صفاء النجار
من خلال استوديو مصر، تم تقديم عدد من الأفلام الروائية التى اهتمت بحقوق الإنسان سواء السياسية أو الاجتماعية أو الاقتصادية كان أهمها فيلم «لاشين»
يسألنى كثير من الأصدقاء عندما يعرفون موضوع رسالتى للماجستير وهو: «معالجة السينما المصرية لقضايا حقوق الإنسان السياسية فى الفترة من ١٩٥٠- ٢٠٠٠»، هل تناولت الأفلام المصرية موضوع حقوق الإنسان السياسية؟ فأجيب نعم، ولم يكن فيلمًا واحدًا بل «٧٦» فيلمًا، ولصعوبة تحليل هذا الكم الكبير من الأفلام لجأت لأسلوب العينة وتم اختيار ١٩ فيلمًا كعينة تمثل ٢٥٪ من مجتمع الدراسة.
أما حقوق الإنسان التى تمت دراستها فهى: حق الشعوب فى تقرير مصيرها. عدم جواز التعذيب ولا المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللا إنسانية أو الحاطة بالكرامة. عدم جواز اعتقال أى إنسان أو حجزه أو نفيه. عدم التدخل التعسفى فى حياة الفرد الخاصة أو فى شئون أسرته أو فى مسكنه أو فى مراسلاته. حق التمتع بحرية الرأى والتعبير. الحق فى التجمع السلمى. الحق فى حرية تكوين الأحزاب والجمعيات مع آخرين من أجل حماية مصالحه. الحق فى المشاركة السياسية وتقلد المناصب العامة.
يندهش أصدقائى: معقول كل هذه الأفلام وكل هذه الحقوق!! ويسألون: وماذا وجدت؟
فآخذ نفسًا عميقًا وأُمثل صوت الكبير سعد الغزاوى فى برنامجه «قال الفيلسوف» وأقول: هذا أمر شرحه يطول.
فالسينما المصرية واكب نشأتها وتطورها نمو الوعى الجمعى المصرى بضرورة الحصول على الاستقلال، فلا إمكانية لإقرار حقوق الإنسان، خاصة الحقوق السياسية، فى الوقت الذى ينتهك فيه حق الوطن فى تقرير مصيره. وتجسد اهتمام السينما المصرية بحقوق الإنسان السياسية فى تصويرها وعرضها لجنازة الزعيم الوطنى مصطفى كامل ١٩٠٨، وجاء عام ١٩٢٣ ليشهد عودة الزعيم سعد زغلول، وتسجل السينما هذا الحدث وتعرضه عبر الجريدة المصورة من إخراج محمد بيومى.
ومن خلال استوديو مصر، تم تقديم عدد من الأفلام الروائية التى اهتمت بحقوق الإنسان سواء السياسية أو الاجتماعية أو الاقتصادية كان أهمها فيلم «لاشين»، إخراج «فريتز كرامب»، عن قصة للكاتب الألمانى «فون ماين» وسيناريو «ستيفن هارس» وحوار «أحمد رامى» وكانت قضيته الأساسية هى «العلاقة بين الشعب وحاكمه وكيف يصغى إليه وتطبيق العدالة الاجتماعية»، وقد تقرر عرض الفيلم بسينما ديانا بالقاهرة والكوزموجراف بالإسكندرية يوم الخميس ١٧ مارس ١٩٣٨ إلا أنه فى نفس اليوم صدر قرار بتأجيل عرض الفيلم وسحبه من دار العرض وعرض بدلًا منه فيلم «سلامة فى خير» فى سابقة خطيرة لإيقاف فيلم عن العرض لأسباب سياسية.
وأرجعت مجلة «الإثنين» فى عددها رقم ١٩٨ بتاريخ ٢٨ مارس ١٩٣٨ أسباب المنع إلى ملاحظة وزارة الداخلية حول موضوع الفيلم الذى رأت أنه يتناول بإسهاب نقطة سياسية دقيقة فى تاريخ مصر الحديث، وأن هذه النقطة قد يكون لها أثر بارز فى توجيه الرأى العام قبيل المعركة الانتخابية التى تجرى فى أنحاء القطر المصرى فى هذه الفترة، ومن ثم رأى المسئولون فى وزارة الداخلية أن يتفقوا مع إدارة استوديو مصر على إرجاء عرض الفيلم إلى ما بعد الانتخابات.
وقد عرض الفيلم فى ١٤ نوفمبر ١٩٣٨، ولكن بعد تغيير نهاية السيناريو التى كانت مكتوبة فى البداية، وهى تحكى مقتل السلطان على يد كنجر، الوزير المتآمر، واستيلائه على السلطة، أما النهاية الحالية فهى انتصار السلطان على كنجر وعودة لاشين حبيب الشعب، وقد أوضحت واقعة فيلم «لاشين» عدة نقاط:
– إدراك المسئولين المصريين مدى قدرة السينما على التأثير فى الجمهور من تنبيهه لحقوقه وما يقع عليه من انتهاكات لهذه الحقوق.
– تخوف المسئولين الدائم من نمو وعى الجمهور عن طريق السينما، وبالتالى الثورة على الأوضاع التى تهدر حقوقه والتمرد عليهم، وهو خوف يتجذر فى نفوس المسئولين فى كل الأنظمة الشمولية وقد سئل «رقيب أرجنتينى عن سبب منعه أفلامًا معينة على شاشة السينما فى الوقت الذى يسمح بعرضها فى التليفزيون فكان جوابه (أن عدد مشاهدى التليفزيون فى غرفة واحدة لا يتجاوز أربعة أو خمسة أشخاص وهذا التجمع لا يشكل خطورة لأنهم يتفرجون وهم فى عزلة عن أى مؤثر، بينما فى السينما يشكل الجمهور العريض جوًا عامًا تتحد فيه المشاعر، واذا أطلق شخص ما صيحة استهجان أو صرخ معبرًا عن شعور معين فإن الآخرين سوف يتبعونه وعندئذ سوف تشتعل ثورة)..».
وللحديث بقية..