محمد عكاشة
الصيد هو فعل مبني على شقين بدونهما لا وجود للصيد
الشق الأول: الصياد
الشق الثاني: الفريسة
شريطة أن يكون الصياد- صياداً ويتحلى بصفات تؤهله أن يحترف مهنة الصيد ويكون صياداً ماهراً ، قناصاً ينصب الشرك لفريسته كي يوقعها.
أما الفريسة فهي الضحية أو الضحية المحتملة يتحقق وجودها بفعل كثرة الصيادين وأيضاً البيئة بكل ما تحمله من صراعات وتقلبات كفيلة بإفراز صيادين وفرائس لا حصر لها ، طالما هناك عوامل بيئية لا تنضب تماماً كصراع البقاء وإذا نظرنا للفريسة بالمعنى الأدق سنجد أن الفريسة لابد أن تمتلك ميزات تجعلها مطمعاً للصيادين ، فهل هذه الميزات من أهمها الوهن والضعف، أم أن هناك خصائص أخرى تؤهلها لذلك؟
وهل الصياد بحق يمتلك القدرة على الصيد أم هي البيئة وعواملها وتقلباتها هي التي أجبرته على حمل السهام للقنص ليضمن لنفسه البقاء فأحياناً يصيب وأحياناً يخطئ ويبقى رهينة الصدفة؟
والصيد بمفهومه العام – هو للاحتياج أو هو غريزة تدفع صاحبها للإفتراس، والطبيعة لها قوانينها التي فطرت عليها الكائنات جميعها بأن كل جنس لا يفترس جنسه، تجد ذلك في الحيونات والطيور ومعظم المخلوقات لهذا إذا كان مدخلنا في رواية (بروفة لحياة مؤجلة) للروائي أحمد عامر عن مفهوم الصيد والفريسة المتعارف عليه فإننا في الحقيقة أمام صياد وفريسة من نوع مختلف يستوجب البحث فيه عن العوامل النفسية والاجتماعية التي رصدتها الرواية من خلال سلوك شخصياتها على نحو مربك يجعلك تبحث عن أسباب هذا الاضطراب في هذا المجتمع وفي هذه الحقبة التاريخية التي أشارت إليها الرواية.
والصيد بمفهومه عند الحيوانات المفترسة والطيور الجارحة غريزة لها حكمتها وفلسفتها، لها دلالتها على هيئة كل كائن منها، من أنياب أو مخالب مع بنيان قوي قادر على طي المسافات ووقوع الفرائس ، وتراتب الكائنات ودور كل واحد منها حسب قوته وسطوته على الآخر.
والصيد في الرواية ينم عن مرض لا عن قوة وفريسة منهكة افترستها عوامل عدة رصدتها الرواية في شكل حكايات ومواقف مصدرها شاشة الكترونية أشبه بغرف مغلقة أو بأوكار يجتمع عليها منهكون ومقتلون من قبل والحالة أشبه بتليف الكتروني وإجتماعي ونفسي والصياد هنا لا يتمتع بصفات الصيادين في الكائنات الأخرى بل هو على العكس تماماً، بل هو صياد مرتبك وموتور ومهزوز حد المجون.
بل هو في الحقيقة عكس ما يدعي هو فريسة تتخفى في شكل صياد بالضبط كالذي أصابته عاهة ويحاول جاهداً إخفائها ظناً منه أنها تنقص من قدرته والرواية ترصد فرائس تقوم بدور صيادين/ وصيادون وفرائس في آن ، فمن خلال هذه المساحة الضيقة جداً داخل النفس البشرية وداخل دقائق العوامل النفسية لهذا المجتمع رصدت الرواية شخصيات عدة مثل مسعد وكمال ومديحة وفريدة ونهى ومحسن ومحمد حسين هيكل ووضعتهم في هذا الحيز النفسي، والصراع بين أن تكون صياداً وبين أن تكون فريسة.
وإذا استستلمنا قدراً بمفهوم الرواية أن إيقاع المرأة في شرك الرجل هي عملية صيد، وأن وقوع المرأة في هذا الشرك هي فريسة بمفهوم الغابة وتنطبق عليها فلسفة الصراع الأبدي واستمرارية الحياة، فإن الجنس عند الراوي هو عملية إشباع غريزي تماماً كالطعام والشراب وفقدان هذان العنصران كفيلان بإصابة صاحبها بحالة مرضية تجعله مهموماً بالبحث أو في حالة كر وفر ما بين التمسك بآدميته ومبادئه وميراثه الإنساني، وبين الهروب إلى جنس آخر ، يحمل صفته ويتحرك بها، بالضبط كعملية ارتداء الإنسان لرأس حيوان أو ارتداء رجل لرأس طائر جارح أو ارتداء امرأة لقناع قطة، حتى يخدعون من حولهم مع تبادل الأقنعة والتخفي ورائها كما يظنون /فنجدها في مملكة الهارب والمكتفية بالصمت ومملكة الحياة وسيدة الاقمار السوداء ، مملكة الهاربين الغارق في بحر الحياة./
والرواية رصدت المجتمع وتقلباته من أسفل كما رصدت أيضاً حالة الارتباط للجزء السفلي لأبطالها هذا العامل المحرك لشخصيات الكترونية أشبه بعرائس ماريونيت تتحرك بآياد علوية تحاول تلك العرائس رؤية أصحاب هذه الأصابع ولكن دون جدوى.
وثمة تكتلات لتلك العرائس أشبه بتجمع ثورات حاولت فقط الامساك بتلك الأيادي ولكن دون جدوى، وإذا نظرنا لسلوك تلك الشخصيات سنجد أن لكل شخصية منهم ندبة في روحه تجعله ناقصاً يسلك سلوك الناقصين ، البطولة المفقودة أو الفحولة المفقودة أو الذكورة المبتورة كل هذا كان كفيلاً بإنتاج موتورون ومدعون يدعون الذكورة الفائضة أو الأنوثة المتفجرة أو الفروسية والبطولة والثورة ، ينصب هذا ايضاًعلى سمية وماجدة ونهى وفقدان الانثى بمعناها الجوهري وأيضا فقدان الأإمومة بفلسفتها ودورها الغريزي في رسم شكل هذا المجتمع، هي أيضا عملية بحث عن ذات الأنثى أو الأم ، هذ الوباء الذي أصابها ترصده رواية بروفة لحياة مؤجلة فجعلها وجعل هذه البيئة داعرة لا تقوى على مجابهة هذه العواصف الإلكترونية المحملة بتحديات مستحدثة تحمل صفات جينات أخرى ولا تأبه بكل ما يحمله الماضي من إرث وعقائد.
فهل استباحة الرجولة واستباحة الأنوثة مدخلان كان لهما السبق في تفكك تلك الروابط الأصيلة التي كان يتمتع بها هذا المجتمع وأهم خصائصه أم هو في الحقيقة مجتمع يعاني من حالة إخصاء على المستوى المادي والمعنوي.
هل هو مجتمع الخصيان ، فكيف يفرز أجيالاً من الرجال وأمهات تربي, هكذا هي بروفة لحياة مؤجلة في الظاهر بحر ملئ بالأسماك وصيادون يلقون بالشباك وفي الباطن بركة موحلة ومياه آسنة يغرق فيها حشرات وقوارض وأبواق، وكل همهم فرائس في صورة صياد أشبه بأله.
والتلصص عبر الصفحات الالكترونية هو في الحقيقة فضح كم الإدعاء الذي يتسم به هذا المجتمع .
شخصيات فوتوشوب ملونة تتوارى ولا تواجه ترمى بنواقصها تحت مسميات مستعارة وكما فرضت سلوكها الشخصي أيضاً فرضت سلوكها المجتمعي في شكل حدث جلل سرعان ما تهاوى وذلك لزيفه ونقصانه
والتصوير في الرواية من خلال كاميرا ثابتة يمر من أمامها كل الشخصيات بدورهم، والكاميرا في يد الراوي الذي يرى كل الشخصيات ويحللها فنياً وسلوكياً طبقا لرؤيته وفلسفته ونظرته للحياة والأحداث وذلك من خلال إغماءات متعددة نقل لنا فيها رصداً ذاتياً وأيضاً شبكة العلاقات المرتبكة والمعقدة في هذه البيئة وظاهر هذه الشبكة العلاقات النسائية وإنما في الحقيقة هو رصد لشبكة العلاقات المرضية والمتليفة بأوبئة مجتمعية كفيلة بإسقاط هذا المجتمع.
والرواية لم تطرح حلولاً بقدر ما أشارت للوباء ولم تقدم بطلاً بقدر ما قدمت شخصيات تتشابه في السلوك والهدف، وفلسفة الراوي هي عرض بانورما مأساوية لشخصيات مأساوييين لا يدركون معنى الأهداف أو الصيد، بقدر ما هي شخصيات على حافة التلاشي أو التوحش.