حروف الفجر وحروف الليل

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 32
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

أديب كمال الدين

 *حرف البكاء

حينَ أصغي إلى قلبي

أسمعُ العالمَ كلّه يبكي.

وحينَ أصغي إلى حرفي

أسمعُ صدى هذا البكاء

يتدفّقُ ليلَ نهار

أنهاراً من حاء

وأمطاراً من باء.

 

* حرف اللاأين

حرفُ اللاأين حرفٌ لا يملكُ هلالَ النّون

ولا نقاطَ الشّين

ولا صفيرَ الصّاد

ولا وحشةَ الألف.

حرفٌ لا ينقذُكَ وأنتَ تغرقُ في البحر،

ولا يفيدُكَ بشيء

وأنتَ تتلقّى الطعنات

الواحدة بعدَ الأخرى،

وقد لا يسعفُكَ حينَ ترفعُ يديك

لتلامسَ الغيمَ صارخاً صرخةَ الكون:

أغثني إلهي أغثني.

رغمَ ذلكَ كلّه،

بل ربّما بسببِ ذلكَ كلّه،

يبقى حرفُ اللاأين حرفَكَ الوحيد

ومَلاذَكَ الأسطوريّ الأخير.

فتمسّكْ بهِ كما يتمسّكُ الأعمى بعصاه.

 

* حرف مُعَلَّق

بعدَ أن ضاعَ كلُّ شيء

أصبحتُ حرفاً مُعَلَّقَاً في سقفِ الضّياع،

وصارَ همّي فقط

أن أنزلَ من سقفِ الضّياع

وأمشي على أرضهِ أو أطير في شقّتهِ الضّيّقة.

 

* حرف القشّة

القشّةُ التي تطفو على البحرِ قلبي.

قلبي القشّةُ التي تطفو على البحر.

هكذا أردّدُ مع نَفْسي

وأنا أبدّدُ سبعين عاماً

في مصارعةِ التّيار.

هكذا أردّدُ مع الماء

وأنا أصارعُ سبعين عاماً من الغرق.

 

* حرف الضّحك

في الليل

حينَ عبرت الطائرةُ البحرَ

كانَ الرّكابُ ينامون ويشخرون.

وحدي كنتُ أذهبُ جيئةً وذهاباً في الممر

مُتطلّعاً في ملامحهم المُضحكة

وهم يحلمون أو يشخرون.

قلتُ لنَفْسي:

لا يهمّ فالطيّارُ يقظٌ دونَ شَكّ

لكنّي صُدِمتُ

بل صُعِقتُ حينَ رأيتُه

يشخرُ ورأسه إلى الخلف.

ولذا عدتُ سريعاً إلى مكاني،

عدتُ لأكملَ الرحلة

وأنا أضحكُ طوالَ الوقت،

أضحكُ كي أخفي دموعي،

أضحكُ كي أخفي هَلَعي وجنوني.

 

* حرف البحر

البحرُ يختفي في حرفِكَ ثُمَّ يظهرُ ثانيةً.

وأنتَ، أين أنتَ مِن كلّ هذا؟

ستقولُ: أنا المنفيّ.

وأقولُ لكَ: نعم.

وتقولُ: أنا المنسيّ.

وأقولُ لكَ: نعم.

وتقولُ: أنا وأنا…

وأقولُ: نعم ونعم.

ثُمَّ تقولُ وتقولُ وتقول

حتّى يأتي وقتُ أن يختفي البحر في حرفِك

ثُمَّ لا يظهرُ ثانيةً أبداً

فتختفي أنتَ أيضاً

ولا تظهرُ ثانيةً أبداً.

 

* حرف الرّوح

يا لها من روح؛

في كلِّ يومٍ

ينمو حرفٌ غريبٌ

في إصبعٍ مِن أصابعها العشرة.

*

يا لها من روح؛

أنفقتْ كلَّ ما تملك

على الحُبِّ والمطرِ والجنون

حتّى جنَّ بها الجنون

وأغرقها المطرُ قطعةً قطعة

وخنقها الحُبُّ بأصابعه الحريريّة

وهو يحاولُ أن يقبّلها قُبْلةَ الحياة.

*

على شاطئ الأبديّة،

التقى الموتُ بالشّاعرِ الطّفل

والشّاعرِ المُهرّج

والشّاعرِ الوغد

وقرأ عليهم أنشودتَه المُرعبةَ الكُبرى.

فرقصَ الشّاعرُ الطّفل

وتقيَّأَ الشّاعرُ المُهرّج

وانتحرَ الشّاعرُ الوغد.

*

في مهرجانِ الأرواح

طُلِبَ من الجميعِ أن يقوموا بدورِ الطّغاة

والقتلةِ واللصوصِ والمُهرّجين والمُغفّلين.

وحينَ احتجَّ مَن احتجَّ على سخفِ المطلوب

وتفاهةِ الأدوار

طُرِدَ شرَّ طردةٍ من المهرجان.

وقيلَ: بل أُلقِيَتْ جُثّته من خلفِ الأسوار.

 

* حرف الفجر

في حرفِ الفجر

أرى أطفالاً يغرقون في البحر،

وطغاةً يخططون لشنِ حربٍ جديدة،

وسُكارى يبحثون عن حبيباتِهم في شوارع الوهم،

وراقصات مُرهَقات عُدن من الملهى للتوّ،

وموسيقيين عميان

يقودون بعضهم بعضاً وهم يقهقهون،

وشعراء يكتبون قصائدَهم الجديدة

في سُفنٍ مَهجورةٍ تُدعى سُفن الذاكرة.

في حرفِ الفجر

أرى شمساً تصرُّ على المجيء إلى الأرض

لترسمَ على شُبّاكي المُظلمَ قُبْلتَها الخاطفة

وتعلنَ أن كلّ شيءٍ على ما يُرام!

 

 

 

مقالات من نفس القسم

علي مجيد البديري
يتبعهم الغاوون
موقع الكتابة

الآثم