*عبد اللطيف النيلة
كان سكان بلدتنا ينامون أو يتكاسلون أكثر مما يشتغلون، وكان أغلبهم عاطلا. لذلك لم يكونوا مؤمنين بالحكمة الشائعة: “الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك”. كانوا على العكس من ذلك، متعطشين لقتل الوقت.
وكانت الساعة الوحيدة في بلدتنا، هي تلك الساعة الكبيرة المعلقة على جدار الساحة العامة. ولم يكن أحد يهتم بحركة عقاربها لمعرفة الوقت: كانت مجرد ديكور فقد بريقه مع مرور السنين. لذلك، كان وقتها يمر رتيبا مضجرا ثقيلا.
وذات عصر، تطلع سكان بلدتنا، بذهول، إلى ميناء الساعة الكبيرة.
تحركت “12” من مكانها، ونظرت حولها فيما كانت تشير إلى العقارب. عندئذ هجمت “3” و”6″ و”9″ على العقارب، فانتزعن العقرب النحيل، وألقين به إلى الأرض، هاتفات:
– ويل للثواني!
ثم أتبعنه بالعقرب الكبير، وهتفن:
– ويل للدقائق!
ثم هتفن ملقيات بالعقرب الصغير إلى الأرض:
– ويل للساعات!
عادت كل واحدة منهن إلى مكانها المعهود، وأخرجت “12” من جيبها “كارطة”، وبدأ اللعب. طفقن يلعبن “الروندة”.. “9” و”3″ ضد “12” و”6″.. والأوراق تدور عكس مألوف عقارب الساعة.. من اليمين إلى اليسار.
منذ ذلك اليوم لم تعد أرقام الساعة تحس بالضجر. أصبحت مدمنة على “الكارطة”، تنتقل من لعبة إلى أخرى: من “الروندة” إلى “الصوطا”، ومن هذه إلى “اللعيقي”، فإلى “كانت كوبي”..إلخ.
أما سكان بلدتنا فصاروا يقفون في الساحة للتفرج على مباريات أرقام الساعة. أصبحوا، طبعا، يهتمون بالساعة، وأصبح الوقت يمر سريعا.