سيمون دو بوفوار: رسائل عاشقة إلى نيلسون ألغرين

سيمون دي بوفوار
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

  ”من البلاهة تدبيج رسائل غرامية،لأن الغرام لاتعكسه صفحات الرسائل”

ترجمة : سعيد بوخليط

     الأربعاء 04  يونيو1947

زوجي المحبوب،

كنتُ سعيدة جدا،حينما صادفت وأنا أهمّ بالخروج رسالتكَ،رسالة في غاية الود.أشعرتني حروفها كما لو أني أسمع صوتكَ الممازح الغالي،وأرى ابتسامتكَ الدافئة،كأنكَ بجواري نتبادل مبتهجين أطراف الحديث.

لقد أصبحت مراسلتكَ سعادة حقيقية حينما تتوارد الأجوبة بسرعة،وتصبح بالتالي المحادثة  ممكنة.لاتبدو لي خلال هذه اللحظة بعيدا جدا،بل أحس بأنك تعشقني وتتأملني، مثلما أحس بأنكَ تلمس عشقي لك.

عزيزي،

لاتعلم مدى سعادتي جراء هذا الأمر،ولم أكن أدرك شخصيا مستوى السعادة التي بوسعكَ أن تلهمني إياها.

كان الجو مشمسا على امتداد اليوم،متوهجا،ورائعا،بفضل هذه الرسالة العذبة التي مست قلبي.تنتابني الغيرة لأنك تكتب رسائل من هذا الطراز،فليس عدلا؛مادمتُ عاجزة عن الإفصاح بخصوص جل ما أرغب في قوله على لسان لغة أجنبية،في حين بوسعكَ أنت بلورة الروحي،من خلال إظهار وصف جيد للأشياء،وسرد الوقائع بكيفية مثيرة.بينما لايمكنني مجاراتكَ على مستوى ذات براعة التعبير،لأنه كما تعلم لا أمتلك سوى رصيد لغة إنجليزية صبيانية ومهترئة،إن لم تكن بلهاء.بالتالي،سيتجه اعتقادكَ نحو كونكَ أكثر مهارة،وإثارة للاهتمام،ثم حيال ارتباكي،يحضر تصور ازدراء متعجرف.  

الليل،

عزيزي،يشير التوقيت حاليا إلى منتصف الليل،فكم الساعة في شيكاغو؟ ربما،موعد الغذاء :ماذا تفعل؟هل تتناول طبق العظام؟أنا منزوية داخل غرفتي،البئيسة حقا،لذلك سأشعر بالخجل إن عاينتَها مباشرة.جدرانها لابأس بها،وردية اللون،وردية كمعجون الأسنان،لكن سقفها،متسخا جدا،غرفة فعلا في غاية البؤس،ولاتحتوي على شيء مريح أو مبهج،لذلك سأحتاج إلى رجل ينكب بكفاءة على ترتيبها ويضفي عليها لمسة ”أنثوية”جذابة. 

رغم وضعها هذا،فأنا مرتبطة بها،فقد مكثت بين زواياها طيلة فترة الحرب،بحيث كنت أحضر وجبات المعكرونة الشريطية وكذا البطاطس، لذلك لايمكنني الانسلاخ عن هذا المكان، ويبقى وجهتي الوحيدة المتعقلة. 

لاتحضرني هذه الليلة،ذرة عقل سليم،بل أنا تعيسة،لذلك سأعتذر منك كي أبكي قليلا.سيكون لطيفا الارتماء بين ذراعيك؛ثم أبكي،هذه الرغبة تدفعني أكثر للبكاء لأنك لست هنا وأفتقد حضنكَ،قد تبدو الإشارة بلا معنى،لأنه لو كنت خلال هذه اللحظة بين أحضانكَ، فلن أذرف دمعة واحدة.

من البلاهة تدبيج رسائل غرامية،لأن الغرام لاتعكسه صفحات الرسائل،لكن ما العمل حينما يمتد محيط فظيع ويفصل بينكَ و معشوقكَ ؟ماذا بوسعي إرساله لكَ؟الورود تذبل،أيضا لايمكنني أن أبعث لك القبلات والدموع،فقط مجرد كلمات،لكن للأسف لاأوضح جيدا مضامين أفكاري باللغة الانجليزية.بوسعكَ الشعور بالزهو،فقد جعلتني أبكي من وراء المحيط الأطلسي !أنا متعبة جدا،وأفتقدكَ كثيرا.هل تعلم،بأن عودتي من أمريكا قاسية جدا،ويصعب جدا تحملها.

هناك شيء حزين جدا في فرنسا،بيد أنه يروق لي مهما بلغ وقعه.قضيتُ عطلة في أمريكا،جعلتني متحررة من كل التزام شخصي،لكن هنا لدي ما يلزمني القيام به،أعجز حقا عن تحديد طبيعته ثم مدى قدرتي بهذا الخصوص.

أمضيتُ مؤخرا ليلة مضطربة،لذلك أفرطتُ في الشرب بهدف النسيان،مع ذلك يستمر توتري.ربما تذكر سابقا،حينما كنا معا في نيويورك،ممدَّدَين على سريرين متجاورين، نتبادل أطراف الحديث حول موضوع النساء،إشارتي لأمر تلك المرأة المقززة جدا(1)، المغرمة بي. كنتُ سعيدة لحظتها وأنا أتملى وجهك العزيز.

التقيتُها قبل أربعة أيام،تقاسمت صحبتها وجبة العشاء،فقد كانت تتعقب خطواتي (اعترفت لي بذلك)غاية ولوجها المقهى الذي جلست فيها،بدت كل عظامها مرتعدة؛لذلك وعدتها بلقاء على مائدة عشاء.أحضرت لي معها مسودة جريدة حيث روت دون أبسط تحفظ حقيقة كونها مغرمة بي.اللافت للانتباه،إنها كاتبة كبيرة،تحس بعمق الأشياء وتلامسها بكيفية مبهرة.قراءة تلك الجريدة شكَّل تجربة في غاية الإثارة،لاسيما وأني كنت محور موضوعها.

أضمر لها نوعا من التقدير،وكثيرا من التعاطف،غير أني  لم ألتقيها سوى مرة واحدة طيلة شهر،حين تواجدي في باريس،مادمتُ لستُ متعلقة بها حقيقة وهي تدرك ذلك.المزعج،أنه يمكننا الحديث بمطلق الحرية عن حبها لي ونناقش ذلك كما لو يتعلق الأمر بحالة مَرَضية.مع ذلك قد يساوركَ الشك  بأن ليلة برفقتها ليست نزهة.تستضيفني دائما إلى أحد أفضل مطاعم باريس،حيث تتناول باستمرار نبيذ شامبانيا وأطباق مكلِّفة.أتكلم بإفراط،أسرد حكايات وأحاول أن أكون بصحبتها مرحة وطبيعية.في حين، لاتتوقف هي عن الشرب مثل ثقب.بعد ذلك نغادر نحو إحدى الحانات،خلالها تصير المرأة تراجيدية،مما يجعل مزاجي سيئا،ثم أقوم وأودِّعها.أدرك لحظتها بأنها ستشرع في البكاء،وتلطم رأسها مع الجدران مع ترديدها لأفكار حول الانتحار.لأنها ترفض اصطحاب صديق ثان غيري،تعيش وحيدة من الصباح غاية الليل،ونلتقي معا ستّ مرات خلال السنة. أكره التخلي عنها ونحن في الشارع، وحيدة،محبطة،تنشد الموت،لكن ماذا بوسعي أن أصنعه لها؟يغدو الإفراط في اللطف أسوأ من أيِّ شيء آخر.إجمالا،لاأتحمل معانقتها،وهنا يكمن لب المشكلة. ماذا بوسعي القيام به؟

هذا الصباح في مقر مجلة الأزمنة الحديثة جمعت عددا من المسودات وتفحصتها طيلة اليوم.فاكتشفت عملا مثيرا للانتباه تحت عنوان :حياة مومس كما ترويها بنفسها. ياإلهي !حينما نقف على حقيقة أنَّ العالم بدا لها وفق تلك الصورة منذ أن عاشت فقط نموذج تلك الحياة الوحيدة دون اكتشافها سبل حياة بديلة !فظيع!أسلوبها فطري جدا،يتسم بالفظاظة لذلك يعتبر تقريبا إصدار هذا العمل مستحيلا.هذا مايلزمه فعلا أن يحرض دموعنا بدل تلك الأوجاع الذاتية الصغيرة.إضافة إلى ذلك،تبيَّنت لذاتها ملجأ كي تكون غريبة الأطوار( !(2

حبيبي،

حان وقت نومي.انتعشتُ بالكتابة إليك.تتصلب عزيمتي حينما أعلم بأنك حي، تنتظرني، سأستعيد معك السعادة والحب.لقد أخبرتني ذات مرة بأني أحظى بأهمية لديكَ تتجاوز  أهميتكَ بالنسبة إلي،لاأظنه تقييما صائبا.

أفتقدكَ، أحبكَ، أنا زوجتكَ مثلما أنت زوجي.سأنام بين ذراعيكَ ياحبيبي.

سيمون.     

……………..             

*هامش

– (1)فيوليت لودوك،هكذا تعرف نفسها.والمسودة المقصودة هنا صدرت سنة 1948 تحت عنوان المتعطشة.

(2) –الأزمنة الحديثة، دجنبر 1947،يناير 1948 .        

المصدر : رسائل سيمون دو بوفوار، غاليمار،1997 .

        

مقالات من نفس القسم