ما ذنبي وما ذنب أمي ؟
لم نعرف الليل من النهار.. و لا المساء من الصبح, كل وقت الحارة على مقاسهم: الزمان والمكان. يريدونني كما أرادوا لي أن أكون, لكن صراخي أوقعهم في حيرة. أنا أول مولود بحارتهم, لا أولد كما يشاءون انتابهم الفزع.. ماذا لو زاد مولود آخر مثلي وما مصير أمي؟ أمي لا ذنب لها سوى أنها حملتني ببطنها 5 أشهر ؟! .
وقف على عتبة الباب وراح يحملق في و في أمي . .لعله كبيرهم . لمحت وجهه .. كان عابس الوجه طرطق بخيزرانه الأرض فتوقفت أمي عن الأنين .. كتمته و زمت فمها , أما أنا فلا زلت اصرخ صراخ مولود غريب الولادة ..
هدا ليس بمولود صاح و لي حارتنا –
كانت بجانبه إمرة بان لي سوى وشام على جبينها على شكل هلال و همت بتعنيف أمي الممدودة و الدم لا زال يسيح بين فخديها .. لا زالت تكتم وجعها خافت علي و ودت لو عاقبوها هي فقط .
هي لا تعرف عقاب من ولدت .. مولود يصرخ يهدا الشكل الغريب , لقد دوى كل الحارة . كان صوتي يسمع لكل من هو بعيد رغم أنهما أغلقا الباب و النافدة و راحا يهمسان و أنا أتحسس وجع أمي المكتوم بداخلها . كانت تأن .. كتمت كل أنفاسها حياتي بين يديها . أنا المسئول عن عاقبة أمي , لو ما ولدت يهدا الغرابة في الصوت . كنت لم ألف بعد بالرداء الأبيض ..كنت احلم من أمي أن تقمطني كباقي المولدين .. لكني خيبتها و أصل الخيبة كانت سوى صراخ كان أعلى من من سبقوني .
و الحل سمعت تلك المرأة تسأل ولي حارتنا ؟ –
كان قوي البنية .. عريض المنكبين زوى ما بين عينيه و رد : أرجعيه في الحين إلى بطنها تأوهت أمي , لفضت كل أوجاعها و ما عادت تقوى أن تكتم المزيد . بلمح البرق كان خيزران الولي ينغرس بفم أمي و رحت أنا المولود أزيد من صراخي و بدورها كممت المرأة فمي .. فساد الصمت و عاد إلى الغرفة الحالكة
ما ذنبي و ما ذنب أمي إن ولدتني بصراخ برئ .. أكانت لا تدري كيف سيكون صراخ مولدوها الأول ؟
خرج الولي و لف برنو سه بجنون حول جسده الفارع ..أما المرأة فهمت بالقيام بإرجاعي إلى بطن أمي . . كان رأسي بين يدي تلك المرأة يدفع بقوة داخل رحم أمي . و أصبح وجع أمي توجعان : مرة من التوليد و مرة عند إرجاع المولود . كانت تأن و تتوجع بشدة لم تقوى على معاركة يدي المرأة .. كانت قوية و من شدة وجع أمي و صراخها فاضت النافدة غيضا , فشرعت على مصراعيها .. أم الباب فكان تحت دقات متتالية كأنما طارق يطرطقه . لكن من ذا الذي يقوى على طرق الباب و الولي ينتظر عملية التبطين ؟
أنا المسئول عن وجع أمي لكنها تريدني أن أحيا . و لأني رحت أدافع عنها .. زدت في الصراخ حتى بدأ قش القصب يتهاوى و القرميد يتشقق . نصف رأسي بمهبل أمي .. بقى منه سوى فمي ــ هو نجاة أمي قبل نجاتي ــ . فرع الولي الباب و سمعت أمي تترجاه من داخلها : “لا.. لا توسلت لك بوالديك “. فجأة انقطع عني صوتها ..تذكرت حينما غرس أول مرة رأس خيزرانه بفم أمي . لكن هده المرة تعمد إسكاتها حتى الموت . تأكدت أن خيزرانه كان مثل ثعبان يتلوى داخل جحره . ماتت أمي .. كنت وحدي و مصيري بيدي .
ألان لا أم لي , سوى صوتي و صرخة غريبة جاء بها مولود غريب ولد بحارتهم . أخرجت كامل رأسي من مهبل أمي حينما كانت تعدم كان ولي الحارة يغرس الخيزران في فم المحكوم عليه ــ أمي ــ حتى الموت .. هكذا عرفت كيف كانوا يعدمون بحارتنا .. الحارة التي جئتها على عجل و بقدر مقدر من ولى الحارة ..
أسرعي أفتحي فمه نهر الولي تلك المرأة ــ
لقد حوكم على بالإعدام أنا أيضا و أنا لم اقمط بعد . راح الولي يغرس رأس خيزرانه بفمي لكن فمي صغير رأس الخيزران أكبر منه . جن جنونه , لا طريقة أخرى له لإعدامي هكذا توارثوه . ما حيلة الولي في إعدامي ؟ سيلعنه من ولوه ولاية الحارة و من يدري.. غالبا ما يحال هو أيضا على الإعدام بتهمة الفشل في إدارة شؤون الحارة .
سأعدمه بطريقة أخرى صاح بداخل الغرفة , فجأة بان خيط شمس من السماء تدلى الى الغرفة الحالكة من أثر سقوط قش القصب و القرميد الذي كنت السبب فيه
قوة هذا المولود في بلعومه الذي منه يخرج هدا الصوت المشين صاح الولي ثم ضرب بخيزرانه الأرض .
ــ ما بك تحملقي في هكذا صرخ الولي في وجه المرأة ؟
أرتعش جسد المرأة و ردت بنبرة الخادمة : كما يحلو لك
لعلك تعرفين أسرار الأولين و الذين يأتون من بعدي ..عاشرتيني و تعاشرين كل واحد منا .. لن أكون أول من يخالف سيرورة الإعدام بالحارة . كل ما اطلبه منك اليوم هو ان تقبلي طريقة حكمي لهدا المولود الغريب
كما تشاء زادت المرآة بخبث ــ
كنت لا زلت اصرخ .. حينما لقط الولي بلعومي بأصبع يده الشمال , انقطعت عن الصراخ و لمحت الولي يبتسم ..حق له أن يضحك مني : لقد غلب روح مشينة كادت أن تهوي بحكمه .
و أنا أموت بين يدي الولي ..خامرني سؤال : من أبي ؟ أكيد لم أآت لهاته الحياة بلا أب .. أمي شريفة . ساورني الشك و ما كدت أن اعدم بلا معرفة حقيقة أمي حتى ظهر طيف رجل وسيم الطلعة في العقد الستين . كان يطوف بكل الغرفة من غير أن يعي الولي و المرأة بوجوده . في لمحة من البصر بان على حقيقته: رجل فارع
القامة ببرنوس أبيض و كنبوش ناصع البياض يلف به رأسه
بهت الولي و صاح :” أنت ؟ ـــ لقد أعدمناك مند سنين . أما المرأة فتوالت إلى الخلف و صاحت بنفاق : أنا مغلوبة .. انا لا دخل لي
وسط الغرفة الحالكة و قف الرجل , بينما الولي أزاح يده من بلعومي من شدة الذهول , ثم زاد : روحك شريرة كروح مولدوك هذا .
صرخت لكن هده المرة صرخة شرف ..أدركت حقيقتي لقد جئت لحارتهم بأب و أم ..لست لقيط .. أنا رضيع هذه الحارة . راح أبي كملاك يطوف حول الولي و الولي بخيزرانه يضرب أبي فلا يصيبه ..كان يصيب سوى طيفه أما جسده فكان يحضنني و يبتسم لي . كانت المرأة قد أعطت رجليها للريح هربت من أول ما رأت أبي على حقيقته ..كانت شاهدة على إعدامه من غير حق .
كان الولي لا زال يعارك طيف أبي و كنت أنا اصرخ لكنه صراخ من شدة الضحك على حال الولي . لقد عاد يرقص بضربه للريح . حفر أبي قبرا بالغرفة بعدما أزاح كل قش القصب و القرميد المكسور .. كفن أمي ببرنوسه و قرأ عليها الفاتحة ثم دفنها .. لما أكمل الدفن راح ينشد نشيد ” قسما ” بانت السماء و معها قرص الشمس . بينما الولي لا زال على حاله يطارد أبي بخيزرانه حتى و قع من فرط الدوران حول نفسه . حل الليل و بان أول نجم مع هلال ساطع و أنا على حجر أبي و قد توقفت عن الصراخ . ألان أنا رضيع غير رضع ولي الحارة . على عتبة الباب كان جسده مرمى ..نصفه عاري تنهشه ذئاب تسحله إلى غيرناها ..
الغرفة منورة بنور الهلال ..الباب مشرع و النافدة بلا ضلفتين و أنا لا زلت بحجر أبي و أبي يبكي بكاء شديد على أمي المعدومة . ستة نساء دخلن الغرفة ..لفوني برداء ثم قمطوني و من ثدي إحداهن رحت أفطم أول قطرة حليب لي .
ــــــــــــــــــــــ
قاص من الجزائر
خاص الكتابة