هو الآن أشعث الشعر، قميصه غير مهندم ولم يبدله منذ أيام، حذاؤه يملؤه الطين كطفل لا ينظر إلى خطواته، ما الذي حدث لك؟ لماذا تتعمد كل هذا؟ سألته في بالها ولم تسمع سوى احتراق السجارة السادسة عشر التي بدأ في إشعالها.
“أنا أحلم بالميكروباص، لا أريد هذه البدلة وهذه العربية وهذه المكاتب الأنيقة” أعاد عليها سرد أحلامه من جديد، أن يترك وظيفة البنك والمنصب الإداري الجديد الذي أضاف صفرًا لراتبه ليصبح سائق ميكروباص، “سيصبح اسمي “رينجو” هذه وظيفة أحلامي، هل تفهمين ما أقول؟“
سكتت، كانت تحاول إفلات الخاتم الذي ازداد ضغطًا على إصبعها، لكنها لولهة أدركت أنه خاتم الخطوبة وأن خروجه في هذه اللحظة يعني خروجه للأبد. أعادته إلى مكانه وقررت أن تتحمل احتباس الدماء في إصبعها. ثم أدركت أن عليها الإجابة، هو ينتظر الآن إجابة منها، هل تفهمه؟؟.. أخذت نفس وأجابته “نعم أفهمك.. أفهمك تمامًا“
ابتسم لها، كعادته، عندما يبتسم لها وهي توافقه على ما يقول، على الأغلب هو أحبها لأنها توافق على ما يقول، دون أن ترهقه بالكثير من الأسئلة ودون أن تعارضه.
اطفأ السيجارة في الطفاية وهو يقول لها الكثير من الكلمات التي لم تسمع منها شيء، على الأغلب خمنت أنه يرتب جدول يومه بصوت عال، قبلها في جبينها وهو يقول أنه مضطر للإنصراف الآن قبل أن يصل مديره ويكتشف تغيبه، قالت له “لا بأس” وهي لا تزال متسمرة على الكرسي الخشبي، سألها وهو يرتدي جاكت البدلة ويجمع أشياؤه “ألن تذهبي إلى عملك؟” قالت “ليس الآن، أخبرتهم أني سأعود بعد صلاة الظهر، سأمكث قليلاً وأطلب كوبًا آخر من القهوة”. ترك لها حساب المشروبات ومضى في طريقه، جلست تتأمل مشيته التي تغيرت أيضًا، كان يسير بخطوات واسعة، والشارع على يساره يسير أيضًا، ضجيج السيارات وسرعة السير، الكل يمضي في طريق إلا هي، تجلس وتتأمل العالم من حولها، هي على جانب، والميكروباصات المتراصة على الجانب الآخر.
.