“يَزَن” و”فِراس”، أخَوان مراهِقَان في الأول والثاني الثانوي على الترتيبت, بالغَي الذكاء والحساسية، الأب والأم مشغولَيْن أغلب الوقت في وظائفهم، فالأب أستاذ جامعي في الاقتصاد, والأم مذيعة تلفزيونية ناجحة بقناة فضائية.
يقضي “يَزَن” و”فِراس” أغلب أوقاتهما في المنزل مع الخادمة التي تُجهِّز لهما كل شيء، وتعتني بالمنزل, ولا يريان والديهما إلا في العطلات، وما نَدَرْ.
لكنَّ الولدان اعتادا هذا الوضع منذ الطفولة, ووجدا ما يشغلهما أغلب الأوقات، ومن بين هذه الألعاب التي يشغلان وقتهما بها, كانت لعبة مراقبة لافتات المحلات التجارية واللوحات المعدنيَّة للسيارات المارَّة في الشارع أمامهما، وأىّ شيء مكتوب يريانه في طريقهما إلى المدرسة، ربما تكون بعض الكلمات التي يكتبها مدرس على السبُّورة, كلمات مطبوعة على تي- شيرت أحد التلاميذ, كلمة مكتوبة على غلاف قطعة شوكولا، ثم يقومان بكتابة تلك الكلمات في كراسة خاصة يوميًا بعد العودة من المدرسة، ويتصرَّفان بعدها على أساس معانى الجُمَل التي تكوِّنها تلك الكلمات.
كان الولدان يتفنَّنان في صياغة جُمَل مختلفة من تلك الكلمات، وغالبًا وما يكون فيها أوامر يأمر بها أحدهما الآخر ليفعلها مهما كان، اعتادا ذلك منذ بضع سنوات كى يتسَلَّيا خلال الوقت الطويل الذى يقضيانه لوحدهما.
حصيلة “فراس” من الكلمات اليوم كانت أكثر من حصيلة “يزن”، ولها معانى أكثر، كانت جُمْلَته تقضي بالحصول على أم وأب جديدين يلازمانهما كل الوقت، وعلى “يزن” أن يحصل عليهما بأيَّة طريقة.
فكَّرَ “يَزَن” كيف يمكن أن يفعل ذلك؟ أم وأب جديدين؟.
وجدها أخيرًا, يستطيع أن يستخدم هوايته التي يبرع فيها كثيرًا وهي الرسم، بإمكانه أن يرسم شخصين في حجم رجل وامرأة على ورق من الكرتون المقوَّىَ, ثم يُلوِّن الشخصين بألوان تبدو طبيعية, ويقُصُّ الكرتون على حدود الرسمتَيْن .
وعندما أخبر “يزن” أخيه “فِراس” بالفكرة , تحمَّسَ لها كثيرًا وقال: “نستطيع أيضًا أن نُثبِّتَ الرسمتَين على عصا، أو قطعة حديدية رفيعة طويلة واسطوانية، ثم نُلبسهما ملابس حقيقية نشتريها لهما خصيصًا، لا نريد ملابس أمي وأبي، لأننا نريد ماما وبابا جديدَين تمامًا”، ردَّ “يزن” بحماس: “رائع، ونبتكر لهما كل السيناريوهات التي نتمناها ولا نستطيع الحصول عليها مع والدينا، سنصنع معجزة”.
ومضى الصبيَّان في صُنْع الرجل والمرأة بعد أن رسمهما “يَزَن” بالحجم الطبيعي ولوَّنهما, ثم أكملَ أخيه القَصّ، وألصقهما على قطعتين من الخشب والحديد بطول رجل وامرأة عاديَّيْن, ثم قاما بإلباسهما ملابس جديدة اشترياها خصيصًا لأم وأب جديديَن لن يغادرانهما أبدًا.
تراهنا هذه المرة على أن والديهما الحقيقيين لن يكتشفا وجود الأبوين المستعارَين.
ولكن في صباح اليوم التالي، أخذَتْ الخادمة بالصراخ بعد أن رأت أشخاصًا غرباء في غرفة الأولاد عندما دخلَتْ لترتب فراشيهما، هرَعَ الولدان إليها, وأدركا أنها اكتشفَتْ لعبتهما، شرَحَا لها اللعبة ودَفَعا لها مبلغًا من المال كى لا تخبر والدَيْهما.
ظَلَّ الحال هكذا لعِدَّة أيام، والولدان يشعران بسعادة بالغة لأن لديهما أم وأب مثل بقية الأولاد، يلازمانهما ويعيشا معهما كل تفاصيل الحياة العادية لأسرة حقيقية، وعندما يحين موعد النوم يُخبئان الأم والأب المصنوعَيْن في مكان غير ظاهر من غرفتهما, كل ذلك دون أن يلاحظ الوالديَن الحقيقيين شيئًا.
وعاد “فراس” و”يزن” للعبة تجميع الكلمات والرهان الناتج عنها، وهذه المرة كانت كل الكلمات التى تجمِّعتْ معهما، ولدهشتهما الكبيرة، تدور عن “الاختيار”: اختار، اختَر، اخترته، اخترتها، يختار،…، كانت هذه أول مرة يتصادف أن تدور حصيلتهما معًا من الكلمات حول معنى واحد.
احتار الولدان ماذا يصنعان بهذه الكلمات, قرَّرا أن يكتبا كل كلمة في ورقة صغيرة منفصلة، ثم يضعان جميع الأوراق أمامهما، وأمام والديهما البديلَين على طاولة العشاء.
فى تلك الليلة، وعندما كانوا يتناولون العشاء، والأوراق متناثرة على الطاولة أمامهم: “يزن” “وفراس”، والوالدين البديلَيْن، والأربعة يضحكون مثل أسرة سعيدة، عاد الأب والأم الحقيقيَّين إلى المنزل فى غير مواعيدهما المعتادة، رأيا ابنيَهما يجلسان إلى طاولة العشاء مع أم وأب مصنوعَيْن من الكرتون، اتجها إليهم، توقَّفا عند الطاولة، كانت صدمتهما هى شعورهما بأنهما ينظران إلى أسرة مكتملة، أب وأم حقيقيَّين، مع ولديهما.
تبادل الجميع النظرات، ثم تلاقت أعينهم جميعًا عند الأوراق المتناثرة على الطاولة، وبها كلمات “الاختيار”.
فى هذه اللحظة كان على كل فريق منهم أن يصل إلى خَيارٍ ما….