صلاح فائق
1
أنا أيضاً تمرغتُ في وحول القرى
هارباً من حشد بعد حشد
ومن مشاهد أنبياء فوق بغالهم،
ذاتّ مرَّة دارت ضباع ، طوال الليل
حول بيتي، فبدأتُ أكتب وصيتي الأخيرة .
- تبحثُ عن صغارها،
أخبرني ضبع من الشباك .
فتحت الباب، بحثت هنا وهناك .
خرجت .
2
لا أمتعض من البرد أو من السماء. لستُ غازياً
أقطن برّية كلّ بلد .
لا أحترم الصيّادين
أحتمي من اللانهاية بجمل قصيرة
وأحضر تكريم غابة حين تهاتفني شجرة
أو إذا دعاني ثعلب .
3
في ريف جميل، قطار قديم ومهجور
حوله يدور عميان ينشدون
وقد تدّمت أكفهم من طرق الأبواب .
4
مطار هيثرو. في استقبال الملكة
صف طويل من جنرالات سمان وقضاة قصار
أرديتهم حمراء وثقيلة
أرغب في صفعهم، واحداً بعد آخر .
5
في قصيدة لم أكتبها بعد
مهندسون يتشاتمون أمام مسرح يحترق .
متجول، يشبهني تماماً، يصفن في حديقة شاسعة .
أحدهم يحاول ترويض فمه منذ سنوات لكنه يفشل
لص يتشبث بجسر، يكلّمه قبل أن ينتحر .
طفلة تنحني لحصان، فيصهل .
6
بعيداً عن معبد عشتار وغانياته المقدّسات
أتحايل على شيخوختي، في جانبها المظلم
أخفي مكتبة عامرة، سأتركها لموانئ
ولعميان يتعثرون فيها .
7
جارتي تثرثر حول أطفال
تظنهم خطفوا إلى كوكب قريب .
- هل رأيتِ مركبة الخاطفين، أسالُ
- تكلم من؟ تسألني صديقتي من المطبخ .
- لا أح ، أجيبها
- تكلم من اذن، تسألُ أيضاً
لا أعرف ماذا أجيب .
8
عاد جنودنا الى ثكناتهم
ناهبين أفرشتنا
طناجرنا،
كلابنا
ومظلاتنا المثقوبة .
9
لا أنسى الكروم وأشجار الجوز
خلف جبال { عقره }
شراب وفير ، ولائم في قرى الآشوريين الكرماء ، عسل قرب كهوف .
هناك أحببت سباستيان باخ ، كنت في الثامنة عشر من عمري .
جريحاً بشظية .
10
احترم الجبال، قصصها وأحلامها
حياتي بدأت من جبل
انتهيت مرشداً في هذه المرتفعات
وطبيبها الدائم . أدواي جبالاً ساخنة
وأسجل حرارة أعماقها .
بينها ، بدراجتي ، أتنقل .
11
نهار يجوب مدينة .
مطر يلحس حصى، فتبرق ألواناً
عمال يحتفلون في مبنى، يقترب كلب كبير
- مرحبا أيها السيد ، ينحني البوّاب .
الكلب لا يرد .
12
ركضت من بيتي إلى قطار أربيل
متخيلاً سواحل هناك .
في الطريق ساهمت في إجلاء أشجار وحيوانات
من هجمة فيضان .
13
سأحملكِ إلى السفينة، قلتُ لها، إذا هاجرتِ معي
ظلّت على رصيف الميناء تبتسم وتلوح لي
صعدتُ إلى السفينة وحدي وكانت فارغة .
عدت إلى الرصيف ولم تكن هناك .
التفتّ إلى السفينة فرأيتها تبتسم وتلوح لي مع آخرين وأخريات
والسفينة تبتعد .
14
لم تعد العدالة هدفي. تمنعني قوانين كثيرة .
أقاتل من أجل نصيبي من الحلم وأقضي معظم النهار
في النوم .
في هذه المدينة ، وربما في غيرها أيضاً
لم تعد هناك محلات لبيع الزهور وانما كتب رخيصة
يشتريها البدين والبخيل .
15
بيني وظلّي نهران يبكيان :
حصتي من وطن .
16
وحيداً، عاجزاً وبلا أمل، تقف أمام البحر .
هذا يضحكني ، لكن كما في كلّ مرة
يعطيك نسيماً ينشّط مخيالك
فتمضي جوّالاً لفترة أخرى .
17
آخر الليل، يعرف لماذا تسدل الستائر
حين يعبر حصان حاملاً نصوص مؤلفين موتى .
18
انما عنك يكتب
يراك في بلدان وأحلام ،
ودائماً ، في احدى يديك
حزمة قصائد .
19
يسمع نقراً على شباكه
يفتحه ، لقلق بين منقاره سمكة
- ماهذه ؟
- هدية .
20
تلال من تراب
استحمام قبل النوم وبعده .
لا يشكو من عاصفة مفاجئة
أو من زلزال يومي . تآخى معهما .
يعيش هنا ويكتب هناك .
قلعته القديمة مرّت فوق بيته قبل قليل .
سمع هلاهل ورأى أطفالاً يلوحون .
تراب من تلال .
21
اكتشفت في احدى مناماتي أن لذئب أعرفه ،
أخاً تعثر بيّ في ليلة مقمرة ،
وكنتُ عائداً من جزيرة بعيدة بعد أن قايضت ثوراً بارملة ،
لم يعتذر وفهمت من سلوكه الصلف ،
عذاب مسافرين احترق خانهم وهم نائمون ،
فهرعوا يقفزون من السلالم والنوافذ ونسوا حقائبهم
وكانوا محاطين بذئاب تعوي بنشاط ، منهم هذا الأخير .
22
أبدأ بقلب جملة بعد أخرى على ظهرها . سيكون عليّ استئجار أحدهم
اذا حلَّ الليل ولم انته . في الليل تبدو الكلمات أفخاخاً
نصبها باحثون ، سكناهم في ضواحي المطلق .
اذا ابتسموا ، فهي رهيبة وان ضحكوا فان الخراب
يظهر في وجوههم بفم من نحاس .
23
أليَّ تأتي كلمات أحبّها ، تحملها نمال ، أعرفها
تمرّ في كلّ مرّة من أودية
مخصصة لباشق في بطنه حفنة تراب من قرية
عصرت أمامها زيتوناً قبل نصف قرن ،
فصفق حطّابوا القرية تكريماً لي ، لكنَّ الله كان قد اصطف
مع العناكب ضدّي ولم يكن ذلك إلاّ لأنَّي نسيتُ
تبجيل فمه ، وهو من خزف ، في منتصف صفحة .
24
أنام لأحلم . لا يغريني أيّ شيء للخروج . التجوال في حقيقته هو ،
دائماً بين أسوار لامرئية . ماذا سأشاهد ان خرجت ؟
باعة ثعابين ، مقهى بعد مقهى ،
غضب هدفه افريقيا ، قرويين يدخنون وجنوداً يتجهون نحو غوّاصة .
عليَّ أن أتنحّى جانباً ، بين حين وآخر ، لأتجنب مارة يائسين
من فراديس مهجورة
وجوههم ملطخة بدم صقور .
25
تعلّمت بعض الحكمة من التحديق في البحر ،
مراقبة النجوم ، التمتع في أشكالها والتغنّي بأسماء الرياح .
فكرتي عن اللانهاية من الجوانب المظلمة للنجوم والأزقة .
قوارب المدن نساء ، وكهولها يلقون كتبهم من نوافذ شققهم العالية في الليل ،
مع صور أطفالهم ، وهناك منجّمون في أبنية شيّدت لقتلة ،
يتلون تعاويذ وأدعية على مرضى الحروب
بينما غربان تلتقط نقوداً فضّية من مقابر الأجداد .
أركل أسماكاً مجففة وأنا أبتعد عن
فجوة في شجرة شاهقة تنتحب فيها بومة .
26
أنا لاعب فاشل في الشطرنج
والتغزل مع أرملات .
فاشل في الطبخ
وانقاذ حياتي من مخاوف قديمة ،
علاقتي سيئة مع البرد
ومع فلاسفة يتناقشون في بيتي .
خارج بيتي
ذئب يتغطّى بلحاف من زجاج .
……………
*شاعر من العراق