أكرم محمد
يمارس كتاب “خطوب ودروب” لكاتبه المصري محمد الشبراوي، والصادر عن دار “يلدز”، فعل تأريخ ثقافي لأحداث معاصرة بخلفية معرفية تدعم تلك الأحداث ورؤيتها، وينطلق منها إلى استنطاق الواقع الاجتماعي، الواقعي والافتراضي، ليبدأ في عملية النقد الاجتماعي بكتابة تسكنها ثنائية الساخر/ الجاد.
فعل التعرية هنا تمارسه سخرية تُمارس على طول الكتاب، سخرية تلائم التعرية الصادقة، والرؤية النقدية الاجتماعية التي تمارس ثنائية العام والخاص في النظر إلى القضايا الثقافية والفنية الخاصة، والقضايا الاجتماعية في العالم وبالأخص في الرقعة العربية.
ودائما ما ترتبط القضايا الخاصة والعامة بالعالم الافتراضي، وما يكشفه من العقلية الاجتماعية والثقافية لشعوبنا العربية ومجتمعنا العالمي، حيث النظرة الرأسمالية غير الناضجة للكتابة والفن والثقافة، ككل، مثل مسابقة يُقرأ فيها أكثر من ألف كتاب في وقت قصير، أو الإعلان عن ورشة لكتابة نص في ثلاث أشهر.
وهنا يتجلى التأريخ التثقيفي للكتاب، فيستعين محمد الشبراوي بكتابة جابرييل جارسيا ماركيز عن فعل الكتابة، ويمارس المقاربة بين ما رواه “ماركيز” عن كتاب شباب، وبين النظرة المراهقة للكتابة في مجتمعه المعاصر، ثم يذهب لعنوان آخر هو العنصرية العربية، ويعقبها قضية الأنثى وتأثيرها الاجتماعي السياسي في بعض الوقائع المؤثرة والمؤرخة، المرتبطة من محوري الحدث والخطاب بوسائل التواصل الاجتماعي، والصحافة المعاصرة، ليعود ثانية لمحور الكتاب الأول، وهو تعرية الوسط الثقافي المعاصر وإعادة تشكيل مفهوم الثقافة والفن، وفهم أيدولوجية المجتمع المعاصر من خلال القضايا الثقافية الهامة.
رغم ابتعاد محور أجزاء من الكتاب شكليا عن القضايا الثقافية والفنية، إلا أنها ترتبط بها؛ حيث الارتباط بوسائل التواصل، وحيث المرجعية الفنية للكاتب، يطرح الكاتب منظوره للمجتمع وأفكاره ومشكلاته المرتبطة بالعالم الافتراضي، منطلقاً من مشكلات الأوساط الثقافية، من نقطة تلقي الفن، فيمارس طرحه لأمثلة من الأدب والسينما والوقائع، التي تدعم مواقفه النقدية، وسخريته، والتي تعود دائما لمحور الكتاب الأصلي وهو مشكلات الوسط الثقافي، وممارسة فعل التعرية عليه وعلى المجتمع؛ فيطرح الكاتب أطروحته حول المجتمعات وتأثير وسائل التواصل الاجتماعي بها مستدعيا الوقائع والأعمال الفنية.
وكأنه بتلك الفصول التي مارس فيها تتبع تلك القضية كان يمهد للعودة مرة أخرى لمحور العمل، ليعود للكتابة عن الوسط الثقافي بحادثة مؤثرة تثير السخرية، حيث حضر الكاتب محمد الشبراوي ورشة لكتابة الرواية عام ٢٠١٣ تابعة لمنظمة “كتارا” تحت قيادة الروائي أمير تاج السر، فيفاجأ بما يدور بفكر أحد شعراء الحضور من عدم أهمية وجدوى التلقي قبيل الإنتاج، وكأنهم ليسوا بثنائية لا تكون الثانية إلا بالأولى. يبرر موقفه بوجود المحرر، الذي يتكئ عليه في الكتابة.
من هذه الواقعة تنبثق رؤية الكاتب لوسط ثقافي معاصر متأثر بسياسات عالمية وأيدولوجية مجتمع عالمي، ويقوم بممارسة فعل المقارنة بين نظرة ممارسة فن الكتابة في فن الكتابة وارتباطه الكلي بالقراءة قديما وحديثا، ومن تلك المقارنة يطرح ثنائية معرفية وفنية وثقافية جدلية، محض قضية تنفي أجزاء ثنائيتها بعضها، لينشأ الصراع الفكري، وهي الصراع بين أهمية استقراء الواقع وجعله الملهم الأول، أو الاتكاء على التلقي الفني والثقافي والمعرفي من الكتب ووسائل الثقافة، وهنا يظهر محمود حسن إسماعيل وإبراهيم عبد القادر المازني كنموذجين يمثلان الثنائية، فأولهم ظل متكئا على التلقي الثقافي على حساب الاشتباك مع الواقع، حتى أصيب بما اعتبره البعض تخمة معرفية، فغدا واقعا في شباكه يستقرئ الواقع على حساب قراءاته. ويبرر الكاتب محمد الشبراوي أسباب تلك الحالة بغير التخمة المعرفية، مثل: وفاة زوجة “المازني”..
ينفي محمود حسن إسماعيل أي إنتاج فني ثقافي يتكئ على التلقي المعرفي من الكتب، ويعرض نظرته حول الواقع، وأنه الملهم الأول، وهنا يظهر دور الذاتية والرؤية الانعكاسية الكائنة باستنطاق الواقع، والاشتباك به، فتتم جوانب السؤال عن الاعتماد التام على القراءة، الذي ينفي بدوره الذاتية في براثن بعض الآراء، أو الاعتماد الكلي على الإلهام دون الاطلاع، وهو ما ينفي المنهجية الفنية والثقافية والتطور الطبيعي الملازم لأي عمل إنساني، فيضع الكاتب أوزاره وأطروحته حول القضية، حيث يؤكد أهمية الاطلاع والقراءة النقدية، كما يبرز أهمية المعايشة السردية، والاشتباك مع الواقع.
