ذئب يتغطّى بلحاف من زجاج ..

موقع الكتابة الثقافي writers 139
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

صلاح فائق

1

أنا أيضاً تمرغتُ في وحول القرى

هارباً من حشد بعد حشد

ومن مشاهد أنبياء فوق بغالهم،

ذاتّ مرَّة دارت ضباع ، طوال الليل

حول بيتي، فبدأتُ أكتب وصيتي الأخيرة .

‫- تبحثُ عن صغارها،

أخبرني ضبع من الشباك .

فتحت الباب، بحثت هنا وهناك .

خرجت .

2

لا أمتعض من البرد أو من السماء. لستُ غازياً

أقطن برّية كلّ بلد .

لا أحترم الصيّادين

أحتمي من اللانهاية بجمل قصيرة

وأحضر تكريم غابة حين تهاتفني شجرة

أو إذا دعاني ثعلب .

‫ 3

في ريف جميل، قطار قديم ومهجور

حوله يدور عميان ينشدون

وقد تدّمت أكفهم من طرق الأبواب .

4

مطار هيثرو. في استقبال الملكة

صف طويل من جنرالات سمان وقضاة قصار

أرديتهم حمراء وثقيلة

أرغب في صفعهم، واحداً بعد آخر .

‫ 5

في قصيدة لم أكتبها بعد

مهندسون يتشاتمون أمام مسرح يحترق .

متجول، يشبهني تماماً، يصفن في حديقة شاسعة .

أحدهم يحاول ترويض فمه منذ سنوات لكنه يفشل

لص يتشبث بجسر، يكلّمه قبل أن ينتحر .

طفلة تنحني لحصان، فيصهل .

‫ 6

بعيداً عن معبد عشتار وغانياته المقدّسات

أتحايل على شيخوختي، في جانبها المظلم

أخفي مكتبة عامرة، سأتركها لموانئ

ولعميان يتعثرون فيها .

‫ 7

جارتي تثرثر حول أطفال

تظنهم خطفوا إلى كوكب قريب .

‫- هل رأيتِ مركبة الخاطفين، أسالُ

‫- تكلم من؟ تسألني صديقتي من المطبخ .

‫- لا أح ، أجيبها

‫- تكلم من اذن، تسألُ أيضاً

لا أعرف ماذا أجيب .

‫8

عاد جنودنا الى ثكناتهم

ناهبين أفرشتنا

طناجرنا،

كلابنا

ومظلاتنا المثقوبة .

‫9

لا أنسى الكروم وأشجار الجوز

خلف جبال ‪ { عقره }

شراب وفير ، ولائم في قرى الآشوريين الكرماء ، عسل قرب كهوف .

هناك أحببت سباستيان باخ ، كنت في الثامنة عشر من عمري .

جريحاً بشظية .

‫10

احترم الجبال، قصصها وأحلامها

حياتي بدأت من جبل

انتهيت مرشداً في هذه المرتفعات

وطبيبها الدائم . أدواي جبالاً ساخنة

وأسجل حرارة أعماقها .

بينها ، بدراجتي ، أتنقل .

‫11

نهار يجوب مدينة .

مطر يلحس حصى، فتبرق ألواناً

عمال يحتفلون في مبنى، يقترب كلب كبير

‫- مرحبا أيها السيد ، ينحني البوّاب .

الكلب لا يرد .

12

ركضت من بيتي إلى قطار أربيل

متخيلاً سواحل هناك .

في الطريق ساهمت في إجلاء أشجار وحيوانات

من هجمة فيضان .

13

سأحملكِ إلى السفينة، قلتُ لها، إذا هاجرتِ معي

ظلّت على رصيف الميناء تبتسم وتلوح لي

صعدتُ إلى السفينة وحدي وكانت فارغة .

عدت إلى الرصيف ولم تكن هناك .

التفتّ إلى السفينة فرأيتها تبتسم وتلوح لي مع آخرين وأخريات

والسفينة تبتعد .

‫14

لم تعد العدالة هدفي. تمنعني قوانين كثيرة .

أقاتل من أجل نصيبي من الحلم وأقضي معظم النهار

في النوم .

في هذه المدينة ، وربما في غيرها أيضاً

لم تعد هناك محلات لبيع الزهور وانما كتب رخيصة

يشتريها البدين والبخيل .

‫15

بيني وظلّي نهران يبكيان :

حصتي من وطن .

16

وحيداً، عاجزاً وبلا أمل، تقف أمام البحر .

‪هذا يضحكني ‪ ، لكن كما في كلّ مرة

يعطيك نسيماً ينشّط مخيالك

فتمضي جوّالاً لفترة أخرى .

17

آخر الليل، يعرف لماذا تسدل الستائر

حين يعبر حصان حاملاً نصوص مؤلفين موتى .

18

انما عنك يكتب

يراك في بلدان وأحلام ،

ودائماً ، في احدى يديك

حزمة قصائد .

‫19

يسمع نقراً على شباكه

يفتحه ، لقلق بين منقاره سمكة

‫- ماهذه ؟

‫- هدية .

20

تلال من تراب

استحمام قبل النوم وبعده .

لا يشكو من عاصفة مفاجئة

أو من زلزال يومي . تآخى معهما .

يعيش هنا ويكتب هناك .

قلعته القديمة مرّت فوق بيته قبل قليل .

سمع هلاهل ورأى أطفالاً يلوحون .

تراب من تلال .

21

‪اكتشفت في احدى مناماتي أن لذئب أعرفه ،

أخاً تعثر بيّ في ليلة مقمرة ،

وكنتُ عائداً من جزيرة بعيدة بعد أن قايضت ثوراً بارملة ،

لم يعتذر وفهمت من سلوكه الصلف ،

عذاب مسافرين احترق خانهم وهم نائمون ،

فهرعوا يقفزون من السلالم والنوافذ ونسوا حقائبهم

وكانوا محاطين بذئاب تعوي بنشاط ، منهم هذا الأخير .

22

أبدأ بقلب جملة بعد أخرى على ظهرها . سيكون عليّ استئجار أحدهم

اذا حلَّ الليل ولم انته . في الليل تبدو الكلمات أفخاخاً

نصبها باحثون ، سكناهم في ضواحي المطلق .

اذا ابتسموا ، فهي رهيبة وان ضحكوا فان الخراب

يظهر في وجوههم بفم من نحاس .

23

أليَّ تأتي كلمات أحبّها ، تحملها نمال ، أعرفها

تمرّ في كلّ مرّة من أودية

مخصصة لباشق في بطنه حفنة تراب من قرية

عصرت أمامها زيتوناً قبل نصف قرن ،

فصفق حطّابوا القرية تكريماً لي ، لكنَّ الله كان قد اصطف

مع العناكب ضدّي ولم يكن ذلك إلاّ لأنَّي نسيتُ

تبجيل فمه ، وهو من خزف ، في منتصف صفحة .

24

أنام لأحلم . لا يغريني أيّ شيء للخروج . التجوال في حقيقته هو ،

دائماً بين أسوار لامرئية . ماذا سأشاهد ان خرجت ؟

باعة ثعابين ، مقهى بعد مقهى ،

غضب هدفه افريقيا ، قرويين يدخنون وجنوداً يتجهون نحو غوّاصة .

عليَّ أن أتنحّى جانباً ، بين حين وآخر ، لأتجنب مارة يائسين

من فراديس مهجورة

وجوههم ملطخة بدم صقور .

25

تعلّمت بعض الحكمة من التحديق في البحر ،

مراقبة النجوم ، التمتع في أشكالها والتغنّي بأسماء الرياح .

فكرتي عن اللانهاية من الجوانب المظلمة للنجوم والأزقة .

قوارب المدن نساء ، وكهولها يلقون كتبهم من نوافذ شققهم العالية في الليل ،

مع صور أطفالهم ، وهناك منجّمون في أبنية شيّدت لقتلة ،

يتلون تعاويذ وأدعية على مرضى الحروب

بينما غربان تلتقط نقوداً فضّية من مقابر الأجداد .

أركل أسماكاً مجففة وأنا أبتعد عن

فجوة في شجرة شاهقة تنتحب فيها بومة .

26

أنا لاعب فاشل في الشطرنج

والتغزل مع أرملات .

فاشل في الطبخ

وانقاذ حياتي من مخاوف قديمة ،

علاقتي سيئة مع البرد

ومع فلاسفة يتناقشون في بيتي .

خارج بيتي

ذئب يتغطّى بلحاف من زجاج . ‫

……………

*شاعر من العراق

مقالات من نفس القسم

خالد السنديوني
يتبعهم الغاوون
خالد السنديوني

Project