ترجمة : سعيد بوخليط
الاثنين ليلا 19 يوليو 1948
نيلسون حبيبي،
وصلتني رسالة عذبة، هادئة ثم ودودة. هكذا، لاحظ أصدقائي”أجواء المرح البادية عليكم !”. نعم.
تشير الساعة حاليا إلى منتصف الليل ومع ذلك لستُ منهكة، فقد ارتشفتُ منذ قليل عصير ليمون يحوي شرابا مسكرا(ويسكي غير موجود)ثم احتضنتكم قبل أن يستغرقني النوم.
تلقيتُ تهنئة من جان جنيه بخصوص لباسي الرسمي وتميز مظهري، ثم أيضا بمناسبة إصداري الحديث، أخير غازلني. يعيش حاليا قصة مع عاشق جديد، وشرع في تأليف مسرحية جديدة، لكنه يواصل تحديه مثل عامة الناس، على إظهار كونه مماثلا لذاته.
كذلك ودعتُ صديقة روسية رحلت إلى الريف بغية الاستجمام؛ تراجيدية صغيرة جديدة من أجل التغيير؛يلزمها خلال شهرين أن تلعب مرة أخرى دورا في مسرحية الذباب، مثلما باشرت منذ فترة عملها في فيلم الدماء؛أراهن منذ الآن حرفيا على وهنها الصحي حين انطلاق أولى تداريب و بروفات العرض، وعجزها عن أداء دورها.
هكذا، حاولت عبثا إقناعها بضرورة خلودها للراحة على امتداد سنة قبل عودتها ثانية، غير أنها أظهرت نفاذ صبر بخصوص تطلعها نحو أقرب فرصة ممكنة بغية اكتشافها وقوع الأسوأ من عدمه. تصرف أرعن، ولايملك أيّ شخص سلطة ثنيها عن مبتغاها.
تناولتُ البارحة طعام العشاء مع زوجها جاك لوران بوست، المؤلف الشاب لكتاب : آخر المهن. امتد حفل ضخم متنقل على امتداد شارع مونمارتر؛فأثارت اهتمامي بعمق بين ثنايا ليل مكفهر، ألعاب القطارات الترفيهية، ومسابقات اليانصيب، والسحر الذي يبعث به البهلوانيون.
لوران بوست، شاب عاشرته وضاجعته طيلة سنوات عديدة قبل التعرف عليكم، لذلك توقفت منذ السنة الماضية بعد عودتي من نيويورك نظرا للسبب الذي تعرفونه. حكاية لم تعد لها أيّ أهمية كما السابق، وقد أنهيتها، لذلك لم أهمس لكم حول الموضوع بكلمة واحدة.
يستمر بيننا تواصل حميمي لاسيما أنه ليس سعيدا جدا راهنا فيما يتعلق بشؤونه الغرامية، فأن تكون متزوجا من امرأة كما الشأن بالنسبة لزوجته الحالية يشكل عائقا حقيقيا أمام الحياة العاطفية. يعكر شيء من الحزن صفو أمسيتنا.
حينما انتهت الأمور بيننا، لم يشعره موقفي بالغضب. يقينا، يعلم بأني لم أكن قط مغرمة به، في نفس الوقت لم يستسغ قراري هذا ثم استمر بيننا نوع من الانزعاج.
أروي لكم هذه المعطيات، نظرا لالتماسكم مني إخباركم بما يدور في رأسي المجنون، بجانب توفر رغبتي أيضا كي تعرفوا عني حقائق كثيرة.
كما تعلمون، بوسعي من أجلكم التخلي عن الكثير أبعد من وجود شاب فاتن، بل التنازل عن أشياء عدة. في المقابل، لن أحافظ على سيمون التي تروق لكم، إن نزع تفكيري نحو الانفصال عن سارتر، حينها سأغدو مجرد امرأة حقيرة، خائنة، أنانية. يلزمكم إدراك هذه الحقيقة، كيفما جاءت طبيعة القرار الذي ستتخذونه مستقبلا :ليس انعدام الشعور بالحب من يفسح لي المجال كي أبتعد عنكم . بل أنا متأكدة، بأن وقْع انفصال من هذا القبيل إن حدث، سيكون أثره الشخصي علي أكثر قسوة من ارتداداته عليكم، لأني سأفتقدكم بكيفية مؤلمة قياسا لتأثيرغيابي عنكم، فلايمكنني سوى أن أعشقكم أكثر، والتشوق إليكم على نحو أكبر، بالتالي لايمكن لغيابكم غير اتصافه بوقع جلل. ربما تدركون ذلك.
لكن، وجب التنصيص في ذات الوقت، على مسألة وإن أظهرتني متبجحة : إلى أي حد يظل سارتر محتاجا لحضوري بجانبه.
يتميز سارتر بعزلته الشديدة، فيما يتعلق بحياته الخارجية، ثم ممزقا جدا ذاتيا وفي غاية الاضطراب، وأنا بمثابة صديقته الحقيقية، رفيقته الوحيدة التي تستوعبه حقا، أساعده فعلا، أعمل معه، وأمنحه السكينة والتوازن.
منذ عشرين سنة، فَعَل كل شيء بالنسبة إلي، ساعدني كي أحيا وأعثر على ذاتي، وضحى من أجلي بعدة أمور. حاليا، ومنذ أربع أو خمس سنوات، حان موعد ردِّ الجميل نظير مواقفه معي، فمن واجبي أن أساعده، وقد مد لي يد العون باستمرار، لذلك لايمكنني قط التخلي عنه. ربما أبتعد عنه لفترات طويلة تقريبا، لكن يستحيل ربط حياتي بأكملها مع شخص آخر غيره. أكره الحديث ثانية عن هذا الموضوع. أعلم بأني عرضة لمجازفة أن أفقدكم، وأعلم دلالة نتيجة من هذا القبيل بالنسبة إلي.
ينبغي لكم نيلسون، استيعاب حيثيات موقفي، ويلزمني فعلا التأكد من ذلك :سأكون سعيدة لقضاء أيام وليال صحبتكم غاية وفاتي، سواء في شيكاغو، باريس أو كاستينانغو (غواتيمالا)، فلايمكنني اختبار تجربة عشق تعادل ماأحسسته نحوكم، عشق يجمع بين الجسد، القلب والروح. بالتالي، أفضل بالأحرى الموت بدل التسبب في إحداث ألم عميق، أو خطأ غير قابل للإصلاح نحو شخص قام بكل مابوسعه من أجل سعادتي.
صدقوني، يشعرني الموت بالتمرد، في حين لن أتحمل مقارنة مع الموت، فكرة أن أخسركم وأفقدكم. ربما تظنون كلامي هذا مجرد حكايات، بيد أنها جوهرية بالنسبة إلي حياتي وغرامنا، لذلك تستحق. ولأنكم تطلبون مني ما أفكر فيه، ونظرا لإحساسي بمنتهى الأمان معكم، أكتشف لكم عن مختلف مكنوناتي قلبي.
الآن سأذهب إلى فراشي، لكن قبل ذلك، أبعث لكم بهذه القبلة العاشقة، قبلة حنونة.
. . . . . . . . . . . . . . .
*المصدر : رسائل سيمون دو بوفوار، غاليمار، 1997 .