مريم الشكيلية
مدينة الضباب
لا شيء دافئ هنا سوى رسائلي
التي تخرج من موقد قلمي إلى رصيف الورق
كأنني أحاول تدفئة أصابعي
وأنفض منها البرد
حين أدخلها في محراب الكتابة.
في هذا الوقت
مدينة الضباب على موعد مع موسم البكاء
الأمطار تهطل ليلاً
منذ أن وصلت أسمع نقرها على نافذتي
الشرفات موصدة بمفاتيح الصمت.
أجلس مع فنجان قهوتي وخربشات محبرتي.
في الصباح تترك الأمطار أثر غنائها
على كل شيء
حتى على مزاجات السكان هنا…
كئيبة هي الحياة بلا قرص الشمس
وأصوات مذياع تفوح منه ترتيل الآيات الروحانية
وضجيج الشوارع ودخان الأفران
ورائحة الخبر وصوتك…
أحاول أن أنتشل نفسي من كل هذا
وأجر قلمي لكتابة سطر
أو أن أجر قدميّ خارج غرفتي
قبل أن تتكاثر الثلوج وتتجمد البحيرات
وتثقل أوراق الأشجار وتصبح السماء رمادية
عندها لا أستطيع أن أتجول في هايد بارك…
**
ذكريات من حدائق الشتاء
يقترب الشتاء من الأبواب الموصدة..
يعد حقائبه وثيابه الشتوية ليأتي في موعده..
ويأتي للمرة الثانية والعام الثاني من دونك..
هل تعلم ماذا ترك لي الشتاء منذ رحيلك؟!….
كنت أنثى تمشي تحت المطر
ويسرق الشمع كل الأبجديات الخارجة من فمي..
كنت أسيرة الإيقاعات الشتوية
ونقر الرذاذ على ظفائري المبللة
والرسم فوق ضباب نوافذي الزجاجية ..
وكنت أنثى الشتاءات الباردة…
منذ رحيلك المؤلم
لم تعد الأيام الشتوية عابرة حتى في كتاباتي
ولم تعد الطريق معبدة
ولا التفاصيل الصغيرة مضاءة بفوانيس حلم.
أصبحت الأيام الرمادية مرهقة تأخذني
إلى الرابعة فجراً بلا دمع بلا كلمات…
هل كان علينا أن نحتفظ بتلك الشهقات
التي لا تزال مختبئة في جيوب ذاكرتنا..
هل كان من الممكن لو أننا أفسحنا الطريق
لصرخاتنا المعلقة فوق سقف حناجرنا..
ليت تلك الأمطار التي هطلت على طول طرقاتنا
استطاعت أن تغسل ملامحنا المشدودة الباهته…
هل كان عليك أن ترحل لندرك
كم كنا انعكاسة روحك وجناحك الذي نستظل به؟!
هل كان علينا أن نعيش تلك اللحظات الآسرة باليتم
وأن يجمدنا الشتاء حتى أخمص بيوتنا وشوارعنا؟!
هل كان علينا أن نستفيق من أحلامنا تحت صواعق رحيلك؟! …
…………….
*كاتبة من سلطنة عمان