– عفي الله عن اصحاب القافلة وأبقي وأكثر من أمثالهم …
لم يرضى ذلك الزوجة التى كانت صابرة قبل ان تصبح مؤخراً ناقمة ، أعيتها الحيلة لتدبر أمور الحياة ، قالت “طبعا ! ما بقي امثالهم الا ليساعدوكم علي التسو ل … يارجل اتذكر اخر مرة زارنا فيها اللحم قبل هذه ؟!
زوجة الصياد الحزينة هذه قبلته زوجاً مجبرة وآملة ، لكنها سقطت فى ملوحة الفقر عندما جاءت من الريف هاربة من مرارة الصبر .
كان الرجل يتعلل دائماً أمامها مثل بقية أهل القرية :
– ما حيلتي؟ لم تمر قوافل منذ شهور!
– تعني أنك لم تجد من يتصدق عليك منذ شهور ؟ …و الله لو كان الأمر بيدي لتركت هذه البلد و بحثت عن بلد آخر .. مالذي يبقيكم هاهنا! … لا بحر يجود .. ولا أرض و لا سماء ..مالذى يبقيكم !!
– الكنز ، قريبا جدا سنصبح أثرياء ، كل النبوءات تؤكد أن الآوان قد اقترب
– أف
– تقولين هذا لأنك لست من أهل هذه البلدة
– كان يوما أسود
– ماذا تقصدين؟
– اليوم الوحيد الذي خرجت فيه من قرية الصيادين لتزورنا
– (متظاهرا بالندم ) نعم , كان يجب أن اتزوج ابنة صياد ، لكن … النصيب غلاب !
أومأت مستنكرة .
– نعم إنه النصيب الغلاب.
وضعت في فمه قطعة كبيرة من اللحم , عله يصمت …. ناموا بعد أن استقر اللحم والمرق في بطونهم التي لم تعتد إلا الخواء والجوع ، اتفقت معه وهى تحل جدائل شعرها المرهق علي أن يذهب بكرة إلي البحر مع أول شعاع ليصطاد ويبع ويكسب قوته كالرجال و هددته بأنها ستذهب للصيد إن هو لم يفعل ، لم يستيقظوا حتي انتصف النهار، أيقظتهم أشعة الشمس المتسربة من شقوق اسقف وجدران المسكن.
اعدت له الشاي ، ثم وضعت شبكته علي عاتقه
– اذهب…… فتح الله عليك
في منتصف الطريق بين المساكن والخليج التقي براضى و آخرين عائدين من الصيد ، تبادلو التحيه.
قال راضى
– انتصف النهار يا صابر! هل تنوي الصيد في منتصف النهار؟!!
( بهدؤ واثق) نعم
– وفقك الله ورزقك من حيث لا تحتسب!
مضي في طريقه حتي بلغ مجمع الخلجان ، احتفظ بسرواله و تحلل من بقية أسماله المهلهلة ، القاها بجوار حطام قارب صغير . بسط شباكه وراح يذرع الشاطيء حالما ، ولي أدباره للبحر ونظر إلي شرق الجنوب حيث طريق القوافل ، ترك شباكه مبسوطة و راح يخطو متسللا نحو الطريق ، اعتدل في مشيته عندما علم أنه لا يتسلل إلا من نفسه التي تلومه ، راح ولم يقابل أي قافلة ، تمني لو كان قد عاد بمثل ما عاد في اليوم السابق فيريح نفسه وينقلب إلى أهله مسروراً ، لكنه عاد إلي البحر يسابق قرص الشمس ، لملم أطراف شباكه ، جذبها لكنها لم تنجذب ، تاكد له أنه لن يفلح بمفرده . ربط أطرافها في قائم المرسي القديم وهرع إلى البلدة يطلب العون . هب راضى لنجدته ، ذهبوا وبيدهم مشاعل شقوا بها الظلام في اتجاه الخليج . انطفأت المشاعل واختفى راضى ، عاد صابر إلى أهله بلا شبكة ولا صيد ، يحمل علي وجهه ذهول و تسأولات اثارت تسأؤلات
– أين جلبابك وشبكتك يا صابر؟
توعدها بعينيه ، لو سألت مرة أخري …….
قبع وحيدا ً في ركن من المسكن ، استند إلى الحائط ينظر إلى الباب ، قضى الليل يغفو ثم يصحو حتى استقبل شروق الشمس بلهفة الهارب من الأسر ، وجد أهل البلد مجتمعين عند الخليج ، صدم أذنيه نشيج مختلط بهدر البحر و عبارات العجب ونظرات الاتهام ..و أسئلة كثيرة لا إجابة لها
– اين راضى ؟
– هل خطفه البحر؟
– ولماذا لم يخطف صابر أيضا؟
لم تكن لديه إجابة ولا تتمة لقصة ، كل ما كان يذكره أن البحر اختطفه بين الغروب والعشي ، لا يستطيع تذكر كل ما حدث ، كان يشعر برعدة كلما حاول أن يتذكر ” انها يد سوداء امتدت من جوف الظلام وابتلعت راضى المسكين”
– ماذا اقول للناس؟ و إن قلت ..هل سيصدقونني؟ سيتاكد لهم جنوني
عاد الي مسكنه ، القي جسده المنهك للنوم ، التهمه حلم جمعه براضى الذى قال له مقهقهاً
– هل تظن أن البحر خطفنى حقا ؟ ثم قال:
– اخشي أنك و أهل القرية واهمين ، تظنون أنى غريق في أعماق البحار؟! … لقد ذهبت ياسيدى مندوب عن أهل البلد… أتفاوض من أجلكم ..من أجل الكنز.
صحا صابر من نومه مضطربا ، دنت اليه يد في الظلام ، ازداد اضطرابا ، ارتعد ثم اكتشف أنها يد زوحته الممدودة بالماء ، جلس راجفا ممسكا ذراعها ، قذف الكوب المرتعش بعض ماءه
قالت له زوجته فى الظلام :
– مازلت لاتريد أن تجيبني ؟ اين جلبابك وشبكتك؟ ماذا حدث لك ولصاحبك ؟ أين ذهب ؟
قال بضمير مستريح مستعيداً نبرة صوته الواثقة بعد ان تنهد زافرا توتره و إضطرابه:
– راضى ذهب مندوباً عنا جميعاً …عن كل أهل البلد…يتفاوض من أجل الكنز