حسين عيد
قد تنشأ علاقة حب بين فتي وفتاة، وبدلا من أن يكتمل الحب بالزواج، يحدث تفريق باتر بينهما. ثم تنقضي عشرون سنة، ليعود بعدها البطل المهزوم ثانية. ماذا دفعه إلي العودة؟ ماذا وجد في الواقع الجديد؟ كيف كانت مشاعره ومشاعر محبوبته السابقة؟
هذه دراسة مقارنة، تجتهد أن تجيب عن تلك الأسئلة وغيرها، وتتناول قصتين تشتركان في نفس التيمة. وهاتان القصتان، هما:
- قصة “الخلاء” من مجموعة “خمارة القط الأسود” لنجيب محفوظ
- قصة “كذبت امرأة” من مجموعة “غرفة ضيقة بلا جدران” للسيد نجم
المشترك في المعالجة:
- كان السرد الغالب في كلتا القصتين بضمير المتكلم للرجل.
- تبدأ القصتان، بعد انقضاء عشرين عاما علي لحظة المفارقة.
- كانت الحبيبة السابقة ترتدي فستانا كالحا أسود، في قصة “كذبت امرأة”، و“ملتفة بالسواد من الرأس حتى القدمين“، في قصة “الخلاء”.
- كانت صورتها المصونة في الذاكرة: “رشيقة القدّ، نحيلة في رقة”، “ما كنت أري عينيها إلاّ من عسل ولبن وخمر”، هي “المرأة التي كنت أظن أني أحبها” (قصة “كذبت امرأة”). كانت جميلة الحارة، وبدا “وجه زينب الذي أحببته منذ كنت في العاشرة” (قصة “الخلاء”).
أوجه اختلاف المعالجة:
- رغم أن الطابع الغالب علي السرد في كلا القصتين، كان السرد بضمير المتكلم، إلاّ إنّ تجيب محفوظ اعتمد علي راو خارجي آخر بضمير الغائب، لعدد محدود من المرّات، معقبا بكلماته في مواقف حاسمة.
- المكان: كان في شقة سكنية غير معرّف موقعها في قصة “كذبت امرأة”، وكان المكان معرفا بكل تفاصيله في قصة “الخلاء”، وهو حارة “شرداحة” الكائنة بحي الجوالة، والتي يمكن الوصول إليها عن طريق الجبل أو الحي.
- أبطال قصة “كذبت امرأة”، هما زوج وزوجة وأرملة دون أسماء، ودون أن نعرف عمل الزوج. أبطال قصة “الخلاء”، هم الرجل العائد “شرشارة”، والحبيبة السابقة “زينب”، وهناك أيضا الفتوة السابق “لهلوبة”، وأخيرا صاحب السرجة، التي عمل بها الرجل العائد، وهو صبي صغير، “عمّ زهرة”.
- لم تعتمد قصة “كذبت امرأة” علي “الفلاش باك” في كشف ماضي البطل، بينما افتتحت قصة “الخلاء” بفلاش باك يكشف ما حدث للبطل منذ عشرين عاما، عندما كان يعمل في السرجة، وفي ليلة دخلته علي زينب، إذا بالفتوة الجبار “لهلوبة” يجبره علي تطليقها، بعد أن أشبعه ضربا، فمضي إلي المنفي في الإسكندرية يجر أذيال الخيبة والذلّ والقهر، “ولا أمل لك في الحياة إلاّ الانتقام”، و”هكذا ذابت زهرة العمر في أتون الحنق والحقد والألم“، وكوّن عصابة ورجع إلي حي الجوالة بالقاهرة بعد عشرين عاما، محفوزا بالانتقام واستعادة محبوبته. بينما كان مبرر الزيارة في قصة “كذبت امرأة”، هو تقديم واجب العزاء لموت زوج المحبوبة السابقة، و”تمنيت أن أري موقع سترها مع زوجها الذي فضلته علي“.
- وفي الوقت الذي بدأت فيه قصة “كذبت امرأة” بلحظة دخول الزوج وزوجته إلي منزل الحبيبة السابقة، التي بدت مترددة في دعوتهما للدخول، كناية عن اندهاشها من الزيارة، حتى لو كانت من أجل تقديم واجب العزاء. بدأت قصة “الخلاء” بالعصابة وهم يندفعون إلي حارة “شرداحة” عبر حي الجوالة، بدلا من طريق الجبل.
- وفي حين استقر كلّ من الزوج والزوجة، في قصة “كذبت امرأة”، علي كرسيين ذات مساند خشبية، وجدت العصابة الحارة خالية من أيّ عصابة في قصة الخلاء، وأمضي الرجل رحلة بحثه راجلا بحثا عن محبوبته السابقة.
- كانت الحبيبة السابقة في قصة “كذبت امرأة”، قد “ارتدت شبشب زنوبة بلاستيك”، و”سيماء وجهها محايد في بلادة. لا يبدو عليها التفاتة المنتبه إلي جسده الذي يتكاثر“، بينما بدت المرأة في قصة “الخلاء”: “امرأة غريبة ممتلئة لحما وخبرة“
- قالت المرأة في أثناء زيارة الرجل وزوجته لها، في قصة “كذبت امرأة” ضمن ما قالت أنها تعيش خريف العمر، وأنّ زوجها مات في الوقت المناسب، وتحدث الرجل طويلا حول نفسه. وكانت زوجته تراقب ما يجري، وهي تسجح خشب المسند بأظافرها، حتى بدت كالموناليزا، لولا تلك السجحات التي بدت أكثر عمقا عمّا قبل. بينما بدت مجريات اللقاء في قصة “الخلاء” علي مرحلتين، راقبها في المرحلة الأولي من بعيد فرآها، “وقد أنضجت الأعوام قسماتها الساذجة”، و”كان وجهها متشبثا بقسط وافر من الوسامة، وهي تساوم وتناضل، وتلاطف وتخاصم، كامرأة سوق لا يمكن أن يستهان بها”. ثم جاءت المرحلة الثانية، حين اقترب منها. لم تعرفه في البداية، وعندما عرفته ارتفع حاجباها وانحرف جانب فيها عن شبه ابتسامة، ودار بينهما حوار (علني):
- وأخيرا رجعت إلي شرداحة
- عودة الخيبة
التمعت في عينيها نظرة ارتياب وتساؤل، فقال بغضب:
- سبقني الموت!
- كل شيء مضي وانقضي.
- دفن معه الأمل.
- كل شيء مضي وانقضي”.
- مشاعر البطل الحالية إزاء المرأة: كانت في قصة “كذبت امرأة” (باطنية)، غير معلنة: “أراها تريك (في النص “تربك”) هذا الجسد، وبحذق وخبرة الأيام تابعت وشوشات أناملها، تلك التي بدت وكأنها كائنات غامضة تزحف فوق صحراء فسيحة“. وانظر إلي رد فعله “شعور أشبه بالفرح انتابني، أحسسته بين ضلوعي، لأنها تريد أن تكشف لي عن أسرار جسدها!!. وان بدا علي غير إرادة منها، وهكذا يبدو عفويا!!” وهذا شعور غريب وعجيب، لمجرّد التفكير فيه، أو تفسيره علي هذا النحو، وفي حضرة زوجته أيضا! ولا يصبح هذا التفسير معقولا، إلاّ لو كان الزوج يعيش وهّم أنها مازالت تحبه، وبذلك يفسر تصرفا عاديا لحركة أصابعها علي جسدها بأنها تعرض جسدها عليه! وهو ما يؤكد في نهاية الأمر أنه مازال مهتما بأمرها، وربّما لم يقبل حتى الآن فكرة رفضه، أو تفضيل آخر عليه!
أمّا في قصة “الخلاء”، فقد تبادل الرجل والمرأة “نظرة طويلة، ثم سألها:
- وكيف حالك؟
أشارت إلي مقاطف البيض، وقالت:
- كما تري، معدن!
بعد تردد:
- ألم .. ألم تتزوجي؟
- كبر الأولاد والبنات.
جواب لا يعني شيئا. واعتذار واه كأنه مصيدة. ما جدوى العودة قبل أن تسترد الكرامة الضائعة؟. ألا ما أفظع الفراغ
* بعد انصرافهما، في ختام الزيارة، في قصة “كذبت امرأة”، تحدّث الرجل كثيرا حول أن تلك المرأة سيدة مملة، لا تعرف آداب الاتيكيت. لكنه اضطر أن يتوقف عن الحديث، “لأن أصابع زوجته بدت مصبوغة بالدمّ، وقد علقت بأظافرها نسائل رقيقة من ألياف خشب مسند مقعدها“. هنا، كانت المشاعر الرجل والمرأة مضمرة، لم يسفر عنها، وان بدت موحية بالنسبة للزوجة علي الأقل من خلال اصطباغ أصابعها بالدم من طول كبت مشاعرها وهي تسجح الخشب من مسند كرسيها الخشبي.
أمّا في قصة “الخلاء”، فنتابع الرجل العائد والمرأة وهما يتحاوران بعد فترة، في ختام الزيارة، وذلك حين “أشارت إلي مقعد خال في زاوية الدكان، وقالت:
- تفضل
نغمة ناعمة كأيّام زمان. لكن لم يبق إلاّ الغبار. قال:
- في فرصة أخري.
وتردد في حيرة معذبة، ثم صافحها وذهب. لن تتكرر الفرصة”.
هنا، المشاعر معلنة، تحاول المرأة أن تزيّن له البقاء، لكنه فهم أن ما جاء من أجل لم يتحقق، وكان حاسما في رده، الذي جاء مجاملا، لأنه كان يعرف في دخيلة نفسه، وأن الفرصة لن تتكرر أبدا!
الإيقاع:
يحكم قصة “كذبت امرأة” إيقاع هادئ، ساكن، بطيء، مرتبط بما تمور به نفوس أبطال القصة الثلاثة (الراوي، زوجته، والأرملة) من مشاعر. هناك سببان للزيارة: الأولي (معلن)، هو تقديم واجب عزاء للأرملة لموت زوجها. تأدية واجب العزاء، هو طقس اجتماعي، يمارس بشكل رسمي، ويعكس نوعا من المشاركة (الظاهرة) مع الآخر في مصاب الموت. لكن لابد أن نعي أننا نعيش في مجتمع يحكمنا بتقاليد وعادات وقيم لا يمكن الخروج عليها. من هذا المنطلق لم يكن متاحا للمحبّ القديم أن يقوم بهذا الواجب وحده. لذلك، كان لابد له أن يفعل ذلك في صحبة طرف آخر، حتي تسمح تقاليد المجتمع له بالزيارة. وكان هذا الآخر هو الزوجة، التي لم يوضّح لنا النص كيف أقنعها بالذهاب، وهل اعترضت؟ وهل كانت تعرف بعلاقتهما السابقة، أم كانت تشك أنّ هناك شيئا مريبا يرتبه زوجها؟ وهل جري بينهما نقاش حول الزيارة؟ ..أسئلة كثيرة مثارة، لم نعرف إجابتها كقراء، لكننا عرفنا ما آلت إليه الأمور في النهاية، وهو أنه ذهب فعلا في صحبة زوجته، فكانت شاهدا علي اللقاء، ومراقبا ليس محايدا بأيّ حال، لأنها هي الزوجة الحالية، التي تربطها بزوجها علاقة شرعية، ولها كلّ الحق في الحفاظ عليه. من هنا، يتضح أنّه بقدر ما كانت مشاعر الزوج مضمرة، فان كل مشاعر الزوجة كانت أيضا (مضمرة) ، وهي تحرص علي أن تحافظ عليها مخبوءة بداخلها، أو تكبتها في صمت. وهي وان أبطنت مشاعرها ولم تظهرها، إلاّ إنّ انعكاسها بدا بما كانت تحفره من سجحات أظافرها علي المسند الخشبي، وهو الفعل الذي رآه مرتين. لكنه ظلّ سادرا في غيّه حتى بعد أن انصرفا من بيتها، فراح يتحدث دون أن يعي بأنها امرأة مملة، لا تعرف واجب الاتيكيت، لولا أن رأي برهانا ساطعا علي ضيق زوجته، وتأذيها مما تسمع وتري وأن لم تجهر برأيها، وذلك في اصطباغ أصابعها بالدم، “وقد علقت بأظافرها نسائل رقيقة من ألياف خشب مسند مقعدها”
الدافع الثاني للزيارة (مضمر) في أعماق الرجل وحده، كي يري ستر المحبوبة السابقة مع زوجها، الذي فضلته عليه. ينصرف معني (الستر) في المفهوم الشعبي، إلي الإخفاء بعيدا عن أنظار الآخرين، أو عن عينيه هو بشكل خاص. والمقصود هنا بطيعة الحال، هو “عش الزوجية”، الذي يشمل المكان ومحتوياته، لكنه ليس مقصودا لذاته، بل لارتباطه بالزوج الذي فضلته عليه، حين وضعته محلّ اختيار بينه وبين آخر، واختارت الآخر، دون أن يوضّح الراوي مبررات هذا الاختيار، بل تركه مطلقا دون تحديد. لكن تلك الرغبة العارمة في أي يري سترها مع الرجل، الذي فضلته عليه، يكشف أنه كان هو المحرك للزيارة، وان اتخذ من العزاء سببا. كما يعني أن هناك مشاعر (مضمرة) لدي الراوي، لم يعبر عنها، وتعكس نوعا من الاهتمام مازال قائما بالمحبوبة، رغم انقضاء عشرين عاما من زواجها وزواجه!
هنا، كان (إضمار) المشاعر، هو العنصر الحاكم في قصة “كذبت امرأة”، وهو ما ترتب عليه أن بدا الإيقاع علي السطح ساكنا هادئا، بل وربّما بطيئا، وان كان يمور في الأعماق بانفعالات شتي!
أما قصة “الخلاء”، فكان الإيقاع منذ لحظة الافتتاح رهيبا موّارا بالحركة (الظاهرة) علي السطح، كما البركان، وحمم الغضب تمور بداخله باحثة عن منفذ للانفجار. ذلك الانتقام، الذي ظلّ الراوي يعدّ له نفسه خلال عشرين عاما، لا يحلم بسواه. كان يحلم أن يدخل في معركة شرسة مع رجال الفتوة لهلوبة وعصابته، وينتصر عليهم، ويذيق الفتوة من نفس كأس الذلّ، التي سبق أن تجرّعها، ليسترد في النهاية كرامته المهدرة وحلم حياته المسلوب، بإعادة زينب إلي عصمته بضراوة العنف، وجبروته.
وحين انحدر بقواته إلي حارة “شرداحة” عبر حي “الجوالة”، لم يجد أحدا في انتظاره، وحين استفسر من عجوز السرجة، أخبره أن عدوه اللدود قد مات منذ خمس سنين، “فصرخ الرجل من أعماق صدره، وهو يترنح تحت ضربة مجهولة“. ، وكانت تلك هي صدمته الأولي، لأن جلّ تفكيره كان منصرفا إلي الانتقام. هنا، كان نجيب محفوظ موفقا غاية التوفيق، حين بدا الراوي الخارجي معقبا علي الأحداث، بأنه ترنح تحت وطأة “ضربة مجهولة”، لأنه لم يضع ضربات (القدر) المجهولة في الاعتبار، حين يأتي الموت لا في اللحظة التي يحتسبها البشر ولا في المكان المتوقع، لذلك صرخ بصوت كالرعد “”لهلوبة .. يا جبان.. لماذا مت يا جبان؟” (وهل يملك أي من البشر قدرة مواجهة الموت؟! وانظر أيضا إلي أسلوب موته، وتعجب، بعد أن مات مسموما في بيت أخته، الذي يعتبر مكانا آمنا، وذلك من أكلة كسكسى، ربما كانت تكريما له ولبعض رجاله !). ولم ينته الأمر عند هذا الحد، لأنه عندما سأل عن زينب، عرف أنها قد أصبحت بائعة في السوق. كان ينظر مفكرا “كم آمن بأنها كل شيء في الحياة، ولكن أين هي الآن؟!”. “وهبط المغيب كآخر العمر”. أنظر إلي توفيق نجيب محفوظ، حين جعل ذلك الراوي (الخارجي) يزاوج، في تلك اللحظة، بين مشهد الغروب وهو يحدث، كأنه إيذان بغروب الحياة وانتهاء العمر!
هنا، بدا منذ بداية هذه القصة بزوغ لمشاعر طال احتباسها، فتفجرت حمما، وأصبح الإيقاع بالتالي موارا بالحركة، تنعكس فيه المشاعر من خلال حوار صريح، أو تحرك عنيف!
العنوان:
كان عنوان قصة السيد نجم، هو “كذبت امرأة”. وقد يظلّ القارئ طويلا يبحث عن مغزي هذا العنوان، خاصة وأنّ القصة لم تكشف بين ثناياها عن كذب ملموس للمرأة خلال فترة الزيارة، إلاّ لو كان مغزي الكذب ينصرف إلي اتهامها بأنها كذبت بشأن علاقتها معه، إذ علي الرغم من أنها أحبته، إلا أنها فضلت رجلا آخر عليه. وكأنّ هذا العنوان يتسق مع الوهم المسيطر علي ذهنه، لأنه لم يستوعب – أو لم يقبل – حتى تلك اللحظة بعد مضي عشرين سنة إمكانية رفضها له، وما يدعّم هذا الرأي، ما فهمه خطأ من تحركات أناملها علي جسدها، وإلقائه اللوم عليها في نهاية اللقاء، واتهامها بأنها امرأة مملة، لا تعرف آداب الاتيكيت، لكن زوجته، التي ربّما فهمت حقيقة مشاعره أسكتته، بإشارة من أظافرها المصطبغة بالدم!
أما عنوان قصة نجيب محفوظ، الذي كان “الخلاء”، فقد لعب دورا بارزا في (بناء) القصة، وذلك حين جاءت العصابة أولا عن طريق الخلاء، وكان أمامهم مجال للاختيار بين المفاجأة عن طريق الجبل، أو الانحدار عن طريق حي الجوالة، واختار القائد الهجوم الواثق عن طريق حي الجوالة، حتى يعرف الداني والقاصي بأمر الهجوم، فتكون الفضيحة مجلجلة. وعندما آل كل شيء إلي خواء، بعد أن اكتشف موت عدوّه العبثي، وتحوّل المحبوبة إلي شيء آخر لا يعرفه، كان أمامه في طريق العودة اتجاهين، أما أن يمضي عبر الجبل، أو يمضي عبر الخلاء، “وكره فكرة الذهاب إلي الجبل عن طريق الجوالة. كره أن يري الناس أو أن يروه، وكان ثمة طريق الخلاء فمضي نحو الخلاء“. وكان يدور في أعماقه سؤال “ما جدوى العودة قبل أن تسترد الكرامة الضائعة؟ ألا ما أفظع الفراغ“. “هكذا وجدت نفسك قبل عشرين سنة، ولكن الأمل لم يكن قد قبر. وبهذا اكتمل البناء (الدائري) للقصة، بعد أن رجع البطل ثانية إلي (ضياع) نقطة البدء. وهو ما يعني أن يظلّ بطل القصة مسربلا، محاصرا هناك، داخل تلك الدائرة الجهنمية، التي لا نهاية لها، ولا فكاك منها، وهو وان ابتعد عنها، إلاّ أنّها تظل مهيمنة علي تفكيره، كأنها صورة مصغرة (للحياة)، حين يأتي الإنسان إليها من عدم ليواجه في الدنيا، وهي تنقضي كومضة، بالحب والفقد والضياع والموت، ليمضي ثانية إلي خلاء كأنه العدم!





