عبدالوهاب عبدالرحمن
بابل… عرش السماء.. بوابة الآلهة….
مرمية في صحراء غابة الرمل الأسود
في حين مساء… بعد غياب..
وطأت أرضها سنابك ريح صفراء
توارت خلف الظهور… غدرا.
غمامة عمياء.. تدابر فيها اهلوك..
على جباههم تكسرت رياح المنافي…
طوتهم منحدرات التلال…
ألقت بهم في عتمة الظلال..
لتصمت بعدهم النجوم.
وتأبى قيثارة اور… بعد العهد أن تنشد مزاميرها..
على ابواب إله، تعثرت خطاه بشاعر ملعون…
يثقب عين الريح، وبين تخوم ممالك البحر..تعوم أسرار كلماته… تعري الصدفة والسؤال !!!
واقفة على إصبع الشاعر، متوعدا صداها :
( لا بابل… بعد بابل )
هكذا نطقت الواح الطين.. أبواقها..
كلمات تزدرد حروفها.. همسا أو سهوا !!!
أطفئوا المواقد… غادروا او احترقوا…
( لا بابل… بعد بابل )
ما مات الشاعر بل شبه به !!!
واقفا على أعمدة قيامته
يعتلي جناحي غراب عجوز !!
تربت على أكتاف السماء.. آجالها.
وفي الزوايا البعيدة.. ينحني كهنة آشور… يعبئون العتمات في علب الغفلة..
يخفون خطاياهم في بطون تلك الريح الصفراء..
تشرب العار من سواقيها بساتين الدفلى…
والشجر الملتف بأغصانه، مراوح لحدائق الحكمة.. تملأ أفواه وديانها العيون..
مثقوبة بشهب آلهة حرون..
اقترفت بقيامها.. خطأ الوجود… تطوي به دهورا مجهولة.. غافية على رقم حروفها اللازورد..
خلائقها القصية – بين النار والملح، عيونها ترسم أنهار سومر، طافية على ملكوت خطاياها – أصدائها الشهوة..
تشرب من ضوء الفجر رحيق العشق السماوي..
تدور ثقيلة على راحة إله المسافات، مثل صلاة بابلية،
تخفي رغيف أسرارها.. في أردية الخرافة..
تتدثر بجناحي نهر بلا موج.. ضفافه تسرق حكايا زرقته… من مجهول إلى مجهول… وقوفا على طرق مهجورة… تحف بها حقول سنابل ميتة.. ترانيمها كانت على ضفاف الفرات.. تتراقص بين اصابع الصمت..
وحين غفت على سحب الغواية، تمددت سماؤها على عوالم ابابيل…
ومن واد لواد..تطير معلقة بخيوطها عباب النهايات..
مكتوب في صدر اللوح الأول :
) لا أحد وحده في تراب الهالكين)
الفرات وحده يروي يباس العصور، ونبوءات الأولين..
هل يموت فيه العدم ؟ أم يلملم سواحله البحر – أم على أجنحة الآخرين قشور تكسو ظهور العابرين ملء الفراغ..
أنصت بصمت واشهد..
واعبر سهول تعاويذهم..
لا تحجب عنهم النور..
هؤلاء الحاملون على اكتافهم عتمة المنافي..
الشاربون انفاس شياطينهم..
الغارقون في كهوف الدهور.
بلا أسماء يمضون..
يتسلقون منحدرات جباههم..
هضاب الوهم، فيها تتدارك العوالم صحارى نسيانها..والنجوم عادت بين العيون تسيل حلما يغلق فضاء حقولها..
جفت أنهارها الخطيئة…
والشفق بات يبكي حمرته
وفقد الشاعر – وجهه الإله
ما كانت الأكوان لتكون – وحقول الآلهة هواء..
والعوسج يفرش آلامه حذاء النهر..
حين كان جفاف في حدقات بساتينه – الصبار..
معلقة أبراجها أكناف السماء..
ترمي الأماكن شرقها بغريها..
قرابينها غواية الشجر.
خرساء تلك الابراج.. كريهة.. تلوي أعناق العصور سحائبها – القدر..
على أمواج الأبدية الأبدية..
تستلقي ظلالها على نعوش الريح..
كان ذلك قبل انتظار الطوفان،
وبعد ان داست سنابك الشر رقاب بابل – الطوال.
أن تنحر هذي الدهور السوداء..
وعلى عتبات عرينه – العراق
أنجب من أضلاعه نساء السموات..
وعيون دجلة الساحرات،
تلدن حور الفرات.