صندوق جرامافون

موقع الكتابة الثقافي
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

عبد الرحمن تمّام


جَدّي لم يكن قاتلاً 
صدقني 
خبأ الغيم أيضاً كما خبأ الخراطيش في جيوب الصِديري
ولم يكن ابن ليل كما زعموا
باختصار
كان الرجل صاحب مزاج
وحين أفلس ولم يجد ما يقتات به
باع عفش البيت 
حتى فكَّك آخر الأمر جرامافونه
ثم دفن البوق النحاسي في الحديقة
إذ ربما صانت الأزهار العِشرة
وأزعجت في غيابه بالنفير قلوب الراحلات
تأبط بعدها الصندوق الذى جاهد ليفرغه من أسماك الموسيقى
وخرج

**
في (الإسكندرية)
كان يملؤه كل صباح بالفريسكا
ليبيعها على الشاطئ
وآخر الليل يحصي وحيداً خيباته ونقوده
قالوا:
إن أميرة عَلَويّة رأته مع شقشقة الفجر عارياً
وحورية البحر تغنج تحت جسده الأسمر
ثم انسلّت في النهاية إلى الماء
بعد أن سدّت جوعها بشيء من بضاعته
ولوّحت من بعيد
فنزلت بنت الأكابر من شرفتها الملكية 
يحثّها الشوق 
لتذوق العجينة

**
وفي (تـعـــز)
كانت الأرض خربة
وعلى وجه الغمر ظلمة وروح الله يرفّ
هناك
اغتنم الفرصة جيداً
فخزّن أوراق القات والماريجوانا
ليهرّبها للجمهوريين من بني جلدته في الخنادق والجبال
وطئ دساكر وحقول دم وفلوات
حاملاً صندوقه حتى تقرّحت قدماه
آمن أن للحرب فوجا وتوكاتا
أن قمر اليمن السعيد
حجر توتياء
لن يشفي رمد القلب أبداً

**

وبينما كان يتكوَّر من شتاء قارس
عند جذع يوكاليبتوس 
ألقى بقايا صندوقه في النار 
وجثا
تذكر امرأة من (سرقسطة) 
قال لها ذات ضُحى:
لنا الأندلسي و الكوفي والأحرف السبعة
..
أذَّنتُ للإقامة
فدعي الطّاق على هيئته
لتكبّ عصافير الدلتا زقزقاتها
نصنا المنقوش يا حبيبتي لا يحتمل الناسخ والمنسوخ

تذكر شرانق (طنجة) الإسمنتية
كيف تقبض على فَرَاشها

تذكر الأمازيغية 
التى تاجر بعطرها وآسها

لما علّمته آخر مرة وهو يتحسس هيولاها 
كمديةٍ
أن للجسد صوائتَ وصوامت

تذكر صليباً 
صنعه بيديه من صندوقه المكسور
لامرأة في (أريحا)

مسحتْ بزيت بهجتها جهاته القائظة

تذكر البوق
الذى أكله الصدأ والحنين

وحين عاد 
قرر أن يغرزه في شجرة مجاورة 
وأقسمت جدتي بمقصوصها الطاهر 
أنها شافت موسيقى، 
تخرج قافزةً 
كالثعالب

ورأى كل ما عمله فإذا هو حسن جداً!
وكان مساء 
وكان .. 
حتى إذا مسّه طائف من البلاد

ا
س
ت
ر
ا
ح

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

 شاعر مصري 

مقالات من نفس القسم

علي مجيد البديري
يتبعهم الغاوون
موقع الكتابة

الآثم