أيمن مصطفى الأسمر
(1)
تمر بك أحداث غريبة، تسمع أصواتا صاخبة وترى مشاهد متداخلة، فلا تعرف أهي واقع أم خيال؟ حلم أم يقظة؟ لكنها تتوالى ولا تتوقف، فيلتبس عليك كل شيء .. ويتوه عنك كل شيء، وتتبدل أحوالك في كل يوم وليلة عشرات المرات، فتفقد اليقين ويملأك الشك، فتبقى مشدودا إلى أحداثك، مصغيا إلى أصواتك، محدقا في مشاهدك، لعلك تخرج منها بشيء يعيد لك اتزانك وسكينة نفسك.
(2)
تتابع الرؤى وتتقاطع، تعيش وقائعها كأنك لم تعش من قبل، وتفجؤك شخصياتها بما لا تتوقعه، تخرج من مغامرة لتدخل في أخرى، فلا تعرف متى يتوقف هذا السيل المنساب من حكايات الفزع والدهشة، لكنك تستشعر أن وراء الأمر شيئا جللا، فتسلم به وتستسلم له، وتكتفي بالمشاهدة على مهل، فلعل الانتظار يؤتي أكله.
(3)
يدهشك تسلسل الأحداث، وتعدد الشخصيات، وغرائبية المشاهد، تكتفي بالرؤية والتفكر لكنهم لا يكتفون، يطرحون عليك الأسئلة تلو الأسئلة، ويحاصرونك بالحكاية تلو الحكاية، فها أنت في بيوت العائلة جميعها، المهجورة والمعمورةـ، على اختلاف الأماكن والأزمنة، فتشارك رغما عنك طرفا أصيلا في حكاياتهم، يحملونك أوزارا، ويتلذذون برؤيتك حائرا قلقا، تبحث عن الإجابات وتفكر في الحلول، تلتمس الأعذار، وتختبر النوايا، علك تدرك يقينا مراوغا يتأبى عليك، ولا يفصح لك عن أسراره أبدا.
(4)
أمك وأبوك يصاحبانك دائما، منذ مولدك وحتى رحيلك، ورغم رحيلهما قبلك .. إلا أنك تراهما وتسمعهما أكثر مما كنت تفعل قبل رحيلهما، يسألانك ويعاتبانك، يفضيان لك بأسرار الموت والحياة .. الحجر والبشر، يفتحان لك سككا مغلقة، ويرشدانك لتتجاوز عقبات الأمس والغد، وأنت كالمسحور أو المنوم لا تملك إلا أن تتبع خطاهما وتثق بنصائحهما، فكم من مأزق نجوت منه .. وكم من متاهة خرجت منها، تستشعر بركتهما وتحفك عنايتهما، وتعلم أنك لن تضل وهما معك أبدا.
يناير 2023