عوالم “حمامة بيضاء” وأفكارها الفاضحة للثقافة المصرية ستجعلها قابلة للانتشار
“الموريسكي الأخير” تبحث في العقل الباطن للجماعة الإنسانية عن مأزق مشابه لثورة يناير
القارئ لا يحتاج من يعامله كطفل رضيع..ومهمة الكاتب اصطياد اللحظات الفارقة في التحول الإنساني
الجوائز تُسجِن الكاتب وتجعله عبدًا للتصفيق..ومانحوها يفكرون بطريقة عصر فاروق حسني
مستمر في كتابة الرواية لأني أتعامل مع العالم بالمنطق الذي يريده
حاورته: آلاء عثمان
صوت أدبي استطاع في وقت قصير أن يميز نفسه، وأن يصبح له بصمة خاصة في المشهد الأدبي، بدأ بكتابة الشعر، فأصدر ثلاثة دواوين هما “يرفرف بجانبها وحده”، و”قصائد الغرفة المغلقة”، و”هانيبال”، ثم تحول بعد ذلك إلى كتابة الرواية، فأصدر عدد من الروايات كان أولها “صمت الكهنة”، وآخرها “الموريسكي الأخير”، وبينهما “أساطير الرجل الثلاثاء”، “حمامة بيضاء”، التي صدرت للمرة الأولى عام 2005م، عن دار ميريت للنشر، ولأنها لم تأخذ حقها في الانتشار حينذاك، قرر صبحي موسى، إعادة نشرها مجددًا، في طبعة ثانية عن دار بتانة.
– صرحت أن الطبعة الأولى لرواية “حمامة بيضاء” لم تحظَ بالانتشار الكافي..فهل تتوقع لها الانتشار المرجو في طبعتها الثانية؟
في ظني أن هذه الطبعة سوف تلقى الكثير من الانتشار، فقد تلافينا مشكلات الماضي بداية من الناشر غير المهتم مرورا بالخروج من المشهد الشعري والتركيز على المشهد الروائي، وأعتقد أن حضوري في هذا المشهد يمكن وصفه بأنه جيد، أعتقد أيضا أن الذين قرءوا “أساطير رجل الثلاثاء” أو “الموريسكي الأخير” سيفكرون في قراءة ما سبقهما لمعرفة البدايات التي انطلق منها هذا الكاتب، وكيف كانت رؤيته قبل أن يرتبط اسمه بفكرة الرواية التاريخية، أعتقد أن بساطة هذه الرواية، وعوالمها وسخريتها وأفكارها الفاضحة لأمور عديدة في الثقافة المصرية، ستجعل منها في طبعتها الثانية عملا قابلا للتداول.
أما الذي جعل الرواية لا تلقى رواجًا في طبعتها الأولى، عام 2005م، عن دار ميريت للنشر، هو المعاناة التي عانيتها مع الناشر محمد هاشم من أجل إصدارها، حينذاك كانت ميريت هي أشهر دار تنشر للشباب، خاصة الأعمال الإبداعية، وكانت لدي رغبة كبيرة في أن أنشر لديها، ولكن تأخر نشرها كثيرًا وندمت على هذه التجربة.
على الجانب الآخر كنت في ذلك الوقت معروفا بكوني شاعر قصيدة نثر، بعد أن أصدرت ثلاث مجموعات شعرية، ورغم أنني كنت قد أصدرت رواية “صمت الكهنة” عن قصور الثقافة عام 2002م، إلا أن أغلب صداقاتي كانت مع شعراء النثر، ولم تكن لي صداقات مهمة مع كتاب الرواية، ومن ثم فلم يتم الاحتفاء بهذه الرواية “حمامة بيضاء” لا من قبل الشعراء ولا الروائيين، وكل ما أذكره أنني أقمت لها ندويتن فحسب.
ــ كتبت “حمامة بيضاء” عام 2004م، وطرحت من خلالها فكرة استخدام السطلة للمثقف وقتما تشاء..فكيف ترى علاقة السلطة بالمثقف أو العكس في عام 2016م.
في عام 2004، وهو عام كتابة الرواية، كانت لدينا سلطة قوية مستقرة منذ نحو ستين عامًا على الأقل، رغم التحولات التي حدثت من عبد الناصر إلى السادات ومبارك، لكنهم جميعًا في إطار دولة وفكرة واحدة، فضلا عن أن عصر مبارك كان قد طال وترسخ إلى درجة أنه في عام 2005، أي عام صدور الرواية، كان قد بلغ جبروت السلطة مداه.
أما في عام 2016 فالأمر مختلف تمامًا، فنحن دولة خرجت من عمليتي قلب مفتوح، في الأولى أطيح فيها بنظام مبارك، وفي الثانية أطيح بنظام الإخوان، ونحن أمام نظام لا يمكن الادعاء بأنه مستقر بعد، وهذا يعني أن الجميع في حالة من الريبة، وعدم وضوح الرؤية.
يصبح السؤال عن موقف المثقف نفسه، المثقف الذي رفع يديه ومنديله الأبيض للسلطة منذ زمن طويل، فقد سجنه عبد الناصر وأفرج عنه وسجنه وأفرج عنه، وهكذا، والمثقف الذي شرده السادات وطارده حتى عرف عصره بعصر الطيور المهاجرة، المثقف الذي كسره مبارك، وجنده ووظفه فاروق حسني، سواء في لجان المجلس أو جوائزه أو مؤتمرات أو منحه أو سفرياته، لقد تم تحييد المثقف، وأصبح للدولة أكبر تجمع ثقافي يعرف سنويا بجوائز الدولة، فهناك نحو ستمائة مثقف يصوتون، وهناك نحو ألفي مثقف ينتظرون سماع أسمائهم، هكذا أصبح الجميع ابن للنظام، إلا من يئسوا، وأيقنوا أنه ليس لهم إلا الجحيم، فقرروا أن يكونوا المعارضة، ومن ثم فغالبيتهم معارضة هشة، إذا قيل لها أنها مطلوبة في بيت الشعر أو لجنة من لجان المجلس سعى وهرول، وإذ منوا عليه بجائزة سبح وحمد، وإذا منع عنه شيء عاد للسب والشتم والمقت والتبرم، هكذا انتهي عصر مبارك على هذا النحو، وهذا ما سعيت لرصده في “حمامة بيضاء”.
لكن المثقف في 2016 فأمره أكثر دهشة، فالدولة لم تلغ أحجياتها وألغازها بعد، سواء في المنح أو الجوائز أو السفر، لكنها أيضا لديها رغبة في رفع الدعم الثقافي، ولديها يقين بأن المثقف يجب أن يأتي بالعملة الصعبة للبلد لا أن يأخذ عملة صعبة، والمثقف يريد العودة من جديد إلى الحظيرة القديمة، رغم أن الدولة مرهقة، وليس لديها رغبة في دفع مليم لأحد، لكن هذا الأمر سيستمر على هذا النحو إلى أن يكتشف المثقف طريقًا جديدًا يمكنه أن يقتات منه، وأن يحقق شهرته ونجاحه وحضوره من خلاله، طريقا لا يحتاج فيه إلى مظلة الدولة ولا حظيرتها، ولا يحتاج لأن يلعب أدوارا باطنية وأخرى ظاهرية، حينها سيكون لدينا المثقف القوي الذي يقول كلمة الحق، وليس الذي يعارض إلى أن يمنح فيرضى، وهذا ما ليس موجودًا في “حمامة بيضاء”
– ننتقل إلى “الموريسكي الأخير”..والضياع الذي عاشه أبطالها، وخاصة “مراد”..هل يعيشه الشباب المصري والعربي الآن؟
في النص جملة تحمل معنى أننا كلنا بشكل أو أخر موريسكيون، ويمكن رؤية الحالة الموريسكية على أنها فكرة تتواجد إذا تحققت شروط تواجدها، فحين يشعر المرء بالاغتراب وعدم الانتماء إلى الوطن فهو بشكل ما موريسكي، وحين يشعر أنه مضطهد أو غير مرغوب فيه، فإنه يصير موريسكياً، وحين يرى أنه مسلوب التاريخ والثقافة فإنه بشكل ما موريسكي، وهكذا تتحول فكرة الموريسكي من مأساة تاريخية إلى حالة اجتماعية وثقافية قابلة للتحقق، وبطبيعة الحال فإن الشباب المصري والعربي يعيش هذه الحالة، وهو ما يعني الذهاب إلى الثورة كتعبير عن الغضب أو الرفض أو عدم المبالاة.
– قُلت سابقًا أنه “لا يمكن عزل الكاتب وواقعه وتاريخه الشخصي عن العمل الذي يكتبه”.. إلى أي مدى كنت حاضرًا في رواية “الموريسكي الأخير”؟
بالطبع لا يمكن عزل الكاتب وواقعه وتاريحه الشخصي عن العمل الذي يكتبه، فكل كلمة كتبها المؤلف تخصه، وكل فكرة استلهمها من حادث وقع له، وفيما يخص الموريسكي على سبيل المثال (وهذا يعتبر من أسرار الكتابة لدى، لكني سأغامر وأكشف لك بعضاً منها هنا)، أنا أسمى صبحي أمين عبد السيد موسى، وهو اسم لا يدل على أنني مسلم أو مسيحي، هو اسم يجمع ما بين الثقافتين، بل إنه في مجتمع ذي أغلبية مسلمة يوحي أنني قبطي، وكثير ما تعامل معي الأصدقاء على هذا النحو، هذا ألهمني أن أجعل كل أسماء أجداد شخصية “مراد” تتماشى مع الثقافتين، فجميعها لا تجزم بشيء.
مثال آخر وهو أنني لا أعرف من أجدادي غير موسى، وهو الجد الثاني، وهذا جعلني طيلة الوقت أفكر أننا كعائلة صغيرة العدد لسنا من العائلات الأساسية في القرية، ومن ثم فلابد أننا مهاجرون، هذه حالة موريسكية بامتياز، لعبت عليها في الرواية، ومن ثمة العديد من الأمور الشخصية لأي كاتب لابد أن تكون حاضرة بقوة.
ـ وصفت ثورة “البشرات” التي قام بها بقايا المسلمين في الأندلس في الموريسكي الأخير بـ”إن رومانسية الثوار وغدر السلطة قتلتا أحلام الناس وأشواقهم في العدل والحرية”..إلى أي مدى ينطبق القول على ثورة يناير..؟
لم أقل ذلك صراحة بالنص، لكن مجمل الأحداث لم تخرج عن هذا الإطار، ولكن يمكن القول أن النص لعب ليس على إحياء فترة الموريسكيين وثورتهم ودولتهم وما جرى معهم بقدر ما سعى إلى عمل نوع من التورية، كأن نوحي أننا نقصد الحكي عن الموريسكيين طيلة الوقت في حين أن ما يشغلنا هو ثورة يناير وما جرى بها، ومن ثم كنت أسعى لتلمس المشاعر الانسانية من خلال المأساة الكبرى، لأنها أوضح وأكبر وأعمق وأمرها محسوم، كنت أسعى إلى البحث في العقل الباطن للجماعة الانسانية بشكل عام في مأزق مشابه لمأزق ثورة يناير، وأسعى لاستقراء ما حدث وما قد يحدث.
وهل تعتقد أن الأمور في مصر الآن تسير على نحو صحيح ؟
وفقاً لما طرحه ابن خلدون في مقدمته التي اعتبرها مقدمة في فلسفة التاريخ وليس علم العمران فقط ( بالمناسبة شهادتي الجامعية كانت في علم الاجتماع)، نرى في حديثه عن إعمار الدول أنه جعل عمر الدولة من ثلاثة أجيال، الجيل الأول هو جيل المؤسس، وهذا بطبيعته رجل عسكري قوي يسعى للبناء وغير منشغل بالرفاهية، وفي الجيل الثاني تكون حدود الدولة قد استقرت والرخاء بدأ يظهر على الناس، فيزداد الاهتمام بالفنون والعلوم والآداب، ويزداد حرص الحاكم على الاجتماع بأهل الفن والعلم وحضور الحفلات وتكريم النابهين، لكن في الجيل الثالث يكون الانحلال قد بدأ يضرب في معالم الدولة، وأخذت الشيخوخة تدب في أوصالها، فأخذت الأطراف تتناقص، والأعداء يطلون برؤسهم، والحاكم يكون أميل إلى الدعة، فتضيع هيبة الدولة، وتتفتت وتسقط.
وإذا راجعنا ما يحدث في الواقع، سنعرف أننا في مرحلة تأسيس، وأن رفاهية عصر مبارك وانحلاله انتهت، وأن أكثر من سيتألمون هم أهل الفنون والآداب لانصراف الدولة عنهم، لكن أهل العلوم سوف تتم استعادتهم لاحتياج الدولة إليهم، حين تستقر الأحوال ويبدأ الرخاء في الظهور.
ـ متى تفقد الرواية التاريخية قدرتها على إقناع القارئ ؟
حين تتحول إلى مجرد حكاية للتسلية، أو كومة أسئلة بلا إجابات، لأن القارئ لا يحتاج إلى من يتعامل معه على أنه طفل رضيع، أيضاً مجرد أن يصبح الكاتب ندابة لا تقدم سوى الأسئلة والعويل فإن القارئ لن يلتفت إليها، ومهمة الكاتب المعنى بالتاريخ أن يصطاد اللحظات الفارقة في التحول الانساني، كما أن عليه أن ينتقل من الحاضر إلى الماضي لا ليعيش فيه ولكن ليأتي منه بالحكمة الشافية للوضع الراهن.
–غلاف “الموريسكي الأخير”وهو لوحة للفنان “إدوارد تشارلمونت”، وهل كانت اختيارك..أم اختيار دار النشر؟
هذه اللوحة من اختيار مصمم الغلاف عمرو الكفراوي، وهي لفنان تشكيلي من القرن التاسع عشر، ولم يكن يقصد بها الموريسكيين، لكنه كان يقصد بها حالة الاستشراق والعبودية، غير أن أحد النقاد كتب عنها فيما بعد بوصفها لوحة عن الموريسكيين، وحين عرضت الناشرة نورا رشاد الغلاف علىّ، نظرت للأمر من بعد ثالث، وهو أن اللوحة معبرة عن الحالة التي ترصدها الرواية، فضلا عما قد تثيره من جدل وهو أمر مفيد للنص، لذا وافقت على الفور، ويبدو أن رهان الكفراوي ونورا رشاد كان صائبًا في هذا الاتجاه، فقد حقق الغلاف حضورًا قويًا حتى الآن.
– رغم أن الانتقال بين الماضي والحاضر في “الموريسكي الأخير” كان سلسًا..إلا أن الرواية تعرضت لانتقاد بعض القراء الشباب على موقع “جود ريدز” بأنها ممتلئة بالأسماء والشخصيات غير الفاعلة، مما أفقدهم عنصر التركيز…فما تعليقك على رأيهم؟
الكثير من القراء يقرؤون وفقًا لذائقة خاصة بهم، ولا يمكن الاعتراض عليها، لأنني أيضًا أقرأ وأكتب وفقًا لذائقة خاصة بي، لكن فيما يخص كثرة الاسماء التي لم ترق لهم فإنني أود التوضيح بأن ما قصدته هو أن في حياة المرء آلاف الشخوص، كل شخص له اسمه، وكل اسم مرشح لأن يكون بطلاً في نص، وما حدث هو أنني ذكرت الأسماء ثم تعاملت معها على أنني لم أذكرها، وهذا أغضب القارئ، فمن يجب أن أذكره يجب أن أعود إليه أو أعطيه دوراً، وإلا فهذا من وجهة نظرهم إشغال وتشتيت، والأمر على غير هذا النحو، فالحياة مليئة بالأسماء والشخوص فعلا، لكن ليسوا جميعاً شخوص فاعلين في نصي أو نصك أو نص أي شخص.
الأمر الآخر هو كثرة أسماء الأماكن، حين أتحدث عن ثورة فإنني لابد أن أرصد الإيقاع المتسارع للأحداث، وجزء من لعبة الإيقاع تكمن في تعداد الأسماء والأماكن، حينها ينتقل إلى القارئ سرعة ورهبة وتوتر ما يحدث وما يجري، لكن القارئ الذي اعتاد على أن أسير معه بالحركة البطيئة على كل شيء سيجد صعوبة ما، إلى أن ينتبه إلى أن ذلك التكنيك في الكتابة، فيدرك أن هناك ما هو موجه للأكاديمي المتخصص في التاريخ، ولذلك حاولت أن أجعل في النص أكثر من مستوى للقراءة، ويبدو أن حب القارئ للنص جعله يسعى لأن يهتم بكل شيء، مما خلق صعوبة عليه في بعض المناطق، ولم ينتبه إلي أن بعض الأمور جاءت للترميز وبعضها الآخر جاء للمتخصصين، وأخرى جاءت للتماثل مع فعل الحياة ذاتها.
– حصلت على جائزة معرض الكتاب عن روايتك “أساطير رجل الثلاثاء”..فماذا تضيف الجائزة للمبدع..ومتى تصبح الجائزة نقمة على صاحبها ؟
الجائزة تضيف الدعم النفسي الذي يحتاجه كل مبدع، فالمبدع مشكلته أنه مزاجي، هو شخص سريع الغضب والاكتئاب والإحباط، لذا فالجوائز بمثابة المنشطات، فقبل أن يصيبه الكسل أو يتسرب إليه اليأس فيجب أن يصفق له الجمهور، ويحب أن يجد صدى عمله في أذنه، يحب أن يشعر أن ناجح وأن رهانه صحيح، لكن مضار الجوائز أكثر من نفعها، فالجائزة كلما كانت كبيرة ومهمة وشهيرة، وكلما كان التصفيق قويًا وطويلاً ودائمًا، سجن ذلك الكاتب في إطار اللعبة الجيدة التي قدمها في نصه، وجعله عبدًا لها، لأنه صار عبداً للتصفيق المدوي، هو يريد أن يعيد انتاج اللعبة التي صفق له الجميع عليها من أجل أن يعود التصفيق إلى أذنيه من جديد، هذا يجعله إما أن ينتهي ويعيد إنتاج نفسه، وإما أن يتوقف عن الكتابة إلى أن يذهب التصفيق من أذنيه.
– قال الدكتور محمد أبو الغار..أن جائزة ساويرس هي الوحيدة التي لا يتدخل فيها الأمن..وبما أنك كنت أحد محكميها عام 2014..فهل هذا صحيح؟.. وهل يتدخل الأمن في الجوائز الأخرى؟
لا أعرف إن كان الدكتور محمد أبو الغار مسئولاً عن الأمن الذين في الجوائز أم لا، لكن على كل د.أبو الغار إنسان محترم وأنا شخصيًا أجله وأقدره رغم أنه لا علاقة تجمع بيننا على الإطلاق، لكن ما قاله كان مدهشًا، وأعتقد أنه سعى إلى إضفاء نوع من البلاغة التي يمكنها أن توصف وضعًا سيئًا في أغلب الجوائز، لكني غير مؤمن بأسطورة الأمن والعمالة التي تجتاح عقول غالبية المثقفين، خاصة الأجيال الأكبر من جيل التسعينات.
أما فيما يخصني فأتصور أن الجوائز كلها بها إشكاليات، بدءًا من جوائز الدولة وصولاً إلى الجوائز العالمية كالبوكر وغيرها، هناك نوع من الاستسهال والشللية، هناك ترضيات سواء على المستوى الدولي وما يسمى بالتوزيع الجغرافي للجائزة كما يحدث في البوكر، أو على مستوى الأفراد الذين يقومون بالتحكيم.
كما أن هناك نوع من الأخطاء في لجان التحكيم، الأخطاء تتمثل في اختيار اللجنة وتركيبة عناصرها، بمعنى أن اختيار الديزل هو الذي سيحدد سرعة القطار، وللأسف جل الفساد يكمن في اختيار الديزل، ومن ثم كلما كانت اللجان ضعيفة كلما حدث الجدل، وكلما راهن أمناء الجوائز على الصحفيين في لجانهم ازداد الفشل، لأنهم يفكرون بطريقة عصر فاروق حسني، وهو منطق تخطاه الزمن، فلم يعد شراء الصحفيين المسئولين عن الصفحات الثقافية ضامنًا لتأميم ومصادرة الاختلاف، لأن الصحف نفسها لم يعد يقرأها أحد، وهناك بوابة أكبر وأعظم مخصصة للنقد ليل نهار اسمها “الفيسبوك”، والحل يكمن في الجدية واحترام الناس واختيار محكمين كفاءة، وليسوا مجرد صحفيين أو مرضي عنهم، ولا أعرف إن كان أبو الغار قصد ذلك من تعبيره الأمني أم أنه كان يقصد أمراً أخر.
– تحب الكتابة التاريخية والسياسية..وكتبت “الموريسكي الأخير”..و”أساطير رجل الثلاثاء”..و”صمت الكهنة”..فهل ستنتمي روايتك المقبلة لهذا النوع أيضًا؟..وهل ستعود للكتابة الشعرية قريبًا؟
أريد أن أتعامل مع العالم بالمنطق الذي يريده العالم، وإن كان بانحرافات بسيطة تضمن لي أن أفعل ما أرغب فيه أيضًا، ومن ثم الشعر تراجع بعض الشيء، الشعر ارتضى لنفسه أن يقوم بدور البطل الثاني، لكنه لن يكون كومبارس صامت، أما عملي القادم فلا أعرف إن كان سيجذب الجمهور لقراءته أم أنه سيكون بمثابة صفعة لهؤلاء الذي راهنوا على كتابتي، أعتقد أن المغامرة في هذا العمل غير مضمونة، لكنني أتمنى أن أستطيع جذب أنظار الجميع من جديد مرة أخرى، في عملي الذي اقترح له حتى الآن عنوان “قلب النظام”.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
صحفية مصرية