دينا الحمامي: أنا وجودية.. ولا أخجل من إظهار أيديولوجيتي

dina al hamami
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

حاورتها: هناء نور

دينا الحمامي كاتبة من مصر، تحمل روحا هادئة وثائرة في آن، حزنا خاصا، وأملا وحبا كبيرا للحياة والكتابة، تكتب المقال والرواية، فيظهر من خلال كتاباتها ثقافتها الكبيرة، واهتمامها بكل الفنون، ومحاولة صنع بصمتها الخاصة في الكتابة.. 

بداية: كيف تحبين أن تعرفي نفسك، وما اللقب الأحب إليك؟

أعتز بلقب كاتبة وأراه بمثابة بطاقة تعريفي إلى العالم، إذ إنه يختصر علي الكثير من شرح نفسي للآخر ككاتبة جربت الدخول في عوالم الصحافة والنقد والقصة والرواية والشعر.

كتبت الشعر، والمقال، وترجمت العديد من النصوص الأدبية، فما هي أقرب أشكال الكتابة إليك حتى الآن؟

الرواية والقصة في المرتبة الأولى ثم تأتي بعدهما الكتابة النقدية ثم  مقالات الرأي، لأنني أتعامل مع الكتابة كتمرين مطول، وألجأ إلى المقالات كتدريب في أوقات راحتي من الكتابة الإبداعية. 

حققت روايتك “الفراودة” انتشارا وحضورا نقديا ملحوظا، هل توقعت حدوث هذا الاهتمام بكتابك الأول، وما سبب تسمية الرواية بالفراودة؟

للأمانة لم أكن أتوقع كل هذا الزخم النقدي المصاحب للرواية، كما لم أتخيل أن تصل إلى القارئ العادي بهذه الكثافة، حتى إنني ذهلت من استيعاب قراء لا تتجاوز أعمارهم العشرين لرمزية الرواية، وما تتضمنه من أفكار وفلسفة.

بالنسبة للاسم، أحببت أن يحمل دلالة نفسية غير مباشرة ترمز إلى أهل القرية، وفرادة كل فرد فيها وتوحده مع أزمته، فجاء الفراودة كعنوان لا يمكن استبداله ثم أضفت لاحقا سيرة الفقد والإلهاء منعا للالتباس وللمزيد من الإيضاح. 

البعض يميل لوضع كتابة ما في خانة النسوية، وإدانتها على هذا الأساس، فهل يعيب الكاتبة أن تعبر عن عالمها الأنثوي بأحلامه وهمومه من خلال كتابتها، ولماذا لا نلوم الكتاب الرجال حين يعبرون عن مشاعر الأنثى، كما نلوم المرأة المبدعة؟

بداية دعونا نوضح أن ما من شكل أدبي معيوب، أو في مرتبة أقل من غيره، لكن ما يميز نص عن غيره هو مدى الصدق الذي يكتب به العمل وأصالة الطرح؛ لذا فالكتابة النسوية شأنها شأن كل الكتابات، ويجب أن تخضع للتقييم الفني العادل دونما تربص، لأن الكاتب ابن بيئته وتجربته، فمن غير المنطقي أن نحتفي بكل ما يكتبه الرجل، ونضيق على المرأة حين تحب التعبير عن قضايا بنات جنسها، ثم من أولى بالكتابة عن المرأة سوى المرأة؟!

ينتشر الحقد بشكل كبير في مجتمعاتنا الاستهلاكية، وتساهم وسائل التواصل في إظهاره بمستوياته كافة، هل شعرت بالحقد في يوم ما، وهل ترين للحقد نفعا؟

الإنسان كائن تنافسي بفطرته، يسعى طوال الوقت نحو هدف يبعد عنه باستمرار، ولكن ليس كل الأشخاص سواسية في التعامل مع متغيرات العصر، وسيولة الحياة وانفتاح العالم، مما أدى إلى صدمة لنسبة كبيرة من البشر، أدت إلى سعيهم المستمر نحو تحقيق الذات ولو بطرق غير منطقية، أيضا تمكنت حمى الظهور من الكثيرين، فأصبحت السوشال ميديا مسرحا لعرض حيوات أناس لم يتم تأهيلهم للاحتكاك بكل هذا القدر من البشر؛ للأسف وبجانب إيجابياتها الكبيرة في تسهيل التواصل ورواج المحتوى المهم، فإن السوشال ميديا أظهرت الجانب المظلم من النفس البشرية، فالكثير من الناس يمارسون استحقاقهم وأمراضهم النفسية محتميين في شاشات الكمبيوتر التي تحجب، وبإمكان الشخص من خلفها ارتكاب الكثير من الجرائم الإنسانية التي يعاقب عليها القانون وتدينها كافة المنظومات الأخلاقية. 

الكثير من الكاتبات العربيات حققن شهرة كبيرة، مع اختلاف الأدوات والتوجه، كنوال السعداوي، غادة السمان، نازك الملائكة، وأحلام مستغانمي على سبيل المثال، هل حلمت بالشهرة في وقت ما، وهل ترين الشهرة دليلا على نجاح الكاتب؟ 

حلمت بالشهرة منذ طفولتي والغريب أنني تمنيتها أن تجيئني عبر وسائل أخرى كتدريب الرقص الذي أحترفه وأجيد أكثر من نوع منه، وعندما حققت قدرا معقولا من الشهرة عبر الكتابة، عرفت أنها بوابتي نحو حياة أكثر براحا وتحققا، ويمكنني من خلالها التعبير عن كل ما أجيده ، وما عجزت عن إجادته .

تتحدثين بحب، وعن الحب كثيرا، فهل تؤمنين بوجود الحب في عصرنا الحالي، وهل شكل أثرا في تطور رؤيتك؟

الحب موجود في كل الأزمنة، وهو صك مرور الإنسان للتعبير عن مشاعره بنسق أكثر انكشافا ووعيا وأريحية، وأدعي أن تجاربي العاطفية المتوالية والمكثفة كانت لها اليد العليا في التعامل مع الكتابة باحترافية، كما دفعتني إلى التعامل مع الكتابة كمشروع واضح المعالم منذ أن اتخذت قرار النشر. 

يظن الكثيرون أن فلسفة اللا إنجابية حديثة، لكنها موجودة في الحقيقة منذ القدم، كما اتضح في مقولة هوميروس: “الأفضل للإنسان ألا يخلق”.. وأيضا في مقولة أبو العلاء المعري والتي أوصى أن تكتب على قبره: “هذا ما جناه علي أبي وما جنيت على أحد“.  ما موقفك من اللاإنجابية، وهل الأم هي فقط من تلد؟

اللا إنجابية فلسفة جديرة بالاستكشاف، والتبني أيضا في أحيان كثيرة، كون الإنسان في عصرنا الحالي محاطا بكم هائل من التحديات، الإنجاب مسؤولية خطيرة وحساسة وليست للجميع، ونظرا لما تتعرض له المرأة في العالم بأسره من معوقات وصعوبات، فإن الرجل يجب أن يتحمل مسؤولية قرار الإنجاب معها، لأنه المشروع الوحيد ممتد الأثر بيولوجيا واجتماعيا ونفسيا وماديا، الإنجاب له إغراؤه الذي يجعله حلما للسواد الأعظم من البشر الذين يحلمون بتوريث جيناتهم وعدم انقطاع نسلهم، مما يجعل من اللا إنجابية خيار الشجعان وذوي المسؤولية. 

يشكل حضور الذكاء الاصطناعي قلقا للناس في مختلف المجالات، والإبداع خصوصا، كيف ترين هذا الأمر؟

لا قلق على الموهبة الحقيقية المشغولة بالكتابة من أي تطور تقني مهما كان، لأن التقنيات الحديثة تضمن لك كتابة نص بدون أخطاء ولكن بلا روح الكاتب المعجونة بالهم والمأزومة بالحياة؛ أما عن الذكاء الاصطناعي فهو أداة مساعدة للكاتب المبدع صاحب الموهبة الحقيقية، لأن النسخ الاحترافية من برامج الذكاء الاصطناعي توفر مراجعة لغوية بنسب خطأ صفرية، ولا تنافسه بهذه القدرة أية تقنية أخرى

هل تنتمين إلى أيديولوجيا ما، وهل يتعارض الانحياز مع مصداقية الكاتب؟ 

أنا وجودية بامتياز ولا أخجل من إظهار أيديولوجيتي التي تجمع بين الفلسفة الوجودية واللا اكتراثية العقائدية، وكثيرا ما تبرز أفكاري من خلال أبطالي، إلا أنني أحرص على تقديم أفكاري في إطار فني لا يخل بالعمل. كل ما يهمني هو ألا تتعارض همومي ككاتبة مع ما أسلكه في حياتي اليومية كإنسانة تتفاعل مع محيطها بشكل حساس ومتداخل. 

قلت ذات مرة: “تروض الكتابة شعوري الدائم باللا جدوى، وتكسبني مناعة حيال الحياة وتوحشها”. فماذا تقدم دينا الحمامي في عملها القادم، وهل ترين الكتابة رسالة أم ترفيه؟ 

عملي القادم سيركز على همي الأكبر، هو تشريح الألم الإنساني بمختلف طبقاته وانعكاساته على الفرد ومحيطه. وأرى أن الكتابة أعظم من أن تصنف كوسيلة للترفيه أو كمنبر لبث الرسالات الأخلاقية. الكتابة في رأيي هي انكشاف على النفس والآخر وإعادة اكتشاف للذات، والعالم. 

ما هي أحلامك في القادم، وهل حققت بعض أحلامك؟

حققت أكثر مما حلمت به ولدي الكثير من الأحلام التي تخص كتابة أنماط إبداعية أخرى كالمسرح والسيناريو، وأتوق لكتابة عمل موسوعي عن الرقص الشرقي الحديث بأسلوب يجمع بين الأكاديمية والحداثة.

مقالات من نفس القسم