ربع دستة أشرار

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 11
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

عبد العزيز دياب

وسادة شريرة

   يمكننا تجاوز الحديث عن الوسائد التي تناحرت في جوف الليل بطرق تقليدية تجاوزت الشبيحة في رفعهم للسيوف والخناجر، تشاجر عنيف دون التحام، دون جرح واحد أو إسالة نقطة دم واحدة، البطل فقط هو القطن المنتوف الذي تفتح من جوانبها المترهلة، أما عن رقصة “التانغو” التي أدتها وسادة ذات لون بنفسجي في جوف الليل في حضور كل مفردات الحجرة يمكن تجاوز الحديث عنها هي الأخرى، وعن كل حركات التحرش التي كانت ليلتها.

   كل ذلك يمكن تجاوزه أمام ما توصلت إليه- بخصوص الأحلام- من تصنيف دقيق للوسائد في بيتي: الوسادة الصفراء المخملية تمنحني فرصة حقيقية للسفر- داخل الحلم طبعا- عن طريق عربات القطار السياحي، وثمة نادل في كل مرة يترك أمامي مجلة أتصفحها بملل فأكتشف أن بها صورتي وأنا في ريعان شبابي، أخرج من الحلم ولا أعرف لأى سبب قامت المجلة بنشر صورتي.

   أما الوسادة الحمراء المنتفخة بشكل مبالغ فيه بمجرد أن أضع رأسي عليها أجدني في حانة أعاني من حالة سكر تجعلني أتطوح وأهذى بكلمتين: تَكَاثَرَ الذباب… تَكَاثَرَ الذباب يا ولاااااد الكلب، بعدها تنتابني لحظة إفاقة كاشفة فأرى أن ضحكات الرفاق سخية ورجراجة، فأحلم أنني كنت أحلم ولا أصحو من نومي.

   كل وسادة تضعني في حلم لا يتغير، وإن كانت تشوبه تغيرات ليست جوهرية، إضافات غير مخلة تعتري مجريات أحداثه، أو تآكلها دون أن تتغير أو تهتز رسالته، كل وسادة لها حلمها.

   وسادة واحدة من وسائدي هي التي تضعني داخل كابوس مزعج رهيب بمجرد أن أضع رأسي عليها، هي الوسادة الزرقاء المهترئة، قمت باستبعادها تمامًا بعيدًا عن متناول يدي، في المرة الأخيرة كاد الكابوس أن يقتلني، وذلك الرجل الذي يحمل بيمينة السكين شرسة لامعة تخطف الروح يتصدى دائما لقتلى، لا أكون بعيدًا عنه، إنما أكون في قبضته العفية، عيناه ضائعتان وعضلات وجهه تختلج، لا أعرف بأي شكل كانت ستعمل السكين في جسدي لأن يقظتي الحميدة انتشلتني من جبروته.

   لا يتغير الكابوس، لا إضافة لأحداثه غير أن عيني الرجل في مرة أخرى من حضور هذا الكابوس كانت أكثر ضياعًا، وعضلات وجهه التي تختلج أكثر انتفاخًا، فها أنا اكتفى بتجنب هذه الوسادة الزرقاء المهترئة، ولأنني على يقين تام بأن فنجان القهوة يمنحني أفكارًا عبقرية أحل بها أزماتي فقد شكلته على نار هادئة، وضعته أمامي على الطاولة في الشرفة وأنا أمتص سيجارةً امتصاصًا جميلًا أوصلني إلى الفكرة الشيطانية بأن أهدى وسادتي المهترئة الزرقاء إلى صديقي اللدود. الحسود ميكافيللي النزعة، شيطاني الفكر والتوجه، صاحب المؤامرات الدنيئة والحيل الرخيصة، ربما جاءه نفس الكابوس، وربما قتله صاحب السكين قبل أن يصحو من نومه.

   ولكي يقبل منى الوسادة المهترئة الزرقاء، قمت بتزيينها وصقل ملامحها، تقبلها منى قبولا حسنًا وأنا أعرف أن الثعابين ترمح برأسه إلى أن يعرف لماذا وسادتي صارت هدية له.

   التجربة العملية هي الحكم، والمعيار، والمقياس، والكلمة الأخيرة، إيمان ذلك الصديق بتلك الحقيقة لا يقل عن كراهيته لنفسه والمجتمع والناس، ليلتها وضع رأسه على الوسادة ورأى ما رأى، لكنه خرج من حلمه سليمًا معافى، طيب الأنفاس.

   جاءني يزف تفاصيل حلمه، الكابوس صار حلمًا، قال: أهديت سكينًا مصقولة ولامعة لرجل كريه، عيناه ضائعتان، وعضلات وجهه تختلج، ترجرجت صورته في الحلم، كان على عجلة من أمره ويود مغادرة المكان، سألته إلى مكان تود الذهاب؟

   لم يرد على، لكنه كشف عن نفسه عندما كان يهبط بنصل السكين إلى صدرك، تأملني الصديق كثيرًا قبل أن يقذف بسؤاله في حجري: هل استطاع أن يقتلك؟

 

أمنيات شريرة

   ساعة غروب الشمس كتب في الورقة أمنياته:

   “أود أن تزداد قوتي وتنتفخ عضلاتي”

   “أن تحبني البنت مروة….”

   أن يكون لي هذا البيت”

   يقصد بيت “أركان” العتيق المغلق منذ أكثر من خمسة عقود على الأسرار والحكايات ولم يفتح مرة واحدة، كور ورقة وقذفها من فوق الأسوار إلى الحديقة، مثله مثل غيره من فتيان وفتيات، شبان وشابات، رجال ونساء هذا الحي، اعتقادًا منهم بأن أمانيهم ستتحقق، لكن ذلك الشاب فارع الطول عريض الكتفين، منتفخ العضلات كان يفكر في غموض البيت وهيئة صاحبه أركان بوجه يزداد احمرارًا مع الطربوش وشاربيه الغليظين المبرومين، يقف إلى جوار زوجته الجميلة “روسلين” هانم وهى تطل من الشرفة كل صباح فيكون ذلك فأل خير للحى كله.

   ذهب الشاب كمخبر سرى يبحث في أمنية واحدة تحققت، لم يجد إلا أقوالا تشاع يقتلون بها الوقت عن النواصي وقارعات الطرق، في المقاهي والدواوين، وأن صورة أركان باشا وزوجته روسلين هانم التي احتلت بعض صالونات البيوت وواجهات المحافل ما هي إلا صورة متخيلة أبدعها أحد الرسامين مر بالحي واستفزته حكايات البيت.

   لم يصبر الشاب أكثر من ذلك، فقد استطاع بعدة ضربات بكتفه وبنيانه القوى المتين أن يفتح باب الحديقة، كان ذلك إمْعَانًا في كشف غموض البيت الذى اعتبروه مستودع أمانيهم، لكنه وقبل أن يدخل خرج من حديقة البيت وحش رهيب زأر وكشر عن أنيابه، خرج إلى الشارع يطارد الجميع، يطارد أمانيهم، يدوس بقدميه حكاياهم، فيما كان عجوز يقهقه، يحاول ترويضه ويقهقه، هذا لأنه الوحيد الذى كان يعرف أنه وحش من ورق، وأن أمنيات أهله المكتوبة على ورق واستقرت هناك وراء سور البيت كانت في أغلبها شريرة. 

 

     ذراعي الشرير

   أنا بلا فخر أحد القائل الذين استطاعوا كبح نزعة الشر والإجرام بداخلهم، كان حفي بي أن أكون من عتاة المجرمين لأنني وقتها كنت سأتمتع بفضيلتي الجسارة وحضور الذهن، بهما استطيع أن أقود جيشًا من المجرمين تحت إمرتي، لكنني قبل أن أخطوا خطوة واحدة في تلك الطريق الغامضة كنت استحضر النهايات البشعة والمأساوية لأسماء رنانة وحاضرة من عتاة الإجرام في ذهن العامة، فانعكفت على ذاتي أهذبها. أرودها حتى استقامت على الطريق الأخرى، لكن المشكلة كانت في ذراعي الشرير، وأقول الشرير لأنني لم استطع أن أروده، هو الأخر تمتع بفضيلتي الجسارة وحضور الذهن استطاع بهما أن يقود جيشًا من الأذرع الشريرة التي فارقت وهجرت أصحابها للشر، كان يعود إلىَّ في نهايات الليالي حاملا ما كانت تهفو إليه نفسى التي كانت شريرة ذات يوم.

مقالات من نفس القسم