ومن خلال مطالعتك هذا الكتاب واندماجك في عالم الشخوص التي يتكلم بلسانها ستعيش أكثر من حياة كما يتنبأ علي حسين، ستستمع لبيكاسو يخبرك أنه «لكي تكون عبقرياً .. يجب أن تصبح مليونيراً»، لسيلفادور دالي أشهر رسامي القرن العشرين وصاحب لوحة «إلحاح الذاكرة» يقول «لكي تستطيع أن ترسم يجب أن تكون مجنوناً»، ستلتقي عميد الأدب العربي طه حسين وتتعلم منه كيف تقرأ الأدب وتفهمه وتتذوقه من خلال مؤلفاته ومن أشهرها «الأيام»، وتُسعد بالساحر توفيق الحكيم الذي يخلق لنا عالماً كاملاً حيث سحر الكلمات والوجود والأحداث وبكتابه الشهير «عودة الروح»، أما سلامة موسى فستجد فيه مكتبة كاملة تضم الناقد والمفكر والمؤرخ والفيلسوف وعالم النفس والباحث الاجتماعي، في حين سيثير فيك ديستويفسكي الحماسة والنشوة للقراءة من خلال ترجمة سامي الدروبي لأكثر من عشرة آلاف صفحة من روائعه «الأبله» و«الأخوة كارامازوف» و«ليالي بيضاء» وغيرها، كما سيأخذك الأديب وعالم الآثار المصري كمال الملاخ بصحبة كتابه «المليونير الصعلوك» إلى مطعم شهير لتجلس إلى جوار بيكاسو وبريجيت باردو ورئيس وزراء فرنسا عام 1950م، وربما لن تذهب إلى بطرسبورغ لكنك ستحفظ أبرز معالمها التي يأخذك فيها ديستويفسكي وتولستوي، ولن تزور براغ، إلا أن ميلان كونديرا سيقدم لك وصفاً ممتعاً لما يدور في شوارعها – كما حصل مع المؤلف.
ستقرأ كذلك عن ألبير كامو الفيلسوف ومؤلف كتاب «الإنسان المتمرد» ورواية «الغريب» التي عجّلت بحصوله على نوبل عام 1957م، وستتعرف على منعطفات مهمة في حياة معلمه سارتر نابغة الفلسفة الذي استهزأ بأساتذته قائلاً «أستطيع أن أجادل نيتشه وأعلمه كيف يمكن للإنسان أن يكون حراً».
حين ظهرت «الصخب والعنف» عام 1929م، لم يكن فوكنر يتوقع أنها ستضعه على قائمة الكتاب الأكثر مكانة في تاريخ الأدب العالمي، وليس بالضرورة أن قراءة فوكنر ستجعل منك شخصاً أفضل، ولكن من المؤكد أنها ستثير بداخلك أسئلة جديدة، إن فوكنر يشير لنا كيف يجب أن نفتح عقولنا بالتساؤلات والدهشة.
يخوض علي حسين في كتابه هذا حواراً مع مترجم «الصخب والعنف» جبرا إبراهيم يحمل في طياته الكثير من الفائدة، ممَّا جاء فيه أنك في عالم الأدب تجد نوعين من الأعمال والمؤلفين، في بعضها تكون حياة الكاتب أهم من أعماله كحياة جان جاك روسو، فيما نجد أعمالاً أخرى يختفي فيها المؤلف بينما تبقى أعماله. فوكنر مثلاً، نحن لا نعرف كيف يعيش، لقد اختفى الفنان داخل عمله.
فيما يتعلق ببعض الكتب القديمة التي تركت انطباعاً واسعاً ونالت شهرة كبيرة في الوطن العربي، ظهر في خمسينيات القرن الماضي كتابان؛ «اللامنتمي» لكولن ولسن إذ أصبح أشهر كتاب يترجم إلى العربية في ذلك الوقت وكتاب «الطرق الهوائية»، ترجمهما بأسلوب رشيق المترجم أنيس زكي حسن الذي نال جائزة الترجمة عن ترجمة كتاب «مغامرات الأفكار» لهوايتد، ولم يكتفِ بالترجمة فكتب الرواية بدءاً من «الأخطبوط»، أما روايته الثانية «السجين» قريبة الشبه للروايات العبثية، وكأنها متأثرة بما كتبه سارتر في «الغثيان»، موضوعها الأساسي هو البحث عن الحرية.
ليس الكتاب مجرد مكتبة تذخر بمختلف أنواع الكتب بل هو أشبه بسفينة تبحر على متنها إلى مختلف أصقاع العالم وآلة زمنية تسافر عبرها إلى عصور غابرة حيث تلتقي مشاهير العالم من فلاسفة وعلماء نفس وأدباء وسياسيين وعظماء خلدهم التاريخ، ابتداءً ببيكاسو مروراً بألبير كامو وعلاقته بمعلمه سارتر، انتهاءً بصراع كافكا مع أبيه ونقد تولستوي لأعمال شكسبير.
اختار علي حسين الصحافة لتكون مهنته، دخلها وهو مقتنع بأنه سيشارك القراء هذا الشغف والحب للكتاب، يقول: «بصرف النظر عن أي شيء آخر يمكن أن أقدمه للقارئ، فإن بإمكاني أن أمنحهم الحماس لحب الكتاب»، فهو يريدك أن تصبح قارئاً مفعماً بالحيوية وأن تتوصل بعد قراءتك كتابه هذا إلى أن وراء كل عمل أدبي أو فكري عظيم هناك ثمن باهظ، كما أن قرارك بأن تكون قارئاً يعنى ان تكون سارقاً للوقت، مثلما كان برموثيوس سارقاً للنار، فليس ثمة سفينة كالكتاب تنقلنا بعيداً بعيداً – كما يخبرنا ألبرتو مانغويل «إن القراءة مفتاح العالم»، وليس من صديق وفيّ أكثر من الكتب – كما يقول مونتين «أن تقرأ يعني أن تجد الصديق الذي لا يخونك أبداً».