حجازي وعالم الأطفال

هكذا قرأت طاهر
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

سمير عبد الغني 

عرفت مصر رسوم الأطفال كعمل فني متميز تستطيع أن تشير إليه عن طريق الفنان بيكار.. أحد سلاطين الفن .. إلا أن بيكار العبقري كان يرسم فناً تشكيلياً للمعارض ورسوماً توضيحية للجرائد والمجلات ويكتب الشعر والنقد الفني ويعزف الموسيقى..

ثم يرسم للأطفال فكان عطاؤه ضمن عطاءات عدة، ولم يستمر وتوقف. وقد ظهرت ريشات بارعة .. مصطفى حسين وحسن حاكم وعبد الحليم البرجيني والبهجوري

وإيهاب شاكر ومحيي الدين اللباد وعز العرب وشاكر المعداوي وعلي الدسوقي وبهجت عثمان وعبد العال ومصطفى رحمة وغيرهم..

لكن لماذا كان السبق لحجازي ؟!!!

 

انحاز حجازي لأطفال طنطا.. وبنات طنطا.. وحيوانات وطيور طنطا وشوارع وغيطان طنطا.. كانت رحلته من خلال القطار مع والده السائق عبر محافظات مصر ومشاهداته هى زاده الذي جاء به إلى القاهرة ليلونها بالرسوم المبهجة.

قد بدأ حجازي عمله برسم الكاريكاتير من خلال مجلتي روزا اليوسف وصباح الخير. لكنه كلما ضاق به الحال وشعر بكبت الحريات وانتشار الفساد داخل المؤسسات الصحفية فكان الملجأ والملاذ هو العالم البكر الذي يملأ قلبه وهذه الرسالة العظيمة داخله الذي كان يحب أن ينقلها لكل أطفال الوطن العربي، فكانت رسومه للأطفال أقرب لرسالة معلم عظيم إلى تلاميذه. ورغم براعة العديد من الرسامين المصريين إلا أن تأثير عالم والت ديزني كان كبيراً جداً ومؤثراً وشديد التطابق.

حتى إن مجلة عريقة كمجلة سمير كانت تأتي بالرسوم الأجنبية وتطلب من الرسام إعادة رسمها مرة أخرى حتى جاء حجازي ليقلب المائدة ويرسم وجوه أطفال نراها في شوارع القاهرة ومزارع الريف المصري. وتحولت القصص المصورة على يديه إلى صناعة مصرية خالصة. وظل حجازي وفياً إلى عهدٍ قطعه على نفسه أن يكون مصرياً خالصاً .. عربياً خالصاً وأن تحمل رسومه طاقة نور وأمل.

لعل قصصه المصورة بعنوان ” تنابلة الصبيان ” تعتبر أول عمل يمكن أن تحتفي به المكتبة العربية كعمل خالص له الريادة في صناعة القصص المصورة المصرية والعربية. لغة بصرية مختلفة.. شخصيات شديدة المصرية.. خفيفة الظل مع حكاية شيقة جميلة تستطيع أن تخرج منها بمعلومة. ولعل تجربة حجازي مع مجلة سمير ثم رحلته إلى دولة الإمارات وعمله بمجلة ماجد.. الذي يعتبر أحد مؤسسيها فرسم شخصياتها ووضع اللبنة الأولى في صناعة أول مجلة عربية خالصة. تؤسس لوعي جديد وتعيد للشخصية العربية احترامها وخصوصيتها وتقديرها. وتنتج من الشخصيات العربية سواء كانت من التاريخ الحافل بالشخصيات العظيمة أو من الواقع الذي يمتلأ بالمبدعين أو حتى الناس العاديين بأنماطهم التقليدية.. حتى أصبحت المجلة ذات طابع خاص تستطيع أن تميزها عن غيرها من المجلات في العالم.

تتميز رسوم حجازي وشخصياته بطاقة المرح الكامنة التي تدعوك للضحك والتأمل في نفس الوقت. وخطوط حجازي بسيطة ومختزلة بوعى وحكمة شديدة. وهى عبارة عن عالم من الاستدارات والإنحناءات تخاطب الوجدان وتحفر لنفسها مكاناً في اللاوعى، تمنحك البهجة كلما تذكرتها..

كما برع حجازي في تصوير مفردات الحياة بريشة دارس لعلم الاجتماع وعلم النفس وعالم آثار يعرف أسرار الحجر والبشر. كل ذلك من خلال ريشة شديدة الاقتراب من الفن الشعبي لكن يصنعه بمذاق شديد الخصوصية ويقترب من روح العصر.

كان حجازي منذ الصغر مولعاً بالقراءة يقول عن نفسه: “كنتُ أقرأ كل ما يقع تحت يدي.. حتى دون أن أدرك معناها تماماً. كتب من الشرق والغرب.. وفي التراث والأدب المعاصر.. وفي التاريخ والفلسفة وشتى ألوان المعرفة.. “. إلا أنه يعترف أن معلمه الذي أثر فيه كان بيرم التونسي ويقول عن أشعاره : “هذه الأشعار جعلتني أشعر أن هناك من يفهم ظروف حينا الفقير ويعبر عنها. ومن فرط حبي لها كنتُ أقرأها كل يوم”.

إلا أن أكثر الأشياء التي تجعلنا نقترب من عالم حجازي لنعرفه أكثر هذا الحوار الذي دار بينه وبين أستاذه في الثانوية العامة عندما سأله : هل يتعلم الإنجليز اللغة العربية كما نتعلم نحن اللغة الإنجليزية؟؟ .. ويقول أن أستاذه رد عليه باستياء شديد : ” ح يتعلموا عربي ليه يا فالح .. ” ويذكر حجازي أنه شعر بالغيظ وظل هذا الرد يراوده وكلما يتذكره يشعر بالحنق والمهانة.. الأمر الذي دفعه كما يذكر إلى رسم أول مسلسل مصور للأطفال بفكر مصري ليس له علاقة بالنقل من الخواجات أو التأثر بهم بعنوان ” تنابلة الصبيان ” ويضيف.. كنت أرسمه نوعاً من المداعبة مع الطفل المصري الذي تعاملتُ معه ومن خلاله كصديق أو كمواطن صغير له حقوق ووجهة نظر يجب احترامها و التعبير عنها.

 عودة إلى الملف

 

مقالات من نفس القسم