رضوى عاشور: لم أقصد التأريخ لليهود في مصر في روايتي «قطعة من أوروبا» لكنهم كانوا جزءا من وسط القاهرة

موقع الكتابة الثقافي
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

 حاورها .. محمد أبو زيد

تهتم رضوى عاشور في ابداعها الروائي بالتاريخ على نحو خاص وعلاقته بالمكان، ووضعية المرأة، والقضايا السياسية والاجتماعية عبر لغة تستشف المستقبل من نوافذ الماضي والحاضر. كما يبدو اهتمامها الأكبر بالتجريب الابداعي على أكثر من نسق في اللغة، وفي البنية النصية، وفي الصياغة، وفي تناول الافكار أيضا المطروحة والمتداولة، ومن أعمالها اللافتة في هذا السياق «ثلاثية غرناطة» «أطياف» «تقاليد السيدة راء» «سراج» «خديجة وسوسن» «رأيت النخيل» و«قطعة من أوروبا» وغيرها.

وهذا حوار معها حول تجربتها الروائية وقضايا أدبية أخرى.

 

* هل حكمك قانون التداعي في كتابتك لروايتك التي صدرت حديثا «قطعة من أوروبا» وهل للتداعي منطق فني؟

ـ نعم حكمني قانون التداعي الى حد كبير في كتابة «قطعة من أوروبا»، ولكن في اطار وعي الشخصية بمعنى انه لم يكن تداعي افكاري أنا، ولكن حاولت تتبع تداعي أفكار شخصية الناظر، والنص قائم الى حد ما على (الباستيش) وهو نوع من القص واللصق كان يسمح لي بأن اضمن بعض الوثائق أو المعلومات التاريخية في إطار هذا التداعي، وفي اطار محاولة الناظر وهو الراوي المركزي في الرواية في محاولة كتابة حكايته في النصف القرن الأخير.

 

* ألاحظ في الرواية وجود العديد من تقنيات الكتابة الفنية، هل تعمدت ان يكون هنا تفاعل للأنواع الادبية خلال النص؟

ـ لا أتعمد شيئا وأنا أكتب، حتى ما قلته لك الآن هو معرفة تالية على كتابة النص، بمعنى ان هذا هو ما أراه الآن، وأنا أقرأ النص بموقع القارىء لكن في أثناء الكتابة يحكمني قانون التجربة التي أسعى للاحاطة بها. أحيانا أتوقف طبعا، وأتأمل اذا كان هذا المسار قابلا للاستمرار وأعتقد ان الكتابة بمعنى من المعاني هي الاصطدام بما يجري وإيجاد حلول له، أقصد بالمشاكل على مستوى الشكل وبنية النص والصياغة، ليس بالمعنى اللغوي ولكن بالمعنى الفني، والحلول لا تأتي دائما بشكل واع ولا بشكل قرار ولكن جزءا كبيرا منها يكون تفاعلا داخليا.

 

* المقارنة بين شخصية الناظر في قطعة من أوروبا الذي نشأ في منطقة وسط القاهرة وأرخ لها، وشخصية د. رضوى عاشور التي نشأت في المنيل القريبة من وسط القاهرة، تجعلني أتساءل ما هي مساحة التخييل الموجودة بين ذاكرة د. رضوى عاشور وذاكرة الناظر؟

ـ تساءلت في لحظة ما وكنت قد قطعت شوطا لا بأس به في الرواية إن كانت هذه رواية أم لا، الآن من موقفي كقارئة للنص أعرف أنها رواية لسبب بسيط، أن الناظر شخصية متخيلة تماما، وبالتالي فهو الذي يحمل الرواية، واشترك معه في أشياء، ولا أشترك في أخرى، أولا هناك فارق سبع سنوات في العمر بيننا، وقد أتاح لي ذلك ان اجعله مشاركا ومشاهدا لاحداث كنت أصغر من ابنته لها، هذه واحدة، الأمر الآخر ان الناظر انسان وحيد تماما متفرغ لألمه وهو شخص متقاعد مقعد يعيد النظر فيما مر به، لأكثر من نصف قرن، وقد مكنني انتقالي للسكن في منطقة وسط البلد منذ ست سنوات من معاينة المكان مما ساعدني على الوصف والانتباه، وحرك في ـ ربما ـ هذه الرغبة للتأريخ لهذه المنطقة. لذلك تخيلته هو ابن المكان يعيد النظر فيه، وابن لمشروع لم يكتب له النجاح ويعيد النظر فيه، وأحيانا الآن أمشي في الشوارع أو أصل الى ميدان التحرير وأجد نفسي أقول الناظر كان سيرى هذا الشيء بهذا الشكل، أو لماذا لم اضمن هذا المشهد في الرواية، المؤكد انني أحس أني أعرف الناظر وأنه شخص آخر له حضوره، قد أكون وفقت في هذا، أو لم أوفق لكن شخصية الناظر داخلي حاضرة وحية، هو ليس رضوى عاشور ولكن قد نشترك في أشياء كثيرة.

 

* هل سعيت من خلال روايتك في بعض مناطقها للتأريخ لتاريخ اليهود في مصر؟

ـ لا، لم أسع للتأريخ لتاريخ اليهود في مصر أو اليهود المصريين والوافدين من اليهود الاجانب، لكن اكتشفت وأنا اكتب عن وسط البلد ومشروع «قطعة من اوروبا» ان اليهود لعبوا دورا في هذا المشروع واستخدمت القوة الاستعمارية اليهود المصريين في هذا المشروع وبالتالي بدا لي ان قصة اليهود في مصر في النصف الثاني من القرن التاسع عشر الى بداية النصف الثاني من القرن العشرين كانت جزءا من الحكاية.

 

* يبدو المكان حاضرا وبقوة في مشروعك الابداعي بشكل عام، وتجلى هذا في رواية «قطعة من أوروبا» هل قصدت فيها الكتابة عن وسط البلد كمكان؟

ـ ربما لم يكن هذا منطلقا مقصودا أو واعيا، أو ربما لم أكن أعي هذا تحديدا، لكني ألاحظ انني منذ روايتي الأولى «حجر دافئ» منشغلة بتفاصيل المكان، وهذا هاجس ملح علي ولا أرى المكان إلا في سياق تاريخ بعينه، في «حجر دافئ» المكان يحتل حيزا واضحا، وفي «غرناطة» وأيضا في «قطعة من أوروبا»، لأن المكان هو جزء من التاريخ المجسد لأنه أيضا ليس طبيعة أبدية، بل تاريخ، عمران، بنيان، المكان حكاية بشر في لحظة بعينها من التاريخ.

 

* في روايتك «سراج» لماذا لجأت الى ان تدور الأحداث في جزيرة متخيلة مع ان هناك أماكن حقيقية أخرى، وأحداثا تاريخية معروفة؟

ـ الرواية تقوم على لعبة، حيث أنني أصور مكانا متخيلا، وفي خلفية المكان المتخيل ارى تاريخا فعليا، وأخلق علاقة بين المكانين، في المتخيل جزيرة أتصورها في مكان ما بين شاطئ زنجبار واليمن، والزمان في الثلث الأخير من القرن الـ19، وفي جزء من الرواية احداث قصف الاسكندرية وهو حقيقي، اردت من خلال المكانين المتخيل والتاريخي كتابة (حكاية) لاتزال نعيش بعض تنويعاتها حتى الآن، وضع الاهالي المحاصرين بين مطرقة الغزاة وسندان الحكام الطغاة، هي محاولة للاقتراب من الحكاية القديمة والتحرر بشكل أو بآخر من شكل الرواية.

 

* عن تجربتك في الكتابة كتبت تقولين ان تراثك هو تراث الموءودة هل تبدو هذه الفكرة جوهرية بالنسبة لك عند الكتابة؟

ـ تراثي هو تراث الموءودة بالمعنى المجازي، والضغوط التي تتعرض لها المرأة ضغوط كبيرة، وفي طفولتي وشبابي المبكر لم يكن مقررا تماما أنني سأتمكن من اكمال تعليمي، ولكن كان واردا جدا ان تتزوج الفتاة وهي في سن 16 عاما، وهذا جانب، الجانب الآخر ان الوأد تجربة نعرفها جيدا نحن أبناء المستعمرات الحالية والسابقة، نعرف الوأد في تجربة محمد علي، ونعرف الوأد في تجربة عبد الناصر، وفي وضعنا كشعوب عربية تريد الحرية والتقدم وتواجه دائما بالكثير من العقبات والقيود، فأنا أتحدث عن الوأد من منطلق المرأة، ومنطلق كوننا ننتمي الى العالم الثالث.

 

* اذن لم يكن هذا إحدى صيغ الخطاب النسوي السائد؟

ـ هناك أشكال متعددة من الخطاب النسوي، وهناك تبسيط مخل أحيانا ووعي سياسي في أماكن أخرى، هناك خطاب نسوي قائم على التركيز على جسد المرأة، وهناك خطاب نسوي آخر يضع في الاعتبار الواقع السياسي والاقتصادي والثقافي…إلخ، وأنا لا أنظر الى نفسي بصفتي نسوية بالمعنى الدارج لكن المؤكد أيضا انني شديدة الوعي بوضعية المرأة وبحقها في تغيير هذه الوضعية، وأخشى من أن بعض الاتجاهات في الخطاب النسوي تسعى للتعمية على قضايا أخرى في المجتمع، وبالمناسبة هذا ما حدث مثلا في الولايات المتحدة في وقت من الأوقات حيث كان الحديث عن الخطاب النسوي أداة لسحب البساط من تحت أقدام الخطاب التحرري للأفارقة الاميركيين، لكن آمل ألا يفهم من كلامي انه من غير المفيد ان تظل هناك أصوات تدافع عن حقوق المرأة، وتحمي امكانيات نموها وتقدمها وانجازها.

 

* لماذا اعتبرت كتابك «الرحلة ـ أيام طالبة مصرية في اميركا» ورشة لكتابة الرواية؟

ـ اعتبرته ورشة لانه كان محاولة أولى لي للكتابة، قلت أتعلم كيف أكتب، وكانت المهمة أكثر يسرا لانني كنت اسجل تجربتي كطالبة في الولايات المتحدة الاميركية، وهناك جانب آخر أفضي لك به الآن وهو أنني كنت خائفة من الكتابة، خائفة من طرح نفسي كروائية، وخائفة من قدرتي على عمل نص جيد، قلت أحاول في هذا الكتاب كتابة سيرة حدودها معلومة، ومشاكلها أقل، وحدودها واضحة، فتعلمت منها ان أكتب عملا ممتدا، وكان نوعا من التدريب على الكتابة ذات النفس الطويل وتعلمت كيف أجسد مشهدا، وكيف أتعامل مع الزمن، وكيف أطيل، وأنا أكتب مشهدا لم يستغرق سوى دقائق قليلة، وكيف اختزل وأنا أتعامل مع شهور أو أسابيع، وعندما انتهيت منه اكتسبت ثقتي في نفسي.

 

* في رأيك فيم تختلف روايتك «ثلاثية غرناطة» عن «ليون الافريقي» لأمين معلوف، وفي «ظلال الرمان» لطارق علي، خاصة انهما كان يشتغلان على الحدث نفسه؟

ـ للنقاد أن يقرروا مساحات الاختلاف على مستوى الشكل أو مستوى القيمة، لكن أنا أختلف عند جانب واحد، أمين معلوف ابن المهاجر ويكتب تجربة المهاجر، وأنا ابنة المكان أكتب تجربة مختلفة، وهذا فارق أساسي جدا، طارق علي أيضا هو ابن المهاجر فهو باكستاني يعيش منذ شبابه في انجلترا، ويكتب بالانجليزية، بينما يكتب أمين معلوف بالفرنسية ويتوجه كلاهما لقارئ أجنبي في المقام الأول، ونعرف ان اللغة ليست مجرد أداة للتوصيل ولكن هي أيضا العنصر الأبرز لهذه الثقافة التي نراها تقمع وتضرب بعنف في تجربة الرواية، للأسف لم يتوقف النقاد أمام هذا المعنى لاستخدام اللغة في الرواية وقد كتب الكثيرون عنها، وبدا لي ان اللغة العربية بمختلف مستوياتها من تراث العرب، وبعض الاقتباسات من الآيات القرآنية الى الحكايات الشعبية، وما بينهما من المستويات هذه اللغة بثرائها وتنوع مستوياتها ونفيها بتحريمها هي موضوع الرواية.

 

* بالنسبة للغة، ألاحظ أحيانا في الثلاثية التي تدور أحداثها في الاندلس استخدامك أمثالا شعبية مصرية متداولة، هل قصدت هذا؟

ـ كنت في محاولتي لتمثيل حياة العاديين من البشر أحاول أحيانا أن أدرج أمثالا شعبية وتعبيرات دارجة وكنت أحيانا أستمد هذه التعبيرات من التراث الشعبي للعديد من الدول مثل مصر، وبلاد الشام، وفلسطين، والمغرب، وكنت بهذا النسيج أحاول التعبير عن حياة هؤلاء الشعبيين.

 

* يبدو موقف موت «مريمة» في ثلاثية غرناطة اسطوريا، ومؤثرا في النفس، هل سعيت الى «أسطرة» هذه الشخصية؟

ـ لا أدري ولكن هكذا رأيت المشهد، حين ماتت «مريمة» في الجزء الثاني من الرواية كنت قد عايشتها وارتبطت بها الى حد أن موتها جاء هكذا مؤثرا وقويا، ويبدو أن حضورها كان قويا لدرجة ان موتها لم يذهب بها، فوجدت ان الرواية تعود لها مرة ومرة وحتى السطر الأخير من الرواية «لا وحشة في قبر مريمة».

 

* كنت أريد أن أسألك عن تفتيت الشخصيات في «ثلاثية غرناطة» حيث نجد في الجزء الأول شخصيات كثيرة، قلت في الجزء الثاني، ولم يبق منها سوى شخصية واحدة في الجزء الثالث لماذا؟

ـ هذه رواية تتعامل مع نفي وقمع شعب، وتتحدث عن التضييق على عرب الاندلس وتحويلهم من شعب حاضر وله سلطته وكيانه الى مجتمعات هامشية عليها أحد خيارين، إما الهجرة أو الاختفاء في الزوايا، وفي الثقافة السائدة. وبالتالي كان من الطبيعي أن نرى في الجزء الأول وبعد صدور قرار تسليم غرناطة مباشرة الأسرة ممتدة وكبيرة، وان تختزل هذه الأسرة، وهي تمثل الجماعة في تلك الحقبة لعدد أقل حتى نصل الى الجزء الأخير فلا نرى إلا شخصا مفردا، وهذا أيضا ينعكس على حجم أجزاء الرواية، حيث الأكبر الأول، ثم الثاني، ثم الثالث، وبهجة الجموع تحت وطأة النفي والاخفاء تظل تتناقص، و«علي» في نهاية الرواية يبدو على وشك الرحيل، ثم في السطور الأخيرة يعطي ظهره للبحر ويمشي مبتعدا، انه يبتعد الى داخل بلاده، بل يذوب فيها، وهذا لا يقال في الرواية، لكنه يفهم، سيذوب في هذه البلاد، وسيظل كوجود عربي له ثقافته المرئية، شرط وجود «علي» بعد الترحيل النهائي كما ان شرط وجود العربي هو وجود خفي كحضور السكون، فالعربي في الثقافة الاسبانية المعاصرة موجود وهو طبقة من الطبقات الجيولوجية.

 

* في استهلال الرواية، هل قصدت التوازي بين المرأة العارية والتي لم تظهر الا في مشهد واحد عابر وبين سقوط غرناطة؟

ـ للعري في الثقافة ايحاءاته السلبية، وحدث ان بدأت في هذه الرواية بعد قصف بغداد سنة 1991، كنت اجلس هنا في القاهرة أمام التلفزيون أشاهد القصف، ورأيت امرأة عارية، وقد تستغرب ان هذا المشهد أتاني ولم أكن أفكر في غرناطة، لكن الخوف مما هو مقبل في ذلك الزمان دفعني للكتابة، الخوف من الاندثار، من الانقراض هو الذي دفعني للبحث عن المراحل التاريخية المشابهة، كان هذا الخوف مقبلا فبدأت أقرأ عن سقوط غرناطة، ولم أكن اقرأ بهدف الكتابة، وانما لأعرف ما الذي يحدث، قرأت كل ما أمكنني الحصول عليه، أقرأ لأنني قلقة وخائفة، وأريد أن أعرف، وبعد أكثر من سبعة أشهر فوجئت أن داخلي كتابة، وأنني على وشك كتابة رواية، وعندما جلست للكتابة وجدتني أرسم المشهد الذي رأيته بعيني في ذلك اليوم من أيام أواخر يناير سنة 1991، وأنا جالسة أمام التلفزيون أشاهد قصف بغداد، وكأنها صورة تطير، أو كأن المرأة العارية تشي بهول مقبل.

 

* ربط العديد من النقاد بين دلالات سقوط غرناطة التي رسمتها في الرواية، وبين ما يحدث الآن في فلسطين، مارأيك؟

ـ لا على مستوى الوعي لم أكن أفكر في فلسطين على الاطلاق، وسئلت عن هذا من قبل أكثر من مرة وكنت أنفي بشدة، لكن الآن، وبعد مرور ما يقرب من عشر سنوات من نشر الجزء الأول من الثلاثية أعرف أن فلسطين كانت حاضرة في الوعي العميق، وأنني في نهاية الأمر، وأنا أتعامل مع تاريخ قديم، كنت أتعامل معه من موقفي أنا، كامرأة عاشت مجريات النصف الثاني من القرن العشرين، وفي مركزها الأمر الفلسطيني، وكانت الرواية هي نتاج لاحداث مرت منذ 500 عام، وبعين تشكلت في الحاضر.

 

* على أي أساس يتم اختيارك للمنطقة التاريخية التي تكتبين فيها؟

ـ قد تتعجب أنني لا أختار، فقد أجد نفسي مهتمة بفترة ما، وقد تأتي فيها كتابة وقد لا تأتي، وأنا الآن أقرأ في مرحلة معينة، ولكني لا أعرف ان كانت ستأتي بكتابة أم لا، فإن لم تأت أكتفي بمتعة المعرفة.

 

* أقصد، هل تتهيئين للكتابة، بالقراءة؟

ـ أتهيأ للكتابة بالقراءة عموما حتى وأنا أكتب رواية سيرة. في «أطياف» كنت أقرأ كثيرا عن تاريخ مصر الحديث، وليس بالضروري ان أستخدم ما أقرأه، ولكن توسيع المعارف مهم، وكل الروائيين الجادين يوظفون قدرا من البحث في كتابتهم الروائية.

 

* حسنا، هل كل ما في التاريخ صالح للكتابة؟

ـ لا أدري، المؤكد ان المرء يستطيع أن يتناول أي مرحلة متصلة بحدث ما، على أن تكون الصلة ذات دلالة، وان تكون الصلة أصيلة، وألا يكون اختيارا ذهنيا بالمعنى السلبي.

 

* ألاحظ ان الكتابة عندك تخفي دائما هما سياسيا هل تلجئين الى الكتابة عن التاريخ كقناع ايديولوجي؟

ـ اذا كانت الكتابة مجرد قناع ايديولوجي فلا بد أنها رديئة جدا، وبالمناسبة ففي كل كتابة قدر من الايديولوجيا، لكن اختزال الكتابة الى مجرد ايديولوجيا يعني قتلها وتحويلها الى أفكار غير أدبية. النص الأدبي عندي ـ فيما أعتقد ـ نص متعدد المراكز ومتعدد الأصوات ويحتمل التناقض والتشطي ويحتمل أشياء كثيرة، فالقول بأنه ايديولوجيا مقنعة يعني افقاده ثراء الفن والعديد من العناصر المشكلة لهذا الثراء، أما القول بأني مهمومة سياسيا فهذا حقيقي، وهو بالمناسبة قاسم مشترك بين كتاب عديدين في الداخل وفي الخارج.

 

* يرى البعض ان مجموعتك «تقارير السيدة راء» تقلد وتشتبك في بعض تجلياتها مع الأفكار التجريبية لميلان كونديرا، ما رأيك؟

ـ لم أقصد أن أكتب تقليدا لأحد، لكن بالمناسبة اختيار العنوان بأنه مجموعة قصصية ليس لي بل للناشر، فلو أسميتها رواية فهذا غير دقيق، وكذلك لو قلت انها قصص فلن أكون دقيقة أيضا، ففكرت في استخدام التقارير بشكل فني، ربما انطلاقا من الاحساس بأن جزءا من مهمتنا تقديم شهادة على ما عشناه، وتستغرب ان «راء» لم ينته كلامها بانتهاء التقارير بمعنى انه في مرات كثيرة تراودني راء ويبدو أنني قد أعود إليها لاستمع منها الى تقرير مطول عن شيء ما. وبالتالي فلو تلاحظ هي شخصية لها نفس الوجدان والنظرة وان تعددت أوضاعها في التقارير المختلفة، ففي لحظة راء أكاديمية، وفي لحظة أخرى راء انسانة بسيطة، وفي لحطة أخرى راء لها عشرة أطفال. فهي إذن قد تأتي لنا من مواقع مختلفة لها نفس الوجدان والنظرة.

 

* هل هناك تماس بين شخصيتي رضوى عاشور، والسيدة راء، بمعنى هل يمكن اعتبار بعض التقارير سيرة ذاتية لك؟

ـ لا، بعض التقارير فيها عناصر سيرة ذاتية، وفي التقرير الأخير عندما أشرت الى اسم ابني تحديدا أردت أن أربط نفسي براء، بمعنى أن أقول انني أيضا مثل راء، بما ان راء متعددة وواحدة في نفس الوقت، فأنا قد أكون راء أيضا في لحظة من اللحظات، وقد تكون رضوى هي راء في تقرير ما، ولكنها في تقرير آخر شخص آخر تماما، الاثنتان تشتركان مع «الناظر» في الارتباك العظيم تجاه الواقع المربك تماما.

 

* أريد أن أعرف مفهوم التجريب لديك في الكتابة خاصة أنك في تقارير السيدة راء تطرحين العديد من الافكار مثل فكرة أن تكون هناك أكثر من فكرة للنص، أو التمرد على فعل الكتابة، أو السريالية؟

ـ أنا لا أتوخى التجريب كنقطة بداية، وأبدأ عندما أريد الكتابة عن شيء ما، تجربة ما، فأجد نفسي اتجه الى شكل ثم أشعر بخوف مباغت، وقد يكون متفقا عليه كشكل للكتابة، أفزع لبعض الوقت وأتوقف، ثم حين أواصل اكتشف انني في حاجة لهذا الشكل الجديد وساعتها أشعر باطمئنان نسبي لأنني أنتبه الى أن ما بداخلي يحتاج هذا الشكل للتعبير عنه، وأذكر أنني وأنا اكتب «أطياف» بدأت أكتب عن شخصية اسمها «شجر» ثم وجدت نفسي أكتب عن نفسي ثم أعود لشجر فارتبكت وتحدثت بعد ذلك مع ابني، قلت له أنا لا أدري ما هذا الأمر هل أنا أكتب رواية عن امرأة اسمها شجر أم أكتب سيرة ذاتية فقال لي: ربما تكتبين عن الاثنتين معا ما الضير أليس هذا ما وجدت نفسك تكتبينه، لذلك أدين لابني بتشجيعي على التجرؤ على هذه المغامرة، وفعلا كتبت نص سيرة قائم على امرأتين، واحدة هي رضوى اؤرخ لحياتها والثانية هي امرأة متخيلة اسمها شجر، ومزجت بين الاثنتين، وكان النص فكرة ابني التي جاءت بشكل تلقائي وشجعتني ولست نادمة على تلك التجربة.

 

* مع انك ناقدة، وأكاديمية، إلا انك تسخرين في «تقارير السيدة راء» من حالة الكتابة، والنقد، والرطن بالمصطلحات؟

ـ وما الضير من السخرية من نفسي حتى، هذه السخرية تعبر عن انزعاج حقيقي من المساطر النقدية الغبية بمعنى انه في موضوع النقد لا أتدخل من موقع غير العارف، بمعنى أني أدرس مادة النظرية النقدية لسنوات طويلة، وبالتالي حين أرفض المساطر العمياء ليس من موقع عدم المعرفة، انما من معرفة ورفض للقيود، ورفض لنقل النقد الاجنبي بغباء لأن هذا يؤدي الى كارثة، والركض وراء الموضة مزعج.

 

* بالمناسبة، لماذا تقارير؟

ـ تصورت انه يمكن توظيف شكل التقرير في كتابة فنية، ولذلك كما أسلفت وصفها بأنها مجموعة قصصية وصف خاطىء، هي تقارير، وكأن راء في كل تقرير من هذه التقارير تقدم شهادة عن واقعها، ولم يخطر ببالي لحظة الكتابة ما سأقوله الآن ولكنه خطر فجأة، ولا وجه للمقارنة على الاطلاق، إن أعظم تقرير كان السيرة الذاتية لكازانتزاكس وفي عنوانها لفظة التقرير.

 

* في كتابك النقدي «الطريق الى الخيمة الأخرى»، هل كتبت عن غسان كنفاني منطلقة انه مناضل سياسي أم مبدع؟

ـ اعتقد أنني وضعت في الاعتبار دوره السياسي وموقعه في المقدمة ثم تناولت أعماله الإبداعية تحليلا، وارتباطا بالسياق، وهذا عمل مبكر لي.

 

* دكتورة رضوى.. شكرا لك على هذا الحوار المشوق

 

مقالات من نفس القسم