، وهناك شيء أكد لي ذلك من خلال دراستي للأدب الإنجليزي، فقد اكتشفت أن كل المبدعين الكبار في كل نوع أدبي هم من يُنظِّرون للأعمال الأدبية الأخرى. ج. ه. لورانس، هنري جيمس، إيتالو كالفينو، وإمبرتو إيكو. أوروبا كانت متجاوزة تلك الإكلشيهات. كانت تدرك أن المبدع هو الذي يلتقط الأشياء الجوهرية ويحاورها. باختصار أنا استفدت من النقد ولم يؤثر علىَّ سلباً. النقد لعبٌ مع النص. حينما تقرأ تكون ناقداً للنص، والمبدع الذي لا يقرؤه بهذه الطريقة ما الفارق بينه وبين القارئ العادي؟! أحاول أن أترجم هذه الأفكار في كتابة وأكتشف أن هذا يفيدني“.
من الأمور التي تضايقه أيضاً حينما يسأل كاتباً: “لماذا فعلت هذا في نصك؟! ويرد عليه وكأنه يحفظ عبارة متوارثة: “أنا كتبت ولا أعرف الإجابة”، أو “أنا كتبت وليس دوري أن أرد”. يتساءل طارق بسخرية: “لماذا؟! ما تلك القداسة؟! أنت تستطيع أن تتحدث عن نصك، وتتحاور مع قارئ، وتكون عليماً بسبب إقدامك على شيء ما. هذا ليس ضد الإلهام، وخصوصاً الرواية، فهي ليست دفتراً، إنما بناء وعلاقات“.
بعد مرحلة الكمون جاءت مرحلة الانطلاق. أصدر ست روايات متلاحقة، حيث تحولت الكتابة بالنسبة له إلى التزام. يقول: “بدأت أتعامل مع نفسي ككاتب، أصبحت متأكداً من أن الكتابة مهنتي، وبالتالي وبمجرد الانتهاء من عمل أبدأ في البحث عن مشروع جديد، ليس شرطاً أن يكون محدد الملامح، ولكنه على الأقل موجود”، وارتباطاً بهذا، يقول طارق، إنه اكتشف أن الرواية تختلف عن القصة في نظرة الروائي والقصاص لنفسيهما. القصة في النهاية لها علاقة بالإلهام واللحظة الفارقة، ولكن في الرواية إن لم تعمل بقدر من الصرامة فلن يكون الأمر جيداً: “أصبحت أستمتع بفكرة أنني أعيش داخل مشروع جديد، وهناك أمر يتعلق بالغزارة في أعمالي خلال الفترة الأخيرة، أن كل رواياتي في الأصل كانت قصصاً قصيرة، (هدوء القتلة) على سبيل المثال و(الأرملة تكتب الخطابات سراً) و(الحياة الثانية لقسطنطين كفافيس) من (حكايات رجل عجوز) وأخيراً (ضريح أبي) كانت مبنية على قصتين، لو قرأتهما ستجد أنهما يلخصان الرواية بالكامل في ألفي أو ثلاثة آلاف كلمة“.
هل يرى أن الروائي يجب أن يكون هذا النموذج؟ يجيب: “ليس بالضبط، فمكن الممكن أن أحب أعمال كتاب مقلِّين، مثل إبراهيم اصلان وعبدالحكيم قاسم. المُقلُّون ربما يكونون هكذا بسبب الإحباط أو ظروف الحياة، بدليل أن الكاتب الذي لديه قدر من الاستقرار المادي نادراً ما ستجده مُقلاً، وأنا طوال الوقت أحاول خلق حالة الاستقرار أو أتوهمها. المهم أنني عندما أنتهي من رواية تكون في ذهني أفكار لثلاث روايات، طالما أن لديك أفكاراً وعندك القدرة على تحويلها إلى فن لا يتبقى أمامك سوى أن تجلس لتكتب، وبمناسبة هذا من إكلشيهات مصر أن الكاتب الغزير أقل قيمة. هذا غير حقيقي، هناك كاتب غزير جيد وآخر سيئ، كما أن هناك بالضبط كاتباً مقلاً جيداً، وآخر سيئاً“.
على مستوى حجم العمل طارق ليس مهموماً بأن يكتب عملاً ضخماً، مثلما يحلو للكتَّاب التندر بمسألة “الكعب”. يقول: “الرواية الجديدة (ضريح أبي) أقل من مائتي صفحة. (كفافيس) كانت حالة خاصة، حيث كنت أكتب عملاً ممتداً في مائة عام، ولا أعتقد أنني سأقدم على تلك التجربة في حياتي سوى مرة أخرى أو مرتين، فأنا لا ألقي بالاً لمطالب السوق والترجمات وسعر الرواية“.
بالتأكيد أصبح طارق إمام أقل اكتئاباً من أي وقت مضى. كانت عبارته الأولى حينما يقابلك. بالأدق سؤاله: “شكلك مكتئب؟”، لأنه يعتقد أن العالم نيبغي أن يكون مثله. أن يشاركه حالته. في تلك الفترة التي كانت لديه قائمة بالأطعمة التي ينبغي أن يأكلها لتقليل تلك الحالة، وعلى رأسها التونة. فكر في الذهاب إلى طبيب نفسي، وكان يسأل أصدقاءه عن أدوية الاكتئاب: “يا جماعة بتاخدوا إيه؟!”، ثم قرر قراءة كل شيء يخص ذلك على الإنترنت، وعرف أن هناك كبسولات معينة مصنوعة من زيت السمك يمكنها القضاء تماماً على الاكتئاب. ذهب إلى صيدلية وسأله الصيدلاني هل ترغب في النوع المصري أم المستورد؟ ورد الفعل الطبيعي الذي كان سيحدث في حالتنا جميعاً حينما نكون شارفنا على الانهيار بسبب مشكلة ما اختار المستورد، الذي يكون في الأغلب الأغلى، والأغلى بحسب أوهامنا لديه مزايا أكثر من المصري.
يضحك: “كنت أحمل كبسولات زيت السمك في حقيبتي، وتحولت بمرور الوقت إلى محلل نفسي لمن أعرفهم ولمن لا أعرفهم، أنصح المكتئبين بالتهام اتنين كيلو موز صباحاً، وجعل التونة طعامه الأساسي، وسيطرت علىّ الحالة بدرجة مخيفة، وكنت أقول لأي شخص أقابله بغض النظر عن حالته الحقيقية: شكلك مكتئب؟!”، ويضيف: “الاكتئاب ليست له علاقة بالمال أو التحقق. غياب الأسباب المباشرة يجعلني أتخوف منه، ولكنني بمرور الوقت بدأت أحاصره، واستطعت التغلب عليه إلى حد كبير. أنا أحارب الاكتئاب بشراسة، ولا أفضل الجلوس مع المكتئبين، ولا أريد أن أبدو مكتئباً. الاكتئاب في مصر برستيج، ولكنني لا أريد أن أصبح جزءاً من تلك الحالة، ولهذا أفضل التحدث أو الهزار كثيراً“.
بالتأكيد طارق إمام طيب، ولكنه يحمل روح “بوسايدون” بداخله. حينما يغضب لا يحسب كلماته جيداً. ليس مهماً أن تخرج تلك الكلمات في شكل رصاصات، أو دانات أو حتى صواريخ. المهم أن يحصل على حقه، كما يتخيل، في تلك اللحظة. حدث سوء تفاهم بيننا في إحدى المرات، وأرسل لي رسالة على “فيس بوك”، ليعايرني بأنني كاتب غير منتج. في الحقيقة أضحك حينما أتذكر هذا الآن، ولكن مع الاعتراف بأنه أغضبني بشدة وقتها. قال لي ما معناه “التفتْ إلى كتابتك، وأرجو ألا تكون روايتك القادمة هي الجزء الثاني من (عين القط)”، ووضع “وجهاً” مبتسماً مع العبارة، إمعاناً في الإيحاء بأنه يكتب من منطقة متعالية، وإمعاناً في التأكيد على أنه هادئ. يقول صاحب “شريعة القطة”: “أنا قاطع ومحدد. هذا شيء نفسي، وجزء من شخصيتي. نعم.. لدىَّ شكل من أشكال الحدية في التعامل. انفعالي جداً. سريع الغضب. أقل شيء قد يؤثر فىَّ، ولكنني بدأت في الفترة الأخيرة في مراجعة ذلك الأمر. أصبحت أكثر اقتناعاً بضرورة تغيير هذا، وأنه لن يصلح طوال الوقت. كنت إذا ضايقني شخص أبحث عنه لأواجهه: لماذا فعلت معي هذا؟ ماذا تقصد من ذلك الموقف؟ أنت شخص مش كويس. كنت متأكداً أن هذا يرهقني ويتعبني، ثم إنه سيجعلني مكروهاً فلماذا الاستمرار فيه؟ لا يوجد شيء أفضل من أن تركز في القراءة والكتابة، وكلما تقدمت في العمر ستلاحظ أن هناك كيمياء تجمعك بأشخاص معينين، ليس بمنطق الناس الجيدين والسيئين، أو الأخيار والأشرار“.
ويضيف: “نموذج نجيب محفوظ يضايقني في أمور كثيرة، طوال الوقت كان مستمراً في الكتابة، ومع هذا لا تستطيع أن تلحظ موقفه من أي شيء. ما زال هذا يضايقني، ولكن أصبحت أتفهمه. محفوظ كان يبني شيئاً ما، ويريد أن يعبر به أياً كانت السياقات أو الأنظمة، وارتباطاً بهذا أندهش جداً ممن يتحدثون عن أن الثورة عطلتهم، فما علاقة ذلك بالكتابة؟ الكتابة مقاومة وليست ترفاً“.
اقترب طارق من الأربعين.. فكيف يفكر في مسألة السن؟ وما الذي تعنيه إليه فكرة الموت؟ يجيب: “كنت أتحدث مع أصدقائي عن حلمي سالم. عرفته شاعراً كبيراً. كان في الأربعين وقتها، وها أنا أصل إلى نفس السن، وهناك من أصدقائنا الأكبر من يتجه إلى الخمسين مثل أحمد يماني، وياسر عبداللطيف. الحياة بكل تأكيد تتغير، وتظهر على وجوه الأشخاص الذين نحبهم، ولكنني أخاف الشيخوخة أكثر من الموت، أخاف فكرة الضعف والوهن التي ترتبط بها، أن أضطر إلى التوقف عن التدخين. هذا قاس جداً”، ويضيف: “عندي مشكلة أخرى تتعلق بالسن، حيث تزداد عدميتي تجاه فكرة الخلود والبقاء، أو بما الذي يتبقى منك. كنت مقتنعاً في توقيت سابق بفكرة ماذا ستترك؟ ولكن هناك شيء ما تغير في ذلك. حينما يصدر أي كتاب جديد لي أشعر بإحباط لأنه تحول إلى كعب في المكتبة. لم يعد صدور الكتاب مفرحاً، ولا يمثل رهاناً على البقاء، حتى أن أصدقائي يقولون لي إنني عدمي رغم أن هناك آخرين لا يرون ذلك، غير أن أصدقائي أكثر معرفة بي. أنا أبدو ملتزماً ومحارباً، ربما لمواجهة الجزء العدمي بداخلي، وأنا أعترف بأن عندي شيئاً أقرب إلى التناقض. لا. هو تناقض فعلاً، وربما هذا أحد نتاجات اكتئابي الداخلي. قمة الرغبة في الشيء مع قمة اللامبالاة فور تحققه“.
ليست لديه وساوس خاصة بالمرض، لا يفكر أبداً أنه سيُصاب بمرض خطير، ولكن أسوأ هواجسه على الإطلاق هو موت والده أو والدته، وبعد أن أصبح أباً زاد الهاجس تماماً: “أصبحت أخشى جداً على ابنتي، ولكنى لا أخاف على نفسي أبداً”. فيما يتعلق بالشكل يكون اعتيادياً في بعض الأمور، وغير اعتيادي في أمور أخرى، فمثلاً إذا أعجبه قميص ما يظل يرتديه كثيراً، ولا يلقي بالاً إلى بقية القمصان، وفيما يتعلق بشعره يمكن أن يتركه فترة طويلاً ليتحول إلى ما يشبه الغابة، وقد يقصه ليحوله إلى ما يشبه نجيلة الملعب، قد يترك ذقنه فترة وقد يحلقها. يكره اللون الأخضر، ومن يرتدونه، وليس لديه استعداد ليفكر في تجربته. يفضل الأزرق والبرتقالي. يضحك: “لديَّ خمسة تي شيرتات برتقالي”. فيما يتعلق بالأكل: “لا يمكن أن أغامر لتناول شيئاً لا أعرفه. آكل ما أعرفه أو ما أحبه”، وهو اعتيادي فيما يتعلق بالسكن: “لا أفضل تغيير الشقة التي أسكن فيها حتى لو كانت لا تريحني، ربما لأنني كسول”. يضحك مجدداً: “أنا كسول في الحياة ولكنني لست كسولاً في الكتابة“.
الصداقة هي الفكرة الأهم في حياته، والأكثر حساسية. لماذا؟ يفسر: “لأن صديقي يعرف أسراري، مشاكلي في البيت، هواجسي، انطباعاتي عن الحياة. أصدقائي يسمونني (الدلَّالة) لأنني أتحدث عن أي شيء وحول أي شخص، ورأيي الحقيقي لا يعرفه إلا أصدقائي القريبون، وهم من نوعية خاصة، بمعنى أنهم لن يستغلوا خصوماتي العابرة معهم في إفشاء ما قلته لهم. لن يبيعوني مطلقاً. عندي دائرة من هذا النوع من الأصدقاء. باسم شرف، ومحمود خيرالله، ولكن أحمد عبداللطيف هو صديقي الأقرب، رغم أنه ليس الأقدم، وهو من يعرف كل أسراري، وهو من يقرأ مخطوط أي عمل جديد لي رغم أنني قررت الكف عن تلك العادة، يمكنني أن أقول إنه يتابع أي عمل لي من الفكرة وحتى الصدور“.
بمجرد أن تبدأ في الحكي عن موقف يجمعك بشخص ما سيقاطعك طارق. يقول لك: “اسمع.. هقولك أنا”، وهو في الأغلب سيفاجئك بكمِّ حكايات عن الشخص ذاته منذ ميلاده، وحتى اللحظة الحاضرة، فمتى جمع كل هذا عنه؟!. وهو أهلاوي درجة “تالتة”، لديه حالة تربص بالزمالكوية، ولا يفوت فرصة للسخرية منهم والشماتة فيهم، وما زال يحن إلى التسعينيات، وهذا يظهر في مداومته على سماع عمرو دياب ومحمد محيي.
يفرح طارق حينما يجد تقديراً. يقول ساخراً: “أحب النجاح ككاتب، ولن أتعالى وأقول: حينما أحصل على جائزة مش عارف إيه. التقدير يفرق معي كحافز. الكتابة أصبحت أهم حينما عرفت أن هناك قارئاً ينتظرني، في الفترة الأخيرة. وجدت أشخاصاً على سبيل المثال قادمين من أماكن بعيدة ليحضروا ندوة لي في الكتب خان. وجود مثل هؤلاء يشعرني بالبهجة، وحينما ظهروا خلال السنوات الأخيرة بدا كأن هناك رئة جديدة لنا”. وأخيراً كيف يفكر في المستقبل؟ يقول: “لا أريد شيئاً. كان يمكن أن أقبل بالعمل في بعض الأماكن الصحفية الأخرى لزيادة دخلي، ولكنني رفضت، فطالما أنني قادر على الحياة فلا يهم أن أمتلك شقة. يكفيني الإيجار. ليس مهماً أن أمتلك سيارة، المهم أن أعيش بشكل جيد ولا أكون في حالة عوز أبداً“.