أربع قصائد للشاعر الأميركي دبليو . إس. ميروين (1927-2019)
ترجمة: آمال نوّار
يمكن مشاهدة هذه القصائد الأربع بالنصّين: الإنكليزي والعربي، في فيديوهات على موقع يوتيوب (قناة الأدب المترجم) من إعداد صادق آل غانم وترجمة آمال نوار. رابط الفيديو أسفل كل قصيدة.
أَمْس
يُصرِّحُ صديقي أنا لم أكنْ ابنًا صالحًا
كما تُدرك
فأقولُ نعم أُدرك
يقولُ لم أذهبْ
لرؤيةِ أَبَويَّ مِرارًا كما تعلم
وأقولُ أجل أعلم
حتّى آنَ كنتُ أُقيمُ في المدينةِ نفسها يضيفُ
فلربما كنتُ أقصدهما مرةً
في الشهر أو لربما أقلّ
فأقولُ نعم فعلًا
يقولُ آخر مرة ذهبتُ لرؤيةِ أبي
أقولُ آخر مرة رأيتُ فيها أبي
يقولُ آخر مرة رأيتُ فيها أبي
كان يسألني عن حياتي
كيف كنتُ أتدبرُها
ومضى إلى الغرفةِ المُجاورة
ليحضرَ شيئًا ينفحني به
آهٍ أقولُ
مُستشعرًا مجدَّدًا برودة
يَدِ أبي في آخر مرة
ويُواصلُ ثم استدارَ والدي
عند المدخل ورآني
أرمقُ ساعتي
فقالَ تُوقنُ أنّي أودُّ أن تمكثَ
وتُؤآنسني بحديثكَ
بلى بالتأكيد أقولُ
لكنْ إذا كنتَ مشغولًا تابعَ
فلا أرغبُ أنْ يضطّرَكَ إلى ذلك
مجرّدُ تواجدي هنا
لا أُعقِّبُ بشيء
ويُكملُ قالَ والدي
ربما لديكَ عملٌ مهمٌّ تنجزُه
أو ربما عليكَ أن تُقابلَ
شخصًا لا أريدُ تعطيلكَ
أرنو بنظري من النافذة
صديقي أكبر مني سنًا
يقولُ وأخبرتُ أبي بأنَّ الأمرَ كذلك
ونهضتُ وتركتُهُ آنئذٍ
كما تعرف
رغم أنّه ما مِنْ مكانٍ كان عليَّ الذِّهاب إليه
ولا مِنْ شيءٍ كان عليَّ فعله
……
(من ديوان “بَسْطُ اليَد” 1983)
ضوءُ المطر
طوال اليوم تسهرُ النجومُ منذ القِدَم
قالتْ أُمّي إنّي مُغادرةٌ الآن
عندما تكونُ وحيدًا ستكونُ بخير
سواء أُوتيتَ نصيبًا من العِلْمِ أم لا فستَفْهَم
انظرْ إلى المنزل القديم تحت مطرِ الفجر
الزهورُ جميعها تكويناتٌ مائية
تُوقظها الشمسُ عبر غمامةٍ بيضاء
تُلامسُ المدى المُرَقَّع فوق التَّلّ
حيثُ ألوانُ الآخرة الباهتة
تلك التي عاشتْ هناك طويلًا قبل ولادتكَ
أَترى كيف تستيقظُ من غير اعتراض
رغم أنَّ العالمَ كلَّه يحترق
…..
(من “ظلّ سيروس” 2009)
ثعلبة
يا مذنّبَ السُّكُون ويا أميرةَ ما انقضى
أيّتها النغمةُ الصادحةُ المسترسلةُ بلا ارتعاشٍ
بلا جَهْرٍ بلا صوتٍ
يا هالةً من الظَّلام الدامس ويا حافظةَ الأسرار الخفيّة
والحكاياتِ المَنْسيّة والأحلامِ الهاربة
والجُمَلِ التي لم تصطدْها الكلماتُ
يا حارسةَ النَّهر حيثُ يجري
ويا ملمسَ أديمه يا عرَّافةَ ما انطمس
يا نافذةً على المكانِ المُسْتَتِر والزَّمنِ الآخر
عند أسفلِ الجِدار بجانبِ الطريق
رابطة الجَأْش من دون انتظار
تحت ضوءِ البَدْرِ الخريفيّ في ساعةِ مَوْلِدي
أنتِ لم تعودي تخرجينَ كاللَّهَب على مرأى منِّي
ولا تزالين أكثر دِفْئًا من ضوءِ القمر المُتلألئ عليكِ
حتّى الآن أنتِ سالمةٌ حتّى الآن أنتِ بارعةٌ كدَأْبِكِ دائمًا
الآن بينما تجري كُفُوفُكِ الرشيقة فوق الليلِ الحابسِ أنفاسه
على الجسرِ ذي الجانبِ الواحد أتذكّرُكِ
حين سمعتُكِ استجابَ لكِ أخمصا قدميَّ
حين رأيتكِ صحوتُ وانسللتُ من التقويمات
ومن عقائدِ الاختلاف والتناقضاتِ التي صاغتْ حياتي
وكلِّ التلفيقاتِ المُتهالكةِ طالما استمرَّتْ
إلى أنْ انتهى الحالُ الذي كُنا عليه
عندما لم تعودي شيئًا يُذكَر
دعيني ألمحُكِ مجدَّدًا تمرِّينَ فوق الجِدار
وقبل أنْ تنقرضَ الحديقةُ
وتؤولَ الغاباتُ إلى صُوَرٍ تنسابُ على شاشةٍ
دعي كلماتي تجدُ لنفسها مطرحًا
في الصَّمتِ ما بعد الحيوانات
……
(من “الثعلبة” 1996)
الناي الهائم
أنتَ الذي غنَّيتَ لي فيما مضى غَنِّ لي الآن
دعني أسمعُ ترنيمتكَ الصادحة المديدة
اصمدْ معي
فالنجمة تتلاشى
أستطيعُ التفكيرَ أبعد من ذلك لكنّي نسيتُ
هل تسمعني
هل ما زلتَ تسمعني
هل يتذكَّركَ الهواءُ
يا نَفَسَ الفجر
يا أغنيةَ الليل ويا أغنيةَ الصباح
في حوزتي
كلُّ ما لا أعرفه
لم أفقدْ شيئًا منه
لكني أكثر فطنة الآن
مِنْ أنْ أسألَكَ
أينَ تعلمتَ تلك الموسيقى
ومِنْ أينَ جاءَ أيٌّ منها
ذاتَ يوم كانَ هناك أُسُودٌ في الصين
سأُصغي إلى أنْ يصمتَ الناي
ويعودُ الضوءُ قديمًا مجدَّدًا
……….
(من “ظلّ سيروس” 2009)