سعيد نصر
تتوزع روايات عمار علي حسن وقصصه على موضوعات وقضايا وأماكن متعددة، فأحداثها تدور بين الريف والمدينة والصحراء، وتعرض قضايا تنهل من التصوف والتهميش الاجتماعي للفقراء والمعدمين ومظالم النساء، وبعضها يدور حول الثورة والآثار الاجتماعية للحرب، ومختلف بيئات العمل في المكاتب والحقول والمعمار، حيث يكافح الناس من أجل البقاء على قيد الحياة، وتحسين شروطها القاسية.
وتنطوي الروايات والقصص على مسار واضح من “الفانتازيا” و”الواقعية السحرية” أو “الروحانية” والحكايات التاريخية التي يمكن إسقاطها على الواقع المعيش، والقيم الفلسفية، وفي مقدمتها أشواق الناس إلى الحرية والعقلانية والعدل والكفاية والتسامح.
أما الكتب فقد دارت حول موضوعات متعددة تحت مظلة علم الاجتماع السياسي إلى جانب النقد الأدبي والتصوف، وانتهجت طريق الدراسات عبر النوعية في بناء جسر عريض بين الأدب والسياسة، فكرا وممارسة، دون أن تجعل الأول مطية للثانية، بل ناقدا لحيلها وألاعيبها التي تكبل الإنسان. وتناولت الكتب أيضا قضايا التنشئة السياسية للتنظيمات والجماعات الدينية والطرق الصوفية، ومسائل الإصلاح والتغيير السياسي والديمقراطية والتكافؤ الاقتصادي، وتطوير التعليم، إلى جانب الخيال والمجاز السياسي، وأنسنة العلاقات الدولية، وحوار الحضارات، ومواجهة الإرهاب، وتأثير الإعلام الجديد على المجتمعات البشرية.
الحقيقة أن قليلين من تقرأ رواياتهم وقصصهم، فتشعر بأن مشاعرك تجيش على وقع المشاهد والشواهد التى تصوغها الحروف والكلمات، وتحس أن ثقافتك تمتد وتتسع بفضل المضامين والعناوين التى تستقيها من بواطن الكلمات والحوارات وتجارب الشخصيات، وتجد نفسك منجذبا بشكل لا إرادى إلى سرد مشوق، وما يحمله من دلالات ومعان كامنة وظاهرة.
الكاتب عمار على حسن يعتبر أحد هؤلاء الروائيين، وقد تيقنت من ذلك بعد أن قرأت له بعمق وترو كل أعماله الأدبية وكتبت عنها قراءات نقدية متوالية، هى متن وموضوع كتاب أعده عن أدبه، سواء الروايات أو المجموعات القصصية.
إن هناك أسبابا لتميز المشروع الأدبي له، أولها هو تنوع عوالم رواياته وقصصه، بما فيها مجموعاته القصصية القصيرة جدا، فهى تتنوع ما بين الواقعية السحرية والواقعية الشبحية والطيفية، بما فيها من عجائبية وغرائبية، والواقعية الفجة حيث العوالم كما هى وبلا رتوش، وهذا كله يضفى على معظم رواياته وقصصه طابع الإثارة بشكل يخطف قلب وعقل المتلقى، ويجعله متشوقا لقراءة النصوص أكثر من مرة.
ولا أخفيكم سرا أننى انجذبت للعوالم الأدبية الروائية والقصصية لهذا الكاتب بمجرد قراءتى لرواية له، كان قد أهداها لى فى يوم ما، وهى رواية جبل الطير، وذلك بعد حضورى ندوة أقيمت لمناقشتها بقاعة المجلس الأعلى للثقافة بدار الأوبرا، وعندما بدأت فى قراءتها، وعلى مدار سفرى الطويل المريح بين حروفها من بدايتها لنهايتها، وجدتنى أسيح بكل مشاعرى وجوارحى وقلبى وعقلى فى رحلة أدبية وثقافية، وكان أجمل ما فيها أنها رحلة ممتدة بتاريخ مصر كله، الفرعونية والمسيحية والإسلامية، وكانت رحلة شيقة جدا، على الرغم من أنها رواية طويلة، وذلك بفضل الغرائبية والعجائبية، وساعتها اتخذت قرارى بأن أقرأ كل أعماله وأكتب عنها قراءات وروىء وتصوات، بإحساس قارىء لديه ميول أدبية تمنحه القدرة على تمييز الجيد والسىء.
ولم يكن الأمر سهلا أو مجرد نزهة، وكيف يكون كذلك عندما يسيح القارىء الناقد فى رحاب وفضاء أعمال أدبية يختلط فيها الواقعى بالخيالى،والمنطق باللامنطق، والأدبى بالنفسى، والجسدى بالروحى، والاجتماعى بالسياسى، والواضح بالغامض، فى حالة روائية وأدبية تثير بعقل المتلقى حالة جدلية كبيرة، وتقدم شخصيات وحكايات تشعر فى الكثير منها أنك واحد منها، فتتفاعل وتتوحد مع الشخصيات والأحداث التى تشعر بأنك عشت نفس ظروفها وحكاياتها، وتغوص فى معالم أماكن عشت فى مماثلة لها، وتسبح فى مدارات أزمنة عشتها أيضا، فيغيب عنك لهذه الأسباب ،أو على الأقل يهرب منك عامل الحيادية فى التناول، خاصة أنه عندما تتصدى لعمل أدبى من أعماله ، تشعر بأنك متشابه إلى حد كبير مع بطله أو أحد شخصياته،أو موضوعه،وهى أعمال كثيرة، ممايزيد من صعوبة المهمة، فأبطال وشخصيات الكاتب تمثل الأغلبية الكاسحة من المصريين فى الريف والمدينة.
وكان يقلقنى هاجس وسؤال فى بداية قراءاتى لروايات وقصص الكاتب، وهو: كيف أكتب عن أعمال أدبية تناولتها أطروحات دكتوراة وماجستير فى جامعات عدة، وكتب عنها كثيرون أوسع منى إطلاعا بفنون ومدارس النقد الأدبى، وأكثر منى علما بمجال الأدب الروائى، لاسيما أن أحدهم وهو الدكتور سعيد الوكيل أستاذ النقد الأدبى بكلية الأداب جامعة عين شمس قد وصف الكاتب بأنه “مبدع كونى عابر للثقافات”، وقد استطعت التغلب على نوبة القلق هذه، والتى كان مردها أن الكاتب ومن كتبوا عنه لهم قيمة كبيرة وقامة عالية،من خلال قراءتى لتلك الأعمال الأدبية بالقلب والعقل معا،ومن خلال السياحة فيها بعمق أكثر من مرة قبل الكتابة عنها،وذلك بهدف الخروج بقراءات عنها تنطوى قدر الإمكان على قيمة أدبية مضافة،وهو ما أتمنى أن يتحسسه ويتلمسه القارىء لهذه القراءات النقدية لروايات وقصص الكاتب.
وقد وجدت شخصية الكاتب موجودة فى بعض رواياته وقصصه، ولكنه فى حقيقة الأمر لا يتمحور حول ذاته، وإنما يكتب عن الآخرين، ويدور حولهم، ويتحدث بألسنتهم وأفكارهم وتصوراتهم وطموحاتهم ولا يقيد حركاتهم بأفكاره المسبقة ، وإن كان يكتب عن العوالم التى يعرفها فقط، متأسيا فى ذلك بنصيحة للأديب الكبير نجيب محفوظ، فهو يكتب عن البسطاء والفقراء والمعذبين وذوى الاحتياجات الخاصة والكادحين والمهمشين فى الريف والمدينة، وفى كل مرة يكتب لهم ومن أجلهم، ويتبنى قضاياهم التى تتمحور دائما بين الرغبة فى العيش الكريم والنزوع الفطرى إلى الحرية، كل حسب مفهومه لتلك القيمة السامية. وفى كل مرة يسيح بأحلامهم البسيطة خارج عالمهم القاسى الذى يعيشونه على أرض الواقع، ويظهر الكاتب فى جميع أعماله الأدبية أصالة المواطن المصرى “ابن البلد” و”ابن الريف”، ومرونته فى التعامل مع المحن والظروف القاسية وإصراره على الانتصار عليها، وهو ما تجده بوضوح فى رواية حكاية شمردل، التى يبدو فيها الكاتب كما لو كان يتحدث عن إحدى تجاربه الحياتية، وفى روايتى جدران المدى وجبل الطير، وفى رواية باب رزق، التى وصفها الكاتب نفسه بأنها شهادة على حال مصر فى تسعينيات القرن الماضى، وهى بالفعل كذلك، باعتبارها رواية تحكى عن تحايل فقراء المصريين على العيش، بطريقة تعيد إلى الأذهان رواية القاهرة 30 لنجيب محفوظ، وإن كانت الأولى تختلف عن الثانية فى البناء وطرق السرد.
وأثناء قراءتى لروايات الكاتب وقصصه، كنت أشعر دائما بمن يهمس لي قائلا: كان يجب أن يتفرغ عمار علي حسن للكتابة، وقراره بهذا كان صائبا، فهو يجمع بين حسنيين، الفنان بطبعه، وبصيرة عالم الاجتماع، ووراء هذا تبدو قراءاته الغزيرة الموسوعية التي يوظفها فى أعماله الأدبية باتقان تضيف لأعماله ولا تقلل منها، حيث لا يقع فى أخطاء البعض التى تجعل من بعض أعمالهم الأدبية مجرد منشورات ومواعظ دينية وسياسية.
ويشكل الصراع عنصرا جوهريا فى السرد، حيث تتوق شخصيات الكاتب دوما إلى الحرية والإيجابية في مقاومة الظلم والقهر والاستبداد، والطموح إلى الأفضل والأجمل دائما، وهي تبدو أحيانا شخصيات حالمة على الرغم من ظروفها القاسية. وفضلا عن واقعية سحرية وخيال معتق يتصدى أدب عمار أيضا لقضايا اجتماعية وسياسية غاية فى الحساسية، حيث ينتصر للحرية، وينتصر للهوية المصرية المبنية على التنوع الإيجابى والتسامح الدينى، وقضية علاقة الدين بالسياسة، وينتصر فيها للحداثة ويعرى فيها آلاعيب المتاجرين بالدين. ويمكن لأى قارىء أن يستشف ذلك ويجده بوضوح فى روايات “سقوط الصمت” و”السلفى” و”جبل الطير” و”خبيئة العارف” بالإضافة إلى الكثير من قصص وحكايات مجموعاته القصصية.
وخلال قراءاتى لروايات وقصص الكاتب، وجدت السرديات فيها تتسم برمزيات كثيرة عميقة الدلالة والمعنى، متنوعة بين الواقعى والغرائبى، ولاحظت أنه يستخدم صورا تعبيرية وأخرى متحركة، لإظهار الأحاسيس والمشاعر داخل شخصيات “إنسانية” فى المقام الأول، ورأيته يستخدم الفلكلور المناسب والأحكام والأقوال المأثورة والأمثال الشعبية فى أماكنها المناسبة، والتى تخدم العمل الأدبى وتزيد من تعلق المتلقى به، وهى الميزة التى تظهر بوضوح فى روايات كثيرة له، منها روايات “زهر الخريف”، و”بيت السنارى ” و “باب رزق” من خلال طرق سردية تضيف لرواياته وقصصه وتضفى عليها طابع التشويق والإثارة.
وبعد قراءاتى لمجموعاته القصصية (أحلام منسية ، وعرب العطيات، وعطر الليل، وحكايات الحب الأول، وأخت روحى، والتى هى أحزن) أدركت أننى أمام كاتب قادر على تحويل كل شىء من حوله إلى قصص وحكايات شيقة وهادفة، تتجاوز الزمان والمكان بشكل يجعلها قادرة على الاستمرار على قيد الحياة، وبشكل يجعلها ملاذا دائما للباحثين عن قصص وروايات يرون فيها أنفسهم ومشاكلهم وتفاصيل حياتهم، خاصة وأن الفقر والطموح سيظلان قاسما مشتركا لحياة الناس فى كل زمان وكل مكان، وربما تكون دراسة الكاتب للعلوم السياسية وعمله فى الصحافة وتخصصه فى علم الاجتماع السياسى، قد ساهمت فى امتلاكه لهذه الملكة الأدبية، وهى ملكة اقتناص الشخصية والحدث والفكرة للكتابة والسرد والحكى عنها، والتي هي أحد أهم الأدوات التى يجب أن تتوافر فى القاص والروائى، وهى ملكة تتسع دائرتها لدى الكاتب لتشمل “الشىء” أيضا إلى جانب الثالوث المشار إليه، وقد ظهر ذلك فى كتاب”عجائز البلدة”، والذى يضم 65 حكاية عن أدوات وآلات ريفية بسيطة عفى عليها الزمن، و تصور حكاياته تحولات الريف المصرى الاجتماعية وتكشف الاختلاف الشاسع بين ما كان عليه، وما آل إليه.
وفى مجموعته القصصية “أحلام منسية” يحكى الكاتب عن هموم وآلام ذوى الاحتياجات الخاصة ويقربنا من عوالم هذه الفئة، ويراها فئة مهمة فى المجتمع كغيرها من الفئات، ويشدد على حقها الطبيعى فى الحب والحياة وتكوين الأسرة. وفى مجموعته القصصية”أخت روحى” يحكى عن المهمشين والمطاردين والهاربين من عالم الماديات إلى عالم الروحانيات، والمصابين بلوثات دماغية. وفى مجموعته القصصية “التى هى أحزن” يحكى عن إمرأة يخذلها الحب والناس، ويتناول قضايا مهمة وحساسة للغاية، ولها تداعيات كارثية على المجتمع المصرى، منها جهل كثير من الرجال بالثقافة الجنسية، وعدم إدراكهم لاحتياجات النساء العاطفية والنفسية، ونظرتهم للمرأة على أنها مجرد دمية فى بيت الزوج وبهيمة على فراش الزوجية.
ويحكى لنا الكاتب فى المجموعة القصصية عرب العطيات، والتى تضم 14 قصة قصيرة حكايات تنبض بها قلوب المحتاجين والطامحين معا، فهى تحكى عن ناس فقراء ومهمشين، فى الريف والمدينة، يكدحون ليل نهار للبقاء على قيد الحياة، وتوفير لقمة العيش لأبنائهم، وتقدم بعض القصص صورا فنية وأدبية رائعة عن أطفال فقراء فى القرى محرومين من أدنى وأرخص وسائل السعادة والترفيه عن النفس، كعروسة المولد، وفانوس رمضان، وكرة بلاستيك صغيرة الحجم، وشمعة بقرش صاغ، وترسم صورا مؤثرة فى نفسية المتلقى لمعاناة عمال التراحيل ومتاعب الشباب الفقير الراغب فى استكمال تعليمه وتحقيق أهدافه، على الرغم من حالة الفقر والجوع. وفى المجموعة القصصية “عطر الليل”، والتى تضم 172 قصة قصيرة جدا، بعضها لا يتعدى 15 كلمة، يحكى الكاتب عن شخصيات تحمل رؤى فلسفية عن البشر وتجارب العيش، وفيها يتداخل الرمزى بالمباشر والواضح بالغامض والواقعى بالسحرى، وفيها ينظر الكتب إلى الأشياء العادية نظرة غير عادية بدليل أنسنته للحيوانات، وفيها تسخر الشخصيات من واقعها الإنسانى والاجتماعى والسياسى وترفضه، ويبدو الكاتب كما لو كان يحرض عليه لتغييره، وهو ما يعطى للقصص مذاقا مختلفا، خاصة فى القصص التى ترفض العنف والبلطجة وإيذاء الآخرين وظواهر الفساد والنفاق وغيرها.
وفى مجموعته القصصية”حكايات الحب الأول”، والتى تتكون من 97 قصة، يحكى الكاتب بلغة شاعرية وصافية عن شخصيات عذبتها الرومانسية وطحنتها مشاعر وآلام الحب الأول “الحب الضائع”، ويغوص الكاتب فى نفسية هذه الشخصيات ويستخرج لنا كنوز حقائقها الدفينة، وأروع ما فيها أن كل قارىء لها يجد نفسه فى إحداها، أو فى كثير منها، خاصة من كان يوما ضحية لهذا الحب الذى لا تخمد نار ذكرياته فى القلوب أبدا، حتى ولو تزوج الإنسان أجمل الجميلات وعاش معها أحلى الأوقات وأروع الذكريات. وأعتقد أن معظم العرب قد صادفوا فى مقتبل حياتهم هذا النوع من الحب، وهو ما يجعل لهذه القصص تأثير كبير فى ذهنية المتلقى ونفسيته.
ولعل القاسم المشترك بين قصصه القصيرة جدا، ومنها،”تلال الرماد”، و”حكايات الحب الأول”، و”عطر الليل” أنها تنطوى على عمق شديد فى الصور الجمالية والأفكار وتتسم بتكثيف أشد فى البنية واللغة وتتميز باتساع ملحوظ فى المعانى والمدركات، وكثير منها ينتهى بمفارقات واضحة تجعلها أكثر متعة وإثارة، وتتميز أيضا بأن بعض النصوص غامضة وقابلة لتأويلات عدة، ويكتنفها مفارقات تزيد من عنصر الدهشة.
وكانت بدايتى مع عالم عمار على حسن الروائى برواية “حكاية شمردل”، وكانت هذه مفتاح اندفاعى بحماس شديد إلى البحث عن الروايات الأخرى والكتابة عنها، وكذلك القصص وديوان شعرى وحيد للكاتب بعنوان” لا أرى جسدى.”
وأتوقع أن روايات الكاتب ستكون دائما مصدر إلهام مستمر لدارسين وباحثين فى مصر وخارجها لتناولها من مختلف جوانبها، والوصول إلى مكنون عوالم روايات الكاتب، خاصة أنها تحمل بذور استمرارها فى الوسط الأدبى والروائى، وذلك بما تنطوى عليه من جوانب جمالية وبنى محكمة إلى حد كبير وقضايا اجتماعية و مضامين سياسية وفلسفية وصوفية كثيرة ومهمة ، ويتم تظيفها بشكل يخدم النص الروائى،بالإضافة إلى أنها تتضمن إسقاطات على موضوعات ومواقف سياسية حساسة ،من المتوقع لها أن تكون مادة سخية للجدل الفكرى والسياسى فى المستقبل القريب والمستقبل البعيد على حد سواء.
وعندما تقرأ روايات عمار وقصصه بعين فاحصة وناقدة، تجد نفسك أمام كاتب ينتحت بالكلمات والسرديات والصور والتعبيرات طريقا واضح المعالم لواقعية سحرية عربية تضاهى الواقعية السحرية فى الأدب الغربى، وتجد نفسك أمام روائى وقاص وحكاء متعدد الإمكانات ومتنوع الاهتمامات، وستشعر بأنك تنتقل معه من المحلية إلى ما هو أبعد، وذلك لأن الموضوعات والمدلولات والقيم التى تتناولها أعماله الأدبية وتدافع عنها باستماتة في قالب فني هي قيم وتصورات تشغل الناس كلها في أي زمان ومكان. فالحرية، والتسامح الدينى، والمواطنة الحقيقية، ومقاومة الاستبداد السياسى ومحاربة الجهل، وحلم الارتقاء إلى حياة أفضل هي من الجواهر الدفينة فى النفس الإنسانية، التي ينشدها الفرد في أي ثقافة.
وفي حقيقة الأمر، أن الكاتب عمار على حسن، يدافع فى كل كتاباته عن الحرية، ولايقتصر ذلك على رواياته وقصصه، حيث يفعل ذلك فى كتبه ومقالاته، والتى لا تقل أهمية عن أعماله الأدبية، وواحد منها اخذ صيغة سردية وهو “عشت ماجرى”، الذي يعد شهادة توثيقية لأحداث وفعاليات ثورة 25 يناير، ويتوقع له أن يكون الكتاب الأكثر حيادية والأكثر تأثيرا فى تناوله لهذا الحدث السياسى الكبير فى تاريخ مصر القريب،وهو الحدث الذى يتعرض للخطف والتشويه،سواء من المتآمرين عليه،أو من الكارهين له.
ولأن الشىء بالشىء يذكر، فإن رواية “سقوط الصمت” تنقل كل كبيرة وصغيرة لها دلالة ومعنى وحدثت فى ميدان التحرير أثناء فعاليات الثورة، وتوصف بأنها رواية مشهدية وترسم الصورة الكاملة لهذه الثورة، وتشتمل هذه الرواية على 50 شخصية تدور كلها حول شخصية البطل، والتى تمثل أيقونتها ومرآتها القيمية والأخلاقية ومصباحها الكشف لطيور الظلام الذين سرقوا الحلم الثورى من قلوب شباب التيار المدنى، وأتوقع أن يعاد اكتشاف هذه الرواية عندما ينزاح الغبار عن أسرار دفينة، وتحين الفرصة للمصريين أو لأجيال قادمة منهم لمعرفة هذه الحقائق.