حكاية المغني

منة شتا
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

منّة شتا 

في يوم من الأيام صحا المغني ولم يجد صوته. حتى البارحة كان معه، يؤانسه في الليل وهو عائد من عمله، وفي جلسات سمره مع الأصدقاء. يستعرض حلاوة صوته. يطرب له ويطرب من حوله الناس. قلد لهم كل المغنين. غنى كل ما طلبه المستمعون. عاد لبيته بعدها ونام سعيدًا. فماذا حدث؟ لماذا يفتح حلقه الآن فلا يخرج منه صوت. فكر في أنه أرهق صوته بالغناء وعليه أن يريحه قليلاً. لكنه بعد أيامٍ من شرب الأعشاب والصمت، لم يعد له. وفي العيادة قال الطبيب أنه سليم تمامًا، لعلها حالة نفسية.

أي شيء أصابك أيها المغني الحزين؟ هكذا راح يجوب الطرقات. يبحث مهمومًا عن إجابة. هو لم يهمل صوته يومًا. رعاه بكل التمارين اللازمة والأعشاب الدافئة. كان فخورًا به. فلماذا هجره؟ ومتى أغضبه؟ صحيح أنهما كانا يختلفانِ قليلاً. حين يصاب المغني بالإحباط ويقرر ألا يغني. أو يتمنى لو كان له صوت أفضل ويظل يجرب ويغير في أدائه حتى يرهقه. لكن ولا مرة تخلى عنه هكذا.

عليه الآن أن يعثر على صوتٍ آخر. هكذا حاول أن يلتقط أي صوت يمر به. هب عليه الهواء. ولما كان أجوفًا، خاليًا من صوته وروحه. عبرته الريح كصفارة. لم يعجبه صوت الصفير الخاوي. وقف على شاطئ البحر. أخافه هدير الأمواج. لم يحب أن يكون له صوت ضخم كصوت البحر. يريد صوته الحلو الذي يطربه. العصافير صوتها حلو لكنها لا تغني كلمات أشعاره. آه أشعاره.. تذكرها الآن، على كل حال هو توقف عن غنائها. لم تكن تعجب سواه. هو لا يريد أي صوت.. يريد صوتًا يغني كلمات، يريد صوته!

وفي حلمه بكى، صوته كأنه نغمة تطير في الجو. لا يستطيع أن يلحقها. هتف به: لم هجرتني؟ قال الصوت باقتضاب: بل من هجرت أنت! لا تنتظرني.. سأعود حين يعود.

لم يفهم المغني ويأس من العثور على صوته المفقود. هجر جلسات الغناء ونسى الأماكن التي قلد فيها أعظم المطربين. تفرغ لكتابة الشعر وتلحينه.

فقط ذات يوم ربيعي هادئ وهو يلحن أشعاره دندن الكلمات بصوت خافت. فاجأته روعة صوته العائد بعد غياب.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كاتبة مصرية 

مقالات من نفس القسم