محمد عويس
كل شيء بدأ من العدم، من عمق الظلام الأبدي، حيث لا ضوء ولا ظل، لا صوت ولا صدى. هناك، في نقطة لا تُرى، انفجرت الكلمة الأولى، نون والقلم، رسمت أول خطوط المصير على لوح محفوظ لا يُطال. من دخان كثيف بلا لون ولا شكل، تشكلت السماوات، وامتدت كما يمتد السراب في البصر. الأرض، كتلة من الطين البارد، انبثقت، ارتجفت، ثم استقرت كالأم الحنون تنتظر جنينها. الجبال أوتاد، البحار غامضة، الليل عباءة، والنهار وشاحٌ شفاف.
الجنة، بساتين خضراء، أشجارها تمس السماء، والنار، جحيمٌ لا ينطفئ، لهبها يأكل الظلام. الملائكة، نور بلا ظل، أجنحة ترفرف كهمس الريح، أعينهم لا تذرف إلا الرحمة. الشياطين، كتلة من الشرور المنسية، ألسنة من لهب ومكر، أصواتهم وعود كاذبة، وأجنحتهم زيف يمتد في الليل. الجن، من مارجٍ من نار، أجساد شفافة، تحيا بين الخفاء والظهور، عيونهم تشع بالفضول والدهاء.
آدم، طينٌ اختلط بيد القدرة، وحواء، ضلعٌ ينبض بالحياة، خُلقا ليكونا البداية. نطفة، ثم علقة، مضغة، عظامٌ يكسوها لحم، حتى اكتملت الصورة. الزمن، عجلة تدور بلا توقف، والمكان مسرحٌ بلا حدود. الأنبياء والرسل، نجومٌ في ليل البشرية، أقمارٌ أضاءت عتمة النفوس.
الشجرة، وسط الجنة، ثمرة محرمة، اختبارٌ كتب القدر تفاصيله. السقوط، لحظة تمرد، لحظة خطيئة، لحظة انكشاف العري. الجزاء والعقاب، موازين دقيقة، الجنة لمن أطاع، والنار لمن تمرد.
إبليس، النار التي أبت السجود للطين، الفخر الذي انهار تحت وطأة الغواية. الأفعى، وسيلة المكر، انزلقت بين فروع الشجرة، همست بكلمات مسمومة. المعجزات، رسائل سماوية، بحرٌ ينشق، عصا تتحول، ميتٌ ينهض.
المخلوقات، أشكالٌ أولى تنبض بالحياة، ألوانهم رمادية، أعينهم تخترق الحجب، أجسادهم كالطين قبل أن يجف. الليل، ستار يخفي الأسرار، والنهار، ضوء يكشف العيوب. المطر، قطرات تنبض بالرحمة، تسقط لتمنح الحياة.
وفي النهاية، صوت العدم ينحني، يتلاشى، ويكشف عن الأبدية، عن الحقيقة المطلقة، عن الكلمة الأخيرة التي لم تُكتب على اللوح. الإله، القادر، المهيمن، الذي من نوره تنبثق الأكوان، ومن إرادته تدور العجلات. الفكرة التي لا تفنى، والسر الذي لا يُفهم، الحكاية التي لا تنتهي.
………………
*قاص وروائي مصري