كانت من عاداتى أن أقرأ فى المواصلات وهى العادة التى افتقدتها بامتلاكى سياره و كنت وقتها اعمل لفترتين وكنت اعود بين الفترتين الى البيت للغداء والنوم قليلا ولكننى فى ذلك اليوم قررت الا اذهب الى البيت لاننى لو ذهبت الى البيت فسوف استسلم للنوم ولن اكمل قراءة الروايه .
فقررت الذهاب الى مقهى مجاور للبيت ولم اغادره الا وكنت قد انهيت قراءتها ثم عدت الى العمل .
والى الان اتذكر تلك الروايه وابطالها . كانت لنا جاره جميله تعمل مدرسه كنت انتظرها كل صباح فوق الرصيف فى السابعة صباحا فى طريقها الى العمل واعطيتها اسم فيرمينا داثا وكنت انا فلورينتينو إريثا ذلك العاشق البائس لكننى الى الأن لا أعرف من هو خوفينال أوربينو ذلك الطبيب الذى فاز بها
واتذكر ايضاً انه ذات شتاء بعيد وبينما كانت الامطار تهطل بغزاره خارج المقهى الذى كنت اجلس به كانت الامطار لا تزال تهطل فوق قرية ماكوندو لمدة اربعة اعوام فى رواية ” مائة عام من العزله ” .
ومؤخرا قرأت لماركيز كتاب يحتوى على مجموعة مقالات وهو من ترجمة المترجم السورى صالح علمانى
وهذا الكتاب هو ” كيف تكتب الروايه ومقالات أخرى ” وهو فى رأيى يحمل عنوانا خادعا لاننى ظننت فى البدايه انه يتحدث عن عناصر وتقنيات كتابة الروايه على نسق كتاب البيروفى ماريو فارجاس يوسا ” رسائل الى روائى شاب ”
لكن هذا العنوان هو عنوان لمقال واحد ولكن تتنوع المقالات فى موضوعات مختلفه .
ولم اكن اعتقد ان قراءة مقالات لماركيز ستحقق نفس المتعه التى اشعر بها عند قراءتى لرواياته وقصصه القصيره
فمن بين تلك المقالات مقال عن اختفاء الكوكاكولا من كوبا بعد الحصار الاقتصادى ومقال عن خوفه من المصاعد وعدة مقالات عن خوفه من الطيران .
ففى المقالات لا يتخلى ماركيز عن لعبته الاثيره وهى الحكى ومن امتع المقالات فى هذا الكتاب مقال يحمل عنوان ” طائرة الحسناء النائمه ” ويحكى فيه عن الفتاة التى كانت بجواره فى الطائره فى الرحله من باريس الى نيويورك وكيف انه ظل يتأملها لمدة خمس ساعات والتى ذكرته برواية ” بيت الجميلات النائمات ” للروائى اليابانى ياسونارى كاواباتا وهو العمل الوحيد الذى تمنى ماركيز ان يكون هو كاتبه وهو ما دفعنى الى قراءة تلك الروايه الساحره .
ويحكى ايضا عن روائيين يابانيين اخرين أمثال تانيزاكى وأوسانو دازاى وكينزابورو أوى وعن عبادة اليابانيين للموت وانتحارهم على طريقة الهاراكيرى.
وكيف أنه عندما اتصل به زميل له فى باريس يدعوه الى لقاء كتاب يابانيين رد عليه ماركيز ” سأكون سعيدا بالحضور ولكن شريطة الا ينتحروا “.
يقول ماركيز فى هذا المقال ” حين رأيتها تقف فى الصف للصعود الى طائرة نيويورك فى مطار شارل ديجول فى باريس فكرت هذه أجمل أمرأة رأيتها فى حياتى أفسحت لها الطريق وحين وصلت الى المقعد الذى خصصوه على بطاقة الصعود الى الطائره وجدتها جالسه على المقعد المجاور واستطعتت أن اسائل نفسى وأنا مبهور الانفاس: من هو عاثر الحظ منا فى تلك المصادفه الرهيبه” .