شجرة العائلة.. قصة بقلم سكينة فؤاد

سكينة فؤاد
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

قصة بقلم: سكينة فؤاد

وسط مشاغلها الكثيرة التى تحرص على ترتيبها حتى لا يفوتها أداء واحد منها بالإتقان الواجب، فكلهم أهم من بعضهم وإن كانت فى أعماق نفسها تعرف أن شجرة العائلة أقربها إلى نفسها، وتدفع إلى عقلها وروحها ببهجة لا حدود لها وما تقوم به من واجبات لأبيها وأمها بعد أن تجاوزا سن المعاش بسنوات، وبعد كد وكدح كزميلين فى أرشيف دار الكتب منذ حداثة أعمارهما انتهت بمعاشات لا تسد مطالب الدواء والعلاج وأمراض الشيخوخة والعظام والضغط والسكر وآخر ما دعت وتعوذت منه كثيراً، أن لا تصيبهما  الأورام التى انتشرت كالإنفلونزا بين عباده وخلقه، وبعد أن سافر أخوها الوحيد ليبحث عن عمل فى الخارج بعد ما لم يشفع له تفوقه ودرجاته العلمية فى الحصول على عمل حر أو فى الحكومة بعد أن فشل فى العثور على خطاب توصية، وكما قيل له “توصية من ذوى حيثية أو وجاهة أو نفوذ تفتح له كل الأبواب”.

واختلفت معه واتهمته بمحاولة تبرير رغبة قديمة ودفينة لديه للهجرة وما بين تحضير دروس التاريخ التى تستمتع بتدريسها لتلاميذها وتلميذاتها وتحول فيها التاريخ إلى حكايات وبطولات وتركز على تعليمهم تاريخ بلدهم وبطولات آبائهم وأجدادهم وتفعل المستحيل لتنقل لهم إيمانها بالعروق التى تمتد بينهم وتجعلهم من سلالتهم ولحمهم ودمهم وتقيم بينهم مسابقات فى تقمص أدوارهم وأهم مبادئهم ومواقفهم وتضحياتهم وتفرد مساحة مهمة من وقتها لاستكمال دراستها للدكتوراه التى تحاول فيها قراءات وتحليل جديد لما خفى من اسرار صناعة هذه البطولات ودائما.

دائما تستمد الطاقة والإصرار الذى تكاد تصل فيه الليل بالنهار وتحصل بالكاد على ساعتين أو ثلاثه للنوم بالتطلع الى الشجره الضخمه التى رسمتها على اكبر حائط فى حجرتها التى بدت لها من صغر حجمها ككستبان الخياطه الذى يوضع فى الأصبع والتى ضحكت وهى بالكاد تتحرك داخلها وتهدئ من غضب أمها على ضياع مكافأة خدمتها وخدمة أبيهم عشرات السنيين فى الحكومة فى شراء شقة أقرب الى جحر محشور وسط عشرات البيوت التى بنيت من الطوب الأحمر فوق أراض زراعية كجزء من مؤامرة جعلت المصريين يستبدلون زراعة اللقمة بزراعة الحجر..

تكونت الشقه من ثلاث حجرات لا تصلح إذا فتحت على بعضها أن تكون غرفة واحدة تصلح مسكنا يعيش ويتنفس فيه بشر.

هونت على أمها وقالت لها إنها ستكون مثل شقة البنت الصغيرة الطيبة فى الحدوتة الشعبية التى سكنت أصغر بيت فى الدنيا وآمنت أنها بالعمل والمحبى والرضا ستجعله يكبر حتى يتحول إلى قصر كبير، بكت أمها وقالت لها ‘نها لم تكن تريد قصرا ولكن بيتاً تعيش فيه عيشة آدمية فيما تبقى وبعد شقاء وكفاح عمرها كله وتحت رسم الشجرة وضعت الأريكة الصغيرة التى اشترتها بملاليم من مزاد لبيع روبابيكيا الأثاث الذى مازال صالحا للاستخدام وهى تستخدم للجلوس والنوم وسعدت أنها ضربت عصفورين بحجر واحد وثبت أنها لا يوجد أصلح منها للوضع فى الحجرة الكثتبان التى أهم ما فيها الشجرة التى زرعتها بأقلامها الملونة الغالية والنادرة التى احتفظت بها من سنوات عشقها للرسم والدروس الحره التى كانت تتلقاها فيه.

وعلى أكبر ما تبقى لها من لوحات للرسم غطت الحائط العريض الوحيد فى الكثتبان ورسمت أكبر شجرة تستطيع أن تستوعبها اللوحة والحائط وجعلت فروع الشجرة تطرح أجدادها، صورهم أو الرسوم التى تخيلتهم وأشهر مواقفهم وعباراتهم وانتصاراتهم، أحمس وطرده للهكسوس ومطاردته لهم فى كل البلاد التى فروا إليها ومعتمدا على بطولة وشجاعة المقاتل المصرى ارتفعت أعلام مصر من منحنى نهر الفرات بالعراق فى الشرق إلى الشلال الرابع على نهر النيل بالسودان وتحتمس الثالث الذى قاد أكثر من ست عشرة حملة عسكرية لحماية حدود مصر وذهب بجيشه الذى لم يعرف الهزيمه طوال حكمه وهو يفتح به أنحاء الأرض المعروفه خلالها وإلى جانب جيشه الذى كان أكبر جيوش العالم فى عصره أنشأ أسطولا حربيا أحضر أخشابه من لبنان وسادت به مصر بحار العالم القديم.هوامش مهمة كانت حريصه على أن تسجلها  فى أركان اللوحه من اسم جيش الفرعون وتحول الاسم اعتبارا من الاسرة 18 ليصبح جيشا ينسب للشعب كله ويطلق عليه “جيشنا الذى يخوض حروبا تهم كل مصرى”.

زرعت الشجره على شاطئ النيل وجعلتها باسقة وشامخة ولها أقوى جذع قادر على حمل أضخم وأكثر فروع تطرح أوراقا عريضة وكل ورقة اسم أو صورة أو أقوال جد من أجدادها من أحمس الأول طارد الهكسوس من مصر وتحتمس الثالث وتكوين أسطول جعل بلاده سيدة بحار العالم القديم واتساع حدودها الدفاعيه خارجها وسجلت العبارة الشهيرة التى خلدها به المصريون بعد وفاته “بطل مصر النيل وحاميها وقائد جيشها العظيم وسجلت المبدأ العسكرى الذى قال إنه خلاصة حروب التحرير “إذا أردت السلام فتأهب للحرب”.

ونفذ تحتمس الثالث المبدأ فى معركة مجدو ـ كانت ومازالت من أعظم المعارك العسكريه فى التاريخ وقدمت للتاريخ قائدا من أعظم القاده العسكريين وتحكى ورقة رمسيس الثانى بطل معركة قادش مبدأ “العدل أساس الملك” الذى أقام عليه حكمه وتكوين الامبراطورية الثانية وصاحب أعظم  آثار مازالت تدهش الدنيا، وتحت واحدة من رسوم تخيلتها لجيش مصر يصنع انتصاره العظيم فى معركة قادش سجلت عبارة وصف بها ما حققه لمصر من انتصارات واستقرار وأمن وسلام  “أشجع الشجعان صد جميع البلاد بالرهبة منه ومن جنود المصريين وعلى أوراق الشجره رسوم ومختصرات لتاريخ أبناء المنصورة على القوات الصليبية وجيوش لويس التاسع وعلى هولاكو والتتار فى موقعة عين جالوت وقضاء المصريين على أسطورة أن التتار قوم لايغلبون وعلى القوات التركية وهزيمة أسطولهم بالميناء الغربى فى الإسكندرية وإجبار الجيوش  المصرية 21 ألفا من البحارة العثمانيين و16 ألفا من المشاة على الاستسلام وأسرهم قائد الجيش التركى ووصول القوات المصرية المنتصره الى عاصمة الاتراك ووقوفهم على بعد 50 كيلو مترا من الاستانه بعد قضاء المصريين على جيوش السلطان العثمانى.. وكان  تقدم وقوة المقاتلين المصريين سبب الرعب والخوف للدول الاوربية من حرمانهم من أطماعهم فى وراثة مستعمرات الدول العثمانية بعد طردها من أوروبا.

وعلى ورقة عريضة على الشجرة لخصت معارك وانتصارات الأورطة المصرية ـ السودانيه فى حرب المكسيك، وكتبت رأى قائد القوات الفرنسيه: “إنهم لا مثيل لهم فى البأس والبساله والشجاعه فى 48 معركة حربية كبرى خاضوها وانتصروا فيها”.

يتسابق تلاميذها وتلميذاتها فى مسابقات التفوق التاريخى التى تجريها بينهم حول قراءاتهم التحليليه للعوامل وراء كل انتصار حققه المصريون على أعدائهم واذا كان الانتصار هو حصيلة ما دخلوه من معارك ما هى أسباب ما كان عند اجدادهم من شجاعه وإقدام… وبلباقه وبالمستوى المدهش الذى وصل اليه التلاميذ فى عشقهم لتاريخ بلدهم استطاعت ان تتجاوز قلق مديرة المدرسه ونقدها لأسلوب تدريسها وتصور المديره أنه أكبر من قدرة طلبه مرحلة ثانويه وايمانها هى ان مواهبهم وابداعاتهم أكبرمن تقدير من يضعون المناهج وأن هذه القدرات  تظهر اكثر كلما تم الكشف عنها مبكرا.

 

اسلوب تدريسها وتطبيقاته العلميه جزء من رسالتها التى تعدها لنيل درجة الدكتوراه وشجرة عائلتها تساعدها على إحياء كامل ودائم لتاريخهم والرسم متعه وهوايه تطلق فيها عشقها للابداع ورسمها لأكبر وأعظم شجرة عائله فى التاريخ تعدها وتواصل  استكمال فروعها وأوراقها لتكون من أهم الوثائق التى تضمها أوراق رسالتها العلميه

وعلى فرع ضخم جعلت الشجره تطرح رسما لعرابى وعلى الأوراق الصفراء المتكسره تحتها وضعت عبارة اللورد كرومر وهو يطالب الانجليز بالتحرك بسرعه لاحتلال مصر ويقول  ” أصبحت دماؤهم تغلى بالثوره بعد ان تخلصوا من عادة الطاعه التى فرضها عليهم الاتراك  ” وعبارات عرابى الشهيره التى وجهها للخديوى  ” جئنا باسم الشعب وباسم الشعب نطلب تحقيق 3 مطالب إسقاط وزارة رياض ودعوة البرلمان وزيادة الجيش الى 18 ألف جندى وتحايل المستشاريين الانجليز على مطالب عرابى ومحاولة الاستيلاء على سيناء وضمها الى فلسطين لتجرى قناة السويس على اراض تخضع من الجانبين لبريطانيا وسهولة وصولهم الى مستعمراتهم فى الشرق واستكمال خطة القضاء على عرابى والثوره العرابيه بعد معارك مقاوه للقوات المصريه على الجيوش والمعدات البريه والبحريه الانجليزيه شملت مؤمرات وخداع شهيره لعبور قواتهم للقناه نجحت بمساعدة ديليسبس وتدخل الخديو توفيق لدعم تدخل الانجليز وهزيمة عرابى والقوات المصريه التى دافعت عن بلادها ببساله منذ انفجرت شراره الثوره العرابيه فى يوليو 1882 الى معركة التل الكبير فى سبتمبر1882 ودونت على ورقه ضخمه من أوراق الشجره اعادة لمطالب عرابى ” نريد برلمانا مستقلا ينتخب على أساس الحريه ووزاره مسئوله وخديوى يملك ولا يحكم واداره اقتصاديه مصريه دون مراقبه سياسيه ودون موظفين أجانب على رأس الوزاره ينالون مرتبات ضخمة.

حرصت على ترسيخ مفهوم مهم فى تلاميذها أنهم لا يحفظون ويحبون تاريخهم وبطولات أجدادهم ليكتفوا بها ولكن ليتسابقوا لصناعة حاضر ومستقبل اكثر عظمه طوال مسيرتهم ويحترمون أنفسهم وبلادهم ولا يسمحون لأحد أن يشككهم فى قيمتها.

أوراق شديدة الخضره جعلت الشجرة تطرحها عن أكاذيب الصهاينه وادعاءاتهم التى تكذبها الحقائق التاريخيه عن أنهم أصحاب أرض فلسطين وجولات الحروب العربيه الاسرايليه إبتداء من قرار الجمعيه العامه للأمم المتحده نوفمبر 1947 الذى نص على تقسيم فلسطين إلى دوله عربيه واخرى يهوديه وتدويل القدس ودور الانتداب البريطانى فى جريمة التقسيم وتمكين الصهاينه من فلسطين ومراحل الصراع ليواصل الكيان الصهيونى أدوار الاستعمار القديم فى اختراق وتمزيق الدول العربيه

لم تنس على ورقه من اوراق الشجره أن  تلفت أنظار طلبتها أن مصر وقواتها هى القلب الحامى لأمتها وان حماية حدودها  الشماليه الشرقيه حيث زرع الكيان الاستعمارى الاستيطانى جزء أصيل من أمن مصر القومى وعلى ورقه أخرى سجلت أسماء أبطال انتصارات 1957 فى بورسعيد  وقصة تضحية البطل محمد مهران بنور عينيه وبقية اسماء أبطال المقاومه الشعبيه والفدائيين ومعارك 1967وقصة وعظمة استشهاد الجنرال الذهبى الفريق عبدالمنعم رياض 9 مارس 1969 الذى تحول الى يوم للشهيد  وحروب ودك خط بارليف والحصون الاسرائيليه ورفع علم مصر على الضفه الشرقيه للقناه واسر قوات وقادة العدو سجلت أسماء ابطال الصاعقه والطيران والمشاه والمدفعيه والفدائيين والمتطوعيين

سجلت على ورقه يانعه على الشجره ما تسابق طلبتها وطالبتها لحفظه وعشقوه من بطولات أجدادهم فى حرب وانتصارات السادس من اكتوبر 1973 ابتداء باسم أول جندى رفع علم بلادهم على الضفه الشرقيه لقناتهم ولم ينسوا أبدا تذكر 120.000 عامل وفلاح استشهدوا فى حفر قناة السويس فى عمليه من اكبر عمليات السخره فى التاريخ الانسانى حمل مسئوليتها وادارها ديليسبس وخداعه للخديوى سعيد وقادة الثورات الشعبيه منذ ثورة القاهره الكبرى وثورة عرابى ومصطفى كامل ومحمد فريد وسعد زغلول وأبطال ثورة 19 والبطله نعيمه محمد أول شهيده فى مظاهرات النساء تأييدا للثورة ومطالبة الانجليز بالخروج من مصر وصاحب الفكره العبقريه لإسقاط خط بارليف الذى أطلق الصهاينه عليه خط المستحيل لأن دكه بالطيران سيزيده قوة وصلابه فاستخدم اللواء باقى التجربه العبقريه التى تمت فى بناء السد العالى من قوة خراطيم المياه فى تفتيت وإسقاط جبال الرمال على الضفه الشرقيه للقناه.

المسابقات التاريخيه التى كانت تجريها بين طلبتها وطالبتها تجعل كل واحد  وواحده منهم يتمثل البطل الذى يحبه ويحكى أسباب حبه ويروى تفاصيل بطولته حتى أصبحوا ينادون بعضهم بأسماء من اختاروهم من أبطال بل أصبحت هى تناديهم بنفس الأسماء وعلى مسارح المدارس تباروا فى تحويل اشهر أحداث تاريخ بلادهم الى مسرحيات وكان من أروعها وأقساها تمثيلهم لأحداث دنشواى وما فعله الأنجليز بالفلاحين المصريين.

 

انتشرت أشجار العائله بين أيدى طلابها وطالباتها وتباروا فى رسم الشجره الأكبر وصاحبة الفروع الاكثر والأقدر على أن تحمل جذوعها اكبر أعداد من أجدادهم وأن يحيطوا الارض حولها وعلى ضفاف  النيل الذى يرسمون الشجره دائما عليها بما أحبوه من انتصارات.. أسعدها ما أحسته من فهم وتقدير الأمهات والآباء بما فعلته مع أبنائهم ووصلها ما يحكوه عن تأثير ايجابى على الأولاد والبنات حتى فى أدائهم اليومى لمختلف أمور حياتهم وأن كل ابن وابنه يريد أن يتمثل قيم البطوله فى كل أمور حياته حتى أبسطها وقدرت كيف أن هذا التقدير تصدى لما كانت تتعرض له من غيره وكراهيه تسببت فى نقلها بين مدارس كثيره ووصلت أحيانا لمحاولات خفيه لتوجيه إتهامات ظالمه لها جعلتها تعجل بضرور الإسراع فى الانتهاء من رسالتها لتنال الدرجه العلميه والمنصب الذى يحصنها ويحول منهجها فى بناء وتربية الأجيال بالوعى بتاريخهم واتاحه مشاركاتهم فى التعلم الى منهج معلن ومعترف به بين مناهج التعليم وسعدت باقتراب إكتمال ما أرادت أن تحمله شجر العائله من بطولات وأبطال وبطلات شعبيين وقيادات ومناضلات ومناضليين وأشارت الى أن ما حملته الشجره يظل البعض والقليل مما يمتلىء به تاريخ إنتصارات المصريين ولم تنس أن تنبه لانتصارات لابد قادمه فالأطماع فيما لدى بلادها من كنوز وثروات بشريه وطبيعيه وفى الجغرافيا والتاريخ فأكبر وأعظم ولود يتجاوز عمرها آلاف السنوات عن لن تتوقف عن إنجاب الأبطال والبطولات وخاصة الشعبيه.

حصلت على أعلى درجات التقدير فى رسالتها العلميه عن تجديد خطاب تربية وتعليم وبناء واعداد الأجيال الجديده وأعدت ملفا امتلأ وضاق بالوثائق المطلوبه لتنال مرتبه ودرجه ومكانه المعلم الأول واضافت من الوثائق الأكثر والأهم مما كان المطلوب إعداده داخل ملف الأوراق التى يجب أن تقدمها الاعداد الضخمه من المتقدمين للمسابقه الكبرى.

ضحكت وسخرت مما سمعت وقيل لها من اكثر من مصدر مطلع… أن الملف لابد أن يضم توصية من شخصيات ذات حيثيه… ورغم غضبها وإنكارها وإيمانها بأن الزمن تغير وأهم من هذا كله خطورة وأهمية موضوع رسالتها وتفردها وتفرد جانبها النظرى بالتطبيق العملى على تلاميذها والذى تجاوز التعليم والتعلم الى احياء المعانى والرموز والقيمه وزرعها فى وجدان وعقول ما لا يعد ولا يحصى ممن قامت بالتدريس لهم ومع ذلك  قالت أنها ستحترم التوصيه التى رفضتها وستظل ترفضها الى الأبد وتضع أسماء مئات الشخصيات التى تتجاوز قيمة وأهمية أى شخصيات ذات نفوذ وسلطة وثروة.. وقامت بتصوير شجرة العائله ووضعتها فى مدخل الملف.

يوم المسابقه الكبرى ودون مبالاه اضافات لملابسها الأنيقه فى بساطه وبالسمات الجاده التى كانت طالباتها يتنافسن فى تقليدها ـ آمنت دائما أنه كلما كانت الشخصيه غنيه من داخلها اعتبرت مظهرها الخارجى ليس مهما… فى قاعة الأنتظار الضخمه المجاوره للقاعه المغلقه حيث تجلس هيئة الإختيار للفائزيين جلست تنتظر تعرف ان الفرص ضيقه فالترشيح والتعيين فى مهمة خطيره لا يمكن أن تتوفر صلاحياتها إلا فى عدد قليل… لم تأت للبحث عن أى فرصة لأى عمل جاءت لمهمه ودور وشرف ورساله تريد أن تواصلهم.. فهمت أن أغلب الحاضريين جاءوا من أجل فرصه لأى عمل  بعد أن ضاقت فرص العمل وارتفعت نسب البطاله وهى تريد أن تواصل أخطر مهمه ورسالة تؤمن أنها خلقت من أجلهم وأحست انه ينبت لها أجنحه ستطير بها من السعاده عندما سمعت عن مهمة دعا إليها آباء معلمون بعد تراجع الوعى وتراجع معرفة الطلبه والطالبات ببلادهم وتمدد تيارات ارهابيه لا تعترف بمعنى وقيمة الوطن… سيكون عليها أن تعيد وتصحح زراعة الحضاره والتاريخ والنضال والمقاومة من خلال إعداد وتدريب أجيال   مختلفه من معلمين ومعلمات يملكون من الصفات والخبرات العمق والايمان  ما يعيدون بهم مكانة ودور المعلم ووجوده الخلاق فى المدرسه وفى العمليه التعليميه وعدم قضاء التقنيات الحديثه عليهم.

طال الانتظار وتنوعت الأحاديث المتبادله وأكثر ما لفتها ما يقوله بعضهم عن أعضاء لجنه الإختيار وعن معلومات ينسبها بعضهم الى مصادر موثوق بها عن المؤهلات المتواضعه وأنهم وصلوا الى ما وصلوا اليه بحكم انتمائهم للسلطه.

بدت هذه المؤهلات والصلاحيات المفقوده فى أعضاء اللجنه مصدر سعاده لمن سمعوا بها من الحاضريين وملأتها هى بالخوف من أن لا تعرف اللجنه كيف تقدر وتفهم قيمة رسالتها وأهمية درجاتها العلميه وأهمية زراعة التاريخ والحضاره والجمال فى وعى وثقافة الأجيال الجديده والقادمه.

سمعت فى ميكرفون داخلى نداء على إسمها.. ألقت مخاوفها تحت أقدامها وشاهدت ملايين من عيون الصبيان والبنات تتفتح وتنادى عليها شدت قامتها وقبضت بحب وفخر على ملف أوراقها الضخم وتقدمت…

دخلت قاعة فاخره بمقاعد مذهبه ضخمه تجلس عليها اللجنه وراء طاوله عريضه مذهبه أيضا ـ حاولت أن تتفرس وتقرأ وجوه أعضاء اللجنه رغم باقات زهور ضخمه ملأت الطاوله وبدت صناعيه ومستورده  وقدر ما تحب الزهور الطبيعيه والورد البلدى وكانت أحيان كثيره تحرص على إهداء  الإكثر حبا وعشقا وفهما لتاريخ بلاده زهره واحده لكل طالب أو طالبه منهم… داخل اللجنه بدا الجو خانقا ومع ذلك تثلج جسدها بفعل أجهزة التكييف… وزاد اختناق صدرها برائحة عطر أجنبى لا تعرف أين مر بها من قبل ولا اسمه الذى ذكرته لها زميله وقالت لها ان شراء قاروره منه  تحتاج تحويشه راتب شهور… وقالت لزميلتها أنها على استعداد ان تتحدى اشهر انواع وبيوت العطور الاجنبيه بعطر المسك المركز وزجاجة ماء الورد التى عندما تخلطهما تحصل على زجاجه بكاملها ورائحه تصلح ان ينادى عليها تحفة العطور.

تنبهت ان أعضاء اللجنه يتبادلون تقليب أوراق ملف أوراقها ويتبادلون نظرات تدل على عدم فهم كثير مما فى الأوراق ويتبادلون همسات وما تصورت أنه دعابات وابتسامات خافته..  طال انتظارها لتسمعهم وتتحاور معم ولم تفهم ما بدا لها أنهم يبحثون عنه بين أوراقها… فزعت عندما وجدتهم يتبادلون الفرجه وتقليب شجره العائله لاحظت أن تقليبهم فى أوراق الملف طال تكرر اكثر من مره حتى خشيت ان يتبعثر أو تضيع وثيقه منه وقد بذلت جهودا مضنيه لجمع كثير مما اندثر فى متاهات أوراق ووثائق رسميه لم تكن حريصه على جمعهم وحفظه أولا بأول بسبب ما آمنت به أن أجيال الطلبه والطالبات الذين عجنتهم بعشق تاريخ بلادهم خير وثائق حيه من لحم ودم شاهده على أسلوبها المطور  فى التعلم ونقله من التلقين الى علاقه تفاعليه بين الطالب والمعلم.. تذكرت أنها تنبهت لجمع هذه الوثائق بسبب  ما لاحظته  من كراهية ومحاولات شغلها عن رسالتها فى معارك وصراعات خفيه وتدبير شكاوى كيديه وتكرار تحقيقات أحست أن وراءها محاولات لإعدامها بإحالتها الى معاش مبكر.

تنبهت من سرحتها على مشهد نسف ما تبقى من صبرها واحتمالها وجعل صدرها يختنق اكثر مما كان يختنق به من رائحة العطر الفج الذى ملأ القاعه سيطرت على غضبها وسألتهم عما يبحثون عنه ربما تستطيع أن تساعدهم

تبادل أعضاء اللجنه نظرات مستهجنه ومستنكره ولزموا الصمت والأضخم الذى توسط اللجنه وبأطراف أصابع مختنقه بالشحم وبخاتم ذهبى ضخم يزيح الملف بأطرافها بما بدا لها استخفاف وازدراء وقفز الى خاطرها ما استهجنته ورفضته من نصائح بضرورة توفر تأشيره أو خطاب توصيه أو تزكيه من شخصيه على نفوذ أو سلطه أو ثروه… شدت نفسا عميقا تدخل به هواء نقيا خلت منه القاعه التى جعلتها تحس أنها تمر بتجربه الدفن قبل الموت فى قبر فاخر… شدت قامتها كما اعتادت وهى تدير سباقات التفوق التاريخى بين طلبتها وتصفق لمن يأتيها برؤيه وتفسير جديد لواقعه من وقائع التاريخ واستعانت بابتسامه عريضه اعتادت أن تهزم بها الغباء وفقراء الوعى بتاريخهم… وتقدمت فى ثبات وثقه وشموخ… وبحثت عن صوره  لرسم شجرة العائله بين الوثاق المتناثره… أخرجتها ونظرت اليها باعتزاز وفردتها أمام أعضاء اللجنه… واحدا واحدا.

تبادلت اللجنه نظرات امتلأت بكل ما عرفته الارض من غباء وبلاهه.

أحست أن وصفها بالجنون سيكون ملاذهم للخلاص منها وبتوجس وخوف قال لها كبيرهم أنهم لا يفهمون.

قالت لهم وهى تعيد المرور بصورة شجرة عائلتها أمام أعضاء اللجنه واحدا واحدا.. جئت لكم بصورة لشجرة أصحاب أعلى وانقى واشرف وأنبل أصحاب السيادة والغنى والقيمه الذين جئت من سلالتهم وأورثونى وأمثالى صفاتهم الوراثيه والتى أتطلع للمنصب العلمى الذى يحمينى من الاعدام بالاحاله الى الاستيداع لأواصل صناعه أجيال من المعلمات والمعلمين الذين يواصلون زراعة الحضاره والتنوير والوعى بقيمه تاريخهم ومقاومة ونضال أجدادهم ودماء شهدائهم

وهى تجمع وترتب وثائقها داخل الملف الضخم الذى وضعتها فيه مرتبه ومرقمه ومرفق بها شرائط مسجله لتفاعلاتها التدريسيه مع الطلبه والطالبات فى مراحل دراسيه مختلفه داخل الفصول وفى زياراتهم الميدانيه التى قامت بها معهم لمزارات سياحيه معروفه ومجهوله سجلوا فيها اسماءهم كطلبه يحاولون تعلم كيف تقوم البعثات الاثريه بالتنقيب والبحث عن كنوز أثريه جديده وصور ضوئيه لخطابات آباء وأمهات يحكون كيف أعاد عشق وفهم تاريخ أجدادهم صياغة وتكوين أبنائهم وهى تفرد باعتزاز أمامهم كل وثيقه قبل أن تعيد وضعها فى الملف تدفقت كلماتها حارة وساخنه ومتلاحقه كرصاصات مدفع رشاش.. واستدارت بمزيد من الشموخ لتغادر  ” القبر ” قبل ان تختنق وقبل أن تستجمع قوتها لتفتح الباب الفخم والضخم المذهب التفتت مرة أخرى وقالت للجنه التى مازال أعضاؤها لم تغادرهم دهشه جمدتهم كتماثيل ذكروها بقرود الحكمه القديمه.. لا أرى.. لا أسمع.. لا أتكلم وابتسمت فى أعماقها وهى تضيف قردا رابعا يقول لا أفهم…

توقفت قبل ان تستكمل خروجها واستدعت وتمثلت ما صنع به أجدادها تحدياتهم وانتصاراتهم وعادت وتقدمت ناحيه اللجنه وقالت:

ــ الوثائق الحيه من وعى وعشق الآلاف من أبنائى وبناتى وثقه وايمان آلاف الأمهات والآباء التى تحيط بى فى كل مكان أذهب اليه أهم من أى تأشيرات تنتظروها  ومن أى توقيعات تستطيعون أن تكتبوها اذا فهمتم ما فى الأوراق التى وضعتها أمامكم… وان لم أحصل عليها فعندما يغيب وعى الأجيال الجديده والقادمه بتاريخهم والانهيارات التى للأسف اذا غاب التاريخ قادمه.. قادمه وستفرض عليكم أن تستدعوا كل من يملك ان يقدم لهم ولكم  قوارب الانقاذ وأطواق النجاة.

مقالات من نفس القسم