مرزوق الحلبي
أمي
وسائدها المطرّزة
تنامُ عليها أحلامي
وتغفو
.
أمي
تُربي الأمل
بالقشّة
والمِخرز
.
أمي
تغزل الحياة بأصابعها
ولا تنتظر أحدا
.
أمي
في السادسة حصلت على راتبها
الأول
وفي الخامسة والتسعين
لا تزال تعيشُ منه
.
أمي
بيتها قِبلة الباحثين
عن كلمة طيبة
وقهوة طيبة
وقلب طيب
يأخذون منه ما أرادوا ويذهبون
.
أمي،
ثلاثة تضيق بهم،
الكذاب والبخيل والمتجبّر
وتمقت مَن لا يشرب قهوتها
.
أمي
تحفظ شعرًا قيل في عرس
جارتهم وهي طفلة
وتحفظ شعرا تقوله للراحلين
وتُحفظُ عنها الحِكمة
.
أمي
لا تخفي حزنها حين تحزن
ولا فرحَها البسيطَ
شفافة من زهرةِ الفلِّ
بيضاء
بيضاء
.
أمي
بحزمها، تُذهبُ القسوةَ
من جنباتِ البيتِ
فأكتُبُ الدروسَ
وأنامُ على رُكبتها
.
أمي
رقيتها
مِكشّة الكوابيس
وعينِ الحسودِ
وحاميةُ القلوبِ من العطبِ
.
أمي
الخُبز في يدِها
وليمةٌ
والماءُ زمزمُ
.
أمي
زرّيعتها
خضراء
على مدارِ الوقتِ
والقواريرُ
والقلبُ
.
أمِّي
تجبرُ خاطرَ المارين في وقتها
فيصيرُ فيلتئم
الكسرُ
.
أمِّي
صلاتُها هناكَ
فألُ خير
ووجها هالةٌ
ونحنُ فراشات
.
أمِّي
على شباكها الأزاهيرُ
وفي صدرها
الأماني
وعلى طاولتها شمعة للذين تحبّ
.
أمي
وقليل من
العسل البريّ
والبُرغلُ
يحميان الحياةَ من العطب
.
أمي
قصّتها
قصَّةُ قريةٍ بكامِلِها
والحياةُ من أوّلِها
.
أمِّي
تكنسُ الشارعِ مِن كلِّ أذًى
فيمشي الأولادُ
ولا يعثرونْ
.
أمّي
لم تنتظرِ الدُعاةَ
سبقتهم!
.
أمّيِ
إذَا حزنَتْ
صارَ النُّواحُ غناءً
شجيًّا
والكونُ نُدبةً
.
أمِّي
تُعدُّ الكُحلَ
للعينِ الجَميلةِ
ووضوحِ الرُؤيةِ
.
أمِّي
يتَّسعُ عَقْلَها للكونِ
ويضيقُ بالّذين
يأتونَها بالخُرافةِ
.
أمي
تسير إلى غايتها
ملِكةً
.
أمي
تغزلُ سيقانَ القمحِ
مهابط للآلهة
أو بساط الريحِ
.
أمي
لا تشكو الحظّ
صنعته أطباقا طائرة مُلوَّنة
يراها كلُّ بيتٍ
.
أمِّي
إذا دخلتِ الحيَّ
استبشرتِ النِّساءُ بالعدلِ
وصدّقوا الميزانَ
.
أمي،
يزهو وجهُها
ويشعّ
كلّما أكلَ الضُّيوفُ
من لقمتها
.
أمِّي
تحملُ على يديْها
حوائجَ البيتِ
إلَى المأتم
فينقطعُ النواحُ
.
أمي
في كلّ عرسٍ
تُطعمُ قريةً كاملة
وضيوفَها
وما يزيدُ
.
أمَّي
في دُعاءٍ تجلبُ الحظَّ
إلَى البيوتِ
وفِي كلمةٍ
تُضيء القلوبَ المُتعبة
.
أمي
هناك لتتكئ النساء
على كتفها
حتَّى يزولُ الوسواسُ
.
أمَّي
حزمُها كالمِخرز في يدِها
لا تأتي منه إلَّا
المسرّة
.
أمِّي
هُدوؤها فسحة
للتأمّل
أو مرآة ترى فيها وجْهَك
.
أمِّي
إذا حكت
فضميرَها
والعدل
أولى الفضائل
.
أمِّي
ستحتفي بك إذا جئتَ
ستُكرمك
حتى تصيرَ مَلِكًا
.
أمّي
لا تثق بالإذاعاتِ
ولا بالأجاويد
إذا ما اهتزت إبرة قلبها
أمِّي
تذرو الكلام
على بيدرها وتذرو
فلا تحتفظ لنا إلَّ بالحبِّ
.
أمِّي
تفتحُ شبابيكَها
للنورِ والريحِ
وعقلَها لِكلِّ مَا هو
منطقيٍّ
.
أمِّي
إذا أخطأت اعترفت
كراهبةٍ
وإذا كانت على حق
سيِّدةُ المغفرةْ
.
أمِّي
تفرحُ للناسِ إذَا فرحُوا
وتهتمُّ إذَا
انجرَحُوا
.
أمِّي
في سَلامٍ تام
مع عُمرِها
ومع مستقبلِها
.
أمِّي
تقولُ الماضيَ مَضَى
والحاضرُ حلوُ المذاقِ
والآتِي،
ستذهبُ إليهِ برجلَيْها
.
أمِّي
تؤمنُ أنَّ كلَّ الناسِ
سادةٌ
لا فيهم أكثر ولا فيهم أقلّ
الفرقُ في السيرةِ
.
أمِّي
إذ لم يقولوا الحقيقةَ
قالتها
فانقشعَ الغمامُ
.
أمِّي
إذا عجزَ القومُ عن
إقامةِ العدلِ
قوَّمتْهُ بمخرَزِها
.
أمِّي
إذا جاءتها امرأةٌ كسيرةٌ
أعطتها قلبَها
وقالت قاتلي بهِ
.
أمِّي
ستشفي حيًّا كاملًا
من التهابِ اللوزتيْن
ومن الحسَد
.
أمِّي
ظلّت تحتضنني
وتحميني من عساكرِ الٍلْطانِ
حتى أتقنتُ لُغتَها
.
أمِّي
التي لا تكتب اسمها
كتبتْ لي حياةً مُثلى
.
أمِّي
الّتِي لَا تكتبُ اسمَهَا
كتَبَتْنِي
وقالتْ أنتَ حُرّ
…..
(آب 2018)