حارس الحكايات

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 31
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

ابراهيم داود
قيل أيامها أن حارس الحكايات يفكر فى نغنغة الناس، وأنه قرر فتح بوابات المدينة فى الليل، وأمر بطلاء الجدران كلها باللون اللبنى، كان جديدا على الناس ، جلس على مقربة منهم فى المقاهى المطلة على البحر، ق لم يكن هناك بحر، كانت برك صغيرة متراصة على الجانبين ، ولم يشاهد طفل واحد هناك، المدينة أيامها كانت خارجة من نوم عميق، وكانت البيوت أعلى كثيرا مما هى عليه الآن، والحارس يشعر بالغربة، وكان مفلسا، سكن فى الشهور الأولى فى بيت ضيق، أو بمعنى أدق فى غرفة واسعة فى بيت ضيق، المدينة التى اختارها كانت صغيرة، يمكن قطعها ذهابا وإيابا فى يومين مشيا على الأقدام، أطلق على نفسه اسم “سعيد”، هو يبدو سعيدا أمام الناس، ولكنه كان يبكى حين يخلو الى نفسه، حبيبته هى التى حكت للناس فيما بعد، وقالت أنه تزوجها وهى فى مطلع العمر، ولكنه خاف من الإعلان عن هذا الزواج حتى لا تفسد المدينة، حبيبته جاءت من قرية فى منتصف البلاد، وكان صوتها جميلا وكانت تكتب أغنياتها بنفسها، وتطل من الشرفات العالية فى المواسم تشدو بألحان غامضة، تحمس لها الشعراء وكتاب الحكايات الشباب الذين ارتبطوا بها فى كواليس الدنيا، كان اسمها “حياة”، وغيرت اسمها بعد ذلك، بعد أن سافرت مع شخص غريب يتحدث لغة غريبة ويدرس الطب البدوى، خرج سعيد ذات صباح الى الأسواق ليستأجر بيتا يخلو فيه الى نفسه، ليمسك طرف الحكاية كما كان يردد.. ولكنه اختفى
1
مرت عقود ، الى أن قال أحدهم أن شخصا من أحفاد سعيد الحارس ظهر فى المقابر وأنه يجلس فى ” غرزة بيليه” بجوار مسجد السلطان برقوق ،والتى يطلق عليها روادها اسم “التكية”، وأنه يشبه جده تماما، وبالغ فى وصف ملامح الحفيد، .. فى نهاية الثمانينيات من القرن الماضى لم يكن فى القاهرة على قيد الحياة من عاصر سعيد الحارس، ومع هذا صورته مطبوعة فى الأذهان، وتبارت أجيال من الفنانين فى رسمه، بوجهه الودود وبنيانه الهزيل وشعره الحليق، وأيضا صورة حبيبته “حياة”.
2
“التكية” ككل الغرز المحترمة تنتقى روادها بعناية، ولا يسمح فيها بشرب الخمر ولا اصطحاب النساء،” بيليه” صاحب المكان متجهم طوال الوقت، هو فى منتصف الثلاثينيات من العمر، ولكنه يبدو فى الستين، ويعود طفلا اذا أخطأت ابتسامة ومرت على ملامحه، يوجد شبه كبير جدا بينه وبين أسطورة كرة القدم جعل الجميع ينسى أن اسمه شعبان، هو لا يشجع كرة القدم، ويغضب جدا اذا ناداه أحد : يا كابتن! ، واذا سأله أحدهم ( وعادة بسبب الشبه بينه وبين البرازيلى الساحر)، يقول أنه “كان بيشجع الترسانة زمان وبطل تشجيع كورة بعد ما باظت”، ثم يقول حكمته الشهيرة بجدية، بعد أن يشد نفسا محترما من الشيشة وهو يشيح بيده اليمنى : “هى دى كورة ولا دى لعيبة .. زمان الواحد كان بياخد الكورة على صدرة ويطلعها من مناخيره”، وينخرط بعدها وحده فى ضحك هستيرى، ضحك من النوع الذى تسقط معه دموع، هو الوحيد الذى يشرب على الشيشة، الزبائن يشربون على “الجوزة النحاس” …مسجل خطر قديم، يجلس الى باب المقهى الضيق على كنبة تسع اثنين(هو الوحيد الذى يسميها كرويتة)، ويتابع سير العمل بالداخل بالنظرات، “المخنجية” الذين “يخدمون على الناس” يختارهم بعناية، والمخنجى يعرف أنه ليس السلطان، لأنه يتقاضى أجرا على عمله، أما الذى يحمل لقب سلطان هو الذى يخدم أصدقاءه ويتعامل مع الفحم والمعسل ويتولى الإدارة بمفرده من باب المحبة ليس أكثر، ومن نظريات شعبان الكثيرة التى تستوقفك، أنه يرى أن انسب شخص يقوم بمهمة “تكييف” الناس ببساطة وبدون فذلكة ورغى هو الشخص الذى فشل فى العمل كترزى أفرنجى ، وأنه يذهب بين الحين والآخر الى ميدان الأوبرا بحثا عن وجوه جديدة،حرصه على نظافة معدات الشرب ولمعان “الجوز” صنع له سمعة طيبة فى دوائر الأفندية الذين يجيئون اليه من مسرح الطليعة ومجلتى روزااليوسف والإذاعة والتلفزيون وحانات وسط البلد، وطبعا الرواد الأصليون من شباب تجار الموسكى والغورية وخان الخليلى والصالحية وسوق منشية ناصر ، “ترويشاته” المفاجئة المبهجة المجانية، بعيدا عن الشاى والقهوة تسعد الجميع، السعادة التى تأتى دائما فى وقتها، فهو اذا وجد الجو جميلا و”الليلة نجف”، يدخل على الزبائن بأرز بلبن ومهلبية ويقوم الى النصبة بنفسه ليعد لهم فى الشتاء المختلط(قرفة على جنزبيل)، توفيق يعتبر الصديق الوحيد لشعبان بين كل الأفندية، هو يذهب مبكرا ثلاثة أيام فى الأسبوع، وربما يأخذ معه سندوتشات كبده اسكندرانى من التى يحبها ببيليه، وتظهر على ملامحه وهو يلتهمها علامات شجن من نوع غريب، لا يتحدثان كثيرا، ولكنهما منسجمان، وتستطيع أن تقول أنهما أصدقاء، توفيق يحمل كاميرا حديثة، مفتون بالعمارة الإسلامية، ووقع فى غرام مسجد قايتباى تحديدا، يذهب الى هناك قبل غروب الشمس ليصطاد لقطاته الخاصة.

3
فى النصف الثانى من ثمانينيات القرن الماضى، كان العشرينيون الذين لم يتعلموا فى مدارس الحكومة لا يعرفون غير بعضهم، اخترعوا فيما بينهم شفرات فى الحوار مطعمة بجمل انجليزية سريعة، تجعل الذين لا يجيدونها من الأجيال الأكبر يشعرون بالحسرة، وفى الوقت نفسه ينظرون بإعجاب الى هؤلاء الشباب الذى لم يتكعبل فيما تكعبلوا فيه، هم واضحون وطبيعيون فى علاقاتهم ، والبنت زى الولد، واذا قصدت أحدهم فى الوقوف الى جانبك من أجل هدف نبيل له علاقة غالبا بالعنوان الذى تجلس تحته وتدب إصبعك فى عين التخين اذا زايد عليك أحد فيه، الذى هو الوطن، يكون حاضرا، معظم الذين ظهروا منهم فى الدائرة التقليدية بوسط المدينة كانوا يحملون كاميرات حديثة، كنت تشعر وهم يرتبون حقائبهم المحشوة بالعدسات والبطاريات وشرائط الفيديو الصغيرة أنك أمام أشخاص يعرفون أشياء من الصعب تعلمها، معظمهم فى الغالب من ميسورى الحال ، الذين يسافرون كثيرا خارج مصر، ويذهبون داخلها الى سيوة والواحات والصحراء البيضاء ودهب ورأس شيطان وشرم الشيخ ومرسى علم،ارتبطت أرواحهم بما ينتجه الغرب من موسيقى، ويتعاملون باستعلاء مع ما يحبه الناس العاديون، وتضطر أن تدافع وأنت معهم عن أغانيك التى لا تحتاج الى دفاع، وتسعى الى تجنيد بعضهم للوقوف مع ذوقك اذا احتدم النقاش فى دوائرهم الليلية التى لا تعرف لماذا تكون سعيدا وأنت فيها؟

4

استغرب توفيق جهامة شعبان، كان الجو حارا، وهو انتهى من رش الماء أمام التكية وجلس على الكنبة مربعا، ولم يفكر حتى فى فتح لفة السندويتشات، سأله بعصبية الذى ينوى الإنصراف : هو فيه ايه؟، أجاب شعبان بخجل ووجهه فى الأرض : زعلان منك يا أستاااااذ، وقبل أن يستطرد كان توفيق أوشك على الإنصراف، ولكنه قال بصوت عال : زعلان لأنى كان لازم أعرف؟، عاد توفيق وجلس الى جواره وعرف منه أن شخصين مرا عليه فى الصباح وسألا عنه وقالا له أنه حفيد أسطورة العوالم ومؤسس الكلام، ضحك توفيق وهو يكرر ” أسطورة العوالم ومؤسس الكلام”، عاد الرجلان وكان توفيق “يصطبح ” فى الداخل، أجلسهما شعبان بعيدا عن المدخل وعاملهما هذه المرة بغلظة مغلفة بعتاب، وأخبر صبيه بإبلاغ الأستاذ فى الداخل، استقبل الرجلان توفيق بالأحضان،وهو وقف مندهشا، أحدهما راح يقبل يده اليمنى ويبكى، وبكى شعبان أيضا .. بل ونهنه واهتز جسده كله وهو يبكى
5

لا علاقة لتوفيق بما يقال، وتعامل مع الرجلين فى بداية الأمر على أنهما يعانيان خللا ما، ولكن بعد قليل انتبه الى ثقافة وأناقة الرجل الكبير، وأنه هو نفسه رسام الكاريكاتير المعروف صفوت زهران ، حاول فى البداية أن ينفى أى علاقة تربطه بالرجل الأسطورة، وأنه من أصول ريفية معروفة فى المنوفية، وأن والده حى يرزق ويعمل مدرسا للغة الإنجليزية، وأنه عائد حديثا من إعارة فى اليمن ويعيش مع بقية الأسرة فى روض الفرج التى ولد وتربى فيها، وأنه يعمل محاسبا قانونيا مع خاله عبد الرؤوف عبده القيادى فى الحزب الوطنى بمحافظة القاهرة فى شارع الفضل بوسط البلد، وجنب العمل مشغول بالتصوير الفوتوغرافى (الأبيض والأسود) وله سمعة طيبة فى دوائر المحترفين، وانه يعيش حاليا بمفرده فى شقة صغيرة فى شارع البلاقسة بعابدين بعد زيجة مهببة لم تستمر سوى ستة شهور من كاتبة مدعية تدعى نهى النجار، الرجل الذى قبل يديه هو اسماعيل الرايق ذراع الفنان اليمنى ومسئول الكيف، لم يصدق ما قاله توفيق، وأخرج من حقيبته “بورتوريه” لسعيد الحارس، ونادى لشعبان الذى يراقب من بعيد وسأله : ” مين ده؟”، شعبان نظر الى البورتريه والى توفيق، وانخرط مرة أخرى فى البكاء، الغريب أن الشبه بين الرسم والصورة كان واضحا لدرجة مربكة ، بدأ التوتر يظهر على توفيق أمسك البورتريه وتأمله لحظات، ثم رماه بعيدا، وانصرف مسرعا دون أن يعلق .

6

اختفى توفيق الأسبوعين الأخيرين من أغسطس 1988عن منطقة قايتباى، لأن الباحثين عنه فى ازدياد، وتوقف عن الذهاب الى التكية، هو لم يدخل مسجد السلطان صباحا طوال تاريخه مع المكان والذى بدأ فى شتاء 1986، هو يذهب عادة مع صلاة العصر، وبعد أن “يصطبح” على مقهى ابراهيم الغول المقابل للمسجد، والذى يطلق عليه كثيرون “قهوة الجنيه” لأن صورة المسجد تزين الجنيه الورقى، وهو فى الأصل كان اسطبل خيل قايتباى، أحيانا يدور حول المسجد وعينه على المئذنة، اعتبره السكان الأصليون من دراويش السلطان الطيب وكانوا يعاملونه برقة، وهو كان كريما مع من يتعامل منهم معه، المئذنة يبلغ ارتفاعها 44 مترا وتتكون من أربعة طوابق وتعد من أرشق وأجمل المآذن المملوكية بشكل عام بسبب التناسق والتوازن من حيث الإرتفاع مع القبة الضريحية والتى قال عنها “برس دافن” فى كتابه “الفن العربي” : ان فى نسبها جمالا وفى زخرفها ثراء ورقة. المقهى يرتاده كتاب ومسرحيون واذاعيون ، توفيق لا علاقة له بهذه المجموعة، ولا يحبها، لأنها من وجهة نظره تتعالى على خلق الله، ولأن شخصا يدعى فارس يعمل فى مطابع دار الهلال أشاع أنه يعمل مع الأمن، توفيق يظهر مع صديقين فقط فى هذا المقهى، هما سالم نوح وصابر مصيلحى، أو مع أحدهما، فى غيابهما يدخن أكثر، ويبدو متوترا، ويتحدث كثيرا مع شعبان القهوجى فى موضوعات لا رأس لها ولا أقدام، عرف منه ما قاله فارس، فى البداية وجه نظره على طاولته، وفارس انتبه وبدأ يشير للحضور الى توفيق بما يوحى أنه على حق، توفيق انتظره ليلتها على قهوة شكوكو، التى يركن سمير سيارته “السيات” جنبها، أو جنب مقبرة الإمام محمد عبده التى ستكون الى يمينك وأنت نازل من عند السلطان على شارع صلاح سالم، فتح سمير السيارة وهو مبتسم، ابتسامة مسطول تذكر شيئا، وقبل أن يدخل قدمه اليمنى وجد توفيق أمامه وكأن الأرض انشقت وخرج منها، أمسكه من رقبته، من زمارة رقبته، بغل حقيقى، غل الذى يوشك على ارتكاب جريمة، واستخدم ألفاظا نابية لا تتسق مع مظهره، تدخل رجل ستينى من أهل الشارع يرتدى جلبابا أبيض وأفلت فارس من بين يدى توفيق، وقال كلاما من الكلام الذى يقال فى مثل هذه الظروف، والتى يتم فيها شتيمة الشيطان وأن “مفيش حاجة مستاهله” وما الى ذلك، وتوقف الموضوع عند هذا الحد، وحين تلتقى العيون، تهرب نظرات سمير أمام الغضب الذى يغرق عينى توفيق.

7

قد لا يكون صفوت زهران رساما عظيما مثل نجوم جيله، ولكنه رجل طيب ومحب وكريم، مشكلته الأساسية فى دوائر الصحافة والثقافة انه رجل سلطة، ويتحامل على المعارضين وخصوصا اليساريين منهم، وبارك زيارة رئيس البلاد للقدس ورسم سلسة عن “ضربة المعلم” كانت تحتفى بها نشرات الأخبار، وأيضا أيد اعتقالات سبتمبر الشهيرة والتى رمى فيها الرئيس كل رموز البلد تقريبا فى السجون، ومع هذا لم يحصل على شيء يذكر، فقط مساحة أسبوعية فى مجلة محدودة التوزيع وبالطبع التأثير، لم يتربح من عمله، لأنه مستور أبا عن جد، هو من عائلة كانت تمتلك مصنعا للزجاج فى الإسكندرية تم تأميمه فى عهد سابق، لم يكن مرحبا به فى الدوائر التقليدية للمثقفين فى وسط المدينة بسبب آرائه، انفصل عن زوجته الثانية والتى كان يعيش معها فى بيتها فى شارع اسماعيل محمد بالزمالك ، واضطر الى العودة الى شقة شارع الفلكى فى باب اللوق، قام بتقفيل البلكونة وركب فيها “شفاط”، ورتب “قعدة” تسع ثلاثة أشخاص بخلاف السلطان الذى ضبط له مكانا أعلى، وكان حريصا على اشعال البخور معظم الوقت حتى لا يقال عنه أنه حشاش، شباب العمارة أعجبوا به، ويتجهم الكبار عند رؤيته، وهو كان لا يكف عن السخرية منهم.

8

خرج اسماعيل الرايق ” معاش مبكر” سنة 1985، وفتح دكانا لبيع الفحم فى شارع زنين ببولاق الدكرور، وتخصص فى بيع فحم أشجار الفاكهة الأغلى سعرا، هو اختار زبائنه منذ البداية، يعرف أن صاحب المزاج لن يبخل على دماغه، كان يرد على على زبون الفحم العادى بألاطة قائلا “بطلنا اللى يعطلنا”، محاسن أم أولاده من العمار قليوبية، وحسين خال أولاده هو الذى يورد له الفحم، ليس فحم المشمش المشهورة به العمار، ولكن أيضا فحم العنب والبرتقال والجوافة والخوخ، فى البداية كان يفتح الدكان فى الصباح ويجلس أمامه ومبسم الشيشة فى فمه، فى الشهر الأول كان لا يبيع شيئا قبل أذان العصر، فقرر أن يفتح بعد أن يصلى العصر، ويسهر حتى وقت متأخر من الليل، ذاع صيته بسبب جودة الفحم، وأيضا بسبب احترامه لزبائنه ومعاملته بما يرضى الله، وبدأ أصحاب المزاج يتوافدون من الدقى وبين السرايات وأول فيصل والمهندسين، وتخصص أيضا فى بيع معسل “مزاج كامل” وكان يذهب الى المصنع فى الحلمية الجديدة لشراء ما يكفى الجماهير بسيارة نصف نقل كل شهر، صفوت زهران أحد زبائنه، وصار بينهما كلام وأنفاس ونكات تضحكهما فقط، دعاه الفنان الى شقة الفلكى للإحتفال بتدشينها مقرا للروقان، أحب عالم الأفندية واشتغل سلطانا لهم، يسقيهم وينظف المعدات ويضبطها، هو لا يتحدث كثيرا، ولكنه يعلق بين الحين والآخر تعليقات غالبا أقل من مستوى الكلام الذى يقال، تغيرت مواعيد الدكان مع مرحلة شارع الفلكى، يفتح فى موعده المعتاد ويغلقه مع أذان العشاء، تغيرت حياته وملابسه وأصبح معروفا فى باب اللوق وعابدين كواحد من شلة صفوت زهران، الى أن ظهر ذات ليلة فى ديسمبر نبيل وليم الرسام اليسارى المشهور فى شقة الفلكى، ولاحظ أن صاحب المكان يعامل اسماعيل الرايق بغلظة لأنه نسى نفسه وبدأ يعامل بعض الضيوف بصفاقة، نبيل وليم رجل حنون وعلاقته بصفوت ليست على ما يرام، ولكنه يذهب اليه لكى يتوسط الأخير لإخراج سجين سياسى أو لتعيين شاب فى صحيفة أو بنك، وكان يسخر من أساطيره وعوالمه السرية والتى على رأسها حكاية سعيد الحارس، ليلتها أخذ الرايق معه، وعزمه على عشاء فاخر فى “رووف” فندق أوديون بشارع عبد الحميد سعيد، وكانت المرة الأولى التى يشرب فيها ويسكى، واتفق معه على أنه سيقوم بتعليمه التصوير الفوتوغرافى وكيفية تحميض الصور، وبعد يومين اشترى له كاميرا “زينيت” روسية، ومشى خلفه فى الشوارع يوجهه ويضبط معه زوايا الرؤيا، وبدا الرايق كتلميذ يتعلم كل شئ من أوله، بعد أيام استطاع نبيل وليم من الحاقه بالعمل فى الجريدة الخليجية بشارع مراد بالجيزة.

……………………
*من كتاب حارس الحكايات يصدر قريبا

*عن “الأهرام”

مقالات من نفس القسم