باسم شرف
في (٦ ب شارع قصر النيل – دار ميريت) يدخل في هدوء، يختار مكانه في الجلسة ولا يتحرك إلا عندما يقرر الخروج.. هكذا كانت حياته.
حسين عبدالعليم.. رجل طيب يشبه رائحة الخبز والطحين.. يشبه المارة الذين تشاهدهم لأول مرة في محطة القطار.. تطلب منه ولاعة ليشعل سيجارتك مبتسما دون أن يشعرك بفضل منه في خدمتك.. يبث الراحة في نفس كل من يراه.. لم يكن متكلفا حتي في حكاياته.. فحكاياته هادئة لا تشوبها الفوضي التي تحيطه ولا صراخ.. فقد نظم حياة أبطاله تماما وبث الطمأنينة في قلوبهم.. يعرف شخوصه الذين يحكي عنهم.. هم حقيقيون مثله.. ما أجمل الحكايات التي يحكيها رجل طيب يحب الجميع..
عندما يقرر حسين عبدالعليم أن يحكي، يحكي بهدوء وعين مبتسمة وقلب يحمل الوجع.. يحكي كما يكتب،
يشبه الماء تراه ولا تستطيع الإمساك به.. هكذا هو الرجل الذي جمع شتات نفسه.
ليس لدي يقين كامل بأنه رحل.. غالبا ما أشعر به يدخل ويختار مكانه، حتي أن يأتي دوره في الحكاية.. لم يتطفل أبدا علي دور أحد في الحكي ولا في الحياة، وأعتقد أن تعامله مع شخصياته كان كذلك.. يترك الأبطال يحكون مصائرهم وأحلامهم ومخاوفهم دون تقييم منه أو محاولة لتعديل مصير بطل.. فأبطاله طيبون رغم قسوة الحياة عليهم إلا أنهم طيبون لا يدعون إلي كراهية.
كلما قررت أن أرتب مكتبتي أجد كتابا له.. فهو موزع بين الأرفف مثل كتب خيري شلبي وإبراهيم أصلان ونجيب محفوظ والكثير من الكتاب الذين أحبهم، دائما ما أفضل وضعهم بعشوائية حتي إذا بحثت عن أي كتاب آخر أجدهم أمامي.. النظام يجعل عيني تذهب لمكان واحد الذي أحتاجه.. فربما تمر شهور لا تذهب عيني علي رف ما فأنساه.. فعودت نفسي علي ترتيب الكتب بهذه الطريقة حتي صارت تشبه الفوضي التي أحاول أن أنظمها دائما.
فكلما رأيت كتابا لحسين عبدالعليم كلما تذكرت لمعة عينه وهو يمسك أول نسخة من الكتاب كطفل فرح بلعبة جديدة، ورأيت دموع عينه وهو يحكي عن أحد هؤلاء الأبطال المنكسرين..
الله يرحمك يا عم حسين.