كان اللقاء يبدأ حال دخولي، بابتسامة، أجدها أكثر إشراقاً في كل مرة، ثم يأتي فنجان القهوة (القد قد)1، وقطعتي كعك مالح، لمعرفتها بتفضيله عن الحلو، ومع رشفة القهوة الأولى أنتهي من خبري، الأول، وتبدأ هي.
وكما في كل مرة، بعد ساعة، تقوم لترفع القهوة، وتحضر شيئاً لأكله، وفي العادة يكون خفيفاً، ومما تخبزه، وفي الغالب فطائر محشوة، مثلثة الشكل، ذهبية اللون، تسبقها رائحتها، شهية ومقرمشة. حيث تعيد تشكيل خيط الحكاية وهي تمد أول قطعة:
– هي مد إيدك.. تفضل.
ألفت الحكاية. عشقتها، أدمنتها، وصرت في كل مرة، أبتكر حيلاً أوازي فيها مسارب السرد، فتارة أسرج خيولي في سهول الحكي، وتارة أشرع جناحي، وأخرى أكون البطل، بطلها.
*
– لم يتغير شيء.
تقولي لي، إن الانتظار أتعبها، وهي تخاف أن تلحق به، قبل أن يتحقق حلمه، حلمها.
– كيف؟، أكثر من ثلاث سنوات، وما صار شيْ.
أصمت. فالإجابات التي أملك لن تزيدها إلا حزناً، وهماً وغماً، وشعوراً بالخيبة والإحباط. عندما كانت تخرج للشارع مستفسرة عن أصوات الفرقعة، يجيبها الجيران:
– هذا عرس في الشارع التاني، والشباب يطلقوا في الألعاب النارية.
فكانت تبتسم:
– إن شاء الله ديما أفراح، وعقبال الشباب كلهم.
*
– لم يتغير شيء.
لكنه يوم (20 رمضان)2، أخبرها إنه خارج للتغير، ولرفع الظلم، ومحاربة الطاغية، وأنه وأصدقائه، كانوا في انتظار هذا اليوم طويلاً، وأن النصر صبر ساعة، والعيد سيكون هذه المرة مختلفاً، لأنه سيستمر.
– في حفظ الله يا وليدي. رد بالك على روحك، وخليك مع اصحابك.
كانت ترفع صوتها، لتغلب صوت الرصاص، ولكي يصله.
*
وكأنها مؤقتة. مع وصولها لنهاية الحكاية، يكون صحن الفاكهة قد حضر، حيث أعرف أنها تريد الهروب من خاتمة الحكاية، في تفاصيل التقطيع والتقشير والتقديم، قبل أن تقول جملتها:
– الله غالب.
أرد بتقريرية:
– الله غالب.
أجمع ما وصل مني، أميل عليها:
– ربي يحفظك.
عند نهاية الشارع، تقابلني جملة خطها شباب الحس: شارع الشهيد “محمد عبدالله”.
__________________
1- القد قد: أي قهوة معتدلة الحلاوة.
2- 20 رمضان، الموافق 20-8-2011 انتفاضة طرابلس وتحريرها.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
رامز رمضان النويصري – ليبيا
اللوحة للفنان: ماكس ارنست